الحل الذي قدمته أوروبا حتى الآن لمنع الهجرة غير القانونية غير مفيد ولم يحقق أهدافه لأن هذا الحل كان يقضى بإبرام اتفاقيات شراكه مع دول جنوب المتوسط هدفها الأساسي إحكام الرقابة الأوروبية على التحول الديمقراطي في هذه الدول ومثال ذلك اتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية والاتفاقيات الأوروبية عموماً وعقد مؤتمر في روما في الأسبوع الثالث من شهر يوليو 2023 بعد تزايد المخاوف من تفاقم الهجرات غير القانونية إلى أوروبا وبعد تفاقم وتزايد اعداد الضحايا وتزايد عصابات المهربين. وقد بلغ عدد الضحايا أكثر من عشرين ألف ضحية منذ عام 2014 ورغم ذلك لا تزال قوارب الموت مزدهرة ولا تزال عصابات المهربين تتزايد.
وتنقسم دول الجنوب المتوسط إلى مجموعتين من هذه الزاوية
المجموعة الأولى هي الدول التي ينطلق منها المهاجرون.
المجموعة الثانية هي الدول التي يعبر منها المهاجرون إلى أوروبا خاصة تونس وليبيا ومصر ويتضمن الحل الأوروبي مساعدات مالية للمناطق التي ينطلق منها المهاجرون وقد ثبت أن هذا الحل في دول غير ديمقراطية لا يفيد لأن الحكومات غير الديمقراطية تستولي على المال دون أن تعالج أسباب الهجرة.
وقد فكر الاتحاد الأوروبي عدة مرات في أن يتصدى بنفسه لقوارب الموت ويوقفها في البحر المتوسط وفكرت أوروبا في أن تشكل أسطولاً أو قوة بحرية تشرف على هذه المهمة بالتعاون مع الدول المشاطئة للبحر المتوسط كما أن موضوع الهجرة كان يتصدر المؤسسات المختلفة التي نشأت على ضفاف المتوسط.
والمشكلة في هذه الحلول هي أن هذه الحلول لا تعالج جذور المشكلة كما أن مصالح الدول الأوروبية ورغبتها في أن تكون هي السيد والشطر الآخر هم العبيد وأن تحتكر الأمن والازدهار والسيادة خاصة وأن أوروبا يتناقص فيها المواليد كما يتناقص عدد السكان وتخشى أن المسلمين في أوروبا يصبحون أكثرية مما يزيد من معاداة الإسلام والمسلمين مما يطلق عليه الإسلاموفوبيا ولكن يميز أوروبا بين الهجرة المشروعة دائماً وبين الهجرة غير القانونية أي لا يدخل المهاجر بتأشيرات دخول وتريد أوروبا أن تستعين بعدد من أبناء الجنوب تختارهم وفقاً لشروط معينة فيدخلون بشكل قانوني تمييزاً لهم عن الهجرات غير المرغوبة التي تأتي جزافاً.
والحق أن الحل الحقيقي للمشكلة يحتاج إلى مراجعة أمينة لأسباب الهجرة وتعلق شباب الجنوب بأوروبا وكلما زاد الرخاء في أوروبا زاد الشقاء في بلاد الجنوب مما يدفع المزيد من هجرة أبناء الجنوب إلى أوروبا مهما كانت العراقيل. ومادامت أوروبا تريد أن تسد النقص في سكانها بعناصر معينة مفيدة للمجتمع الأوروبي وترفض الهجرة العشوائية المكلفة مالياً ونفسياً والمحرضة للعناصر اليمينية المتطرفة داخل أوروبا لأنه لابد معالجة جذور المشكلة بأمانة.
وجذور المشكلة هي أن أوروبا لا تريد أن ترى أسباب الهجرة بأمانة وشجاعة وأسبابها هي فشل الحكومات في إجراء التنمية الكيفية لجذب سكانها وعدم هروبهم من البلاد إلى أوروبا ولذلك فإن الحل الأوروبي لا يمكن أن ينجح لأن أوروبا تشجع النظم الفاشلة والدكتاتورية في دول الجنوب وتظن أن هذه النظم تكفل مصلحتها هي فتنعم هي بالرخاء وبالأمن والازدهار والاستغلال للموارد والجنوب يعاني من القهر والطغيان على دول الجنوب وأوروبا تدرك ذلك جيداً منذ العهود الاستعمارية ولكن أوروبا لم تكن حساسة اتجاه هجرات الجنوب في تلك العصور وبدلاً من حل المشكلة بمواجهتها بصراحة ولا تكتفى أوروبا بترديد منافق لنصرة حقوق الإنسان في تلك الدول فهي تستطيع أن تغير الحكام وتستطيع أن تجبرهم على الاصلاحات السياسية والاقتصادية بذلك الحل فقط تنجو أوروبا من تدفق اللاجئين كما تنجو دول الجنوب من الفقر والقهر الذى يدفع أبناء هذه البلاد إلى التماس الحرية والخبز والعمل في أوروبا.
ورحم الله زماناً في ثلاثينات القرن المضي وبعيد الحرب العالمية الثانية كان المهاجرون الأوروبيون يفرون من أوروبا إلى مصر بحثاً عن العمل والترفيه والعيش الرغيد فردت أوروبا الجميل لمصر لما ضاقت بالمصريين الأرض بما رحبت ويوم يجف النيل يلتمس المصريون الحياة في أوروبا ولن تستطيع لهم منعاً، وحينئذ تدرك أوروبا مدى الجرم الذي ارتكبته.
فليجتمع العقلاء من الطرفين ويناقشون النفاق الحكومي الأوروبي.
مصدر الصورة: وكالة تاس الروسية.
إقرأ أيضاً: الهجرة غير الشرعية: نزيف عبر المتوسط
السفير د. عبدالله الأشعل
سفير سابق ومساعد وزير الخارجية الأسبق / أستاذ محاضر في القانون الدولي والعلاقات الدولية – مصر