يقول المصريون أن علاقة مصر بفلسطين تتراوح بين ثلاثة فرضيات:

الفرضية الأولى، أنهم مسلمون، والثانية أنهم عرب، والثالثة أنهم جيران، وهذه الأسس كلها تقوم على فرضيات سطحية، ويقول المصريون أيضاً إن مصر هي أكثر الدول العربية تضرراً وتضحيةً للقضية الفلسطينية فقد سقط من المصريين عسكريون ومدنيون ضحايا الاعتداءات الإسرائيلية على مصر، وعندما كنت أعمل في السفارة المصرية في أثينا في السبعينات من القرن الماضي، قال رئيس الوزراء اليوناني لسفيرنا وكنت موجود في هذه المقابلة “إن مصر يجب ألا تحمل نفسها فوق طاقتها وأن تتحمل فقط القسط الذي تحتمله من التضحيات؛ لأن هذه القضية تخص العرب جميعاً فيجب أن يشترك العرب مع مصر”.

وهذا المنطق كان يناسب في ذلك الوقت الرئيس السادات؛ لأنه برر زيارته للقدس في نوفمبر 1977، بأنه يأس من العرب وأن مصر لا تنتمي للأمة العربية وأن مصر لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية مادامت العروبة هي التي تتطلب من مصر التضحية من أجل فلسطين وقد أعلن الرئيس السادات ذلك مراراً.

ولكن الصحيح أن مصر لا تجامل الفلسطينيين ولا تُضحي من أجلهم، وإنما مصر تدافع عن أمنها القومي في فلسطين؛ لأن إسرائيل إذا سيطرت على كل فلسطين فإن الضحية الثانية هي مصر، وقد تم تداول فيديو هذا الأسبوع من دهب المصرية حول سائح إسرائيلي يتحرش بفتاة مصرية في دهب، ولما نهرته قال إنها ضيفٌ على أراضي إسرائيل وادعى أن دهب أرض إسرائيلية بدليل أن الإسرائيليين يدخلون دهب بدون تأشيرات! فهذا الذي صدر عن السائح الإسرائيلي يعبر عن أطماع إسرائيل في سيناء، وأنها تنتظر ضم سيناء إليها بعد الانتهاء من فلسطين، ويذكر أن (الظاهر بيبرس) رئيس مصر في ذلك الوقت في القرن الثالث عشر تلقي إنذاراً من (هولاكو) زعيم التتار الذي دمر بغداد وأسقط الخلافة العباسية، ولم يرد الظاهر بيبرس على الإنذار وإنما جهز جيشاً بقيادة قُطز وزحف به لملاقاة التتار في فلسطين، وشهدت جينين بالضفة الغربية أمجاد الجيش المصري في هذه المعركة وأنهى الجيش المصري أسطورة التتار إلى الأبد، وانتقلت الخلافة العباسية إلى القاهرة ونقلها العثمانيون عندما احتلوا مصر عام 1417 إلى القسطنطينية، ثم تم إلغاء الخلافة في تركيا علي يد (كمال أتاتورك) في مارس 1924، ولكن التيارات الإسلامية ظلت تزعم أن الإسلام قد سقط بسقوط الخلافة الإسلامية وهذا وهم كبير لم يثبت في التاريخ هذه الحقيقة.

الخلاصة، أن علاقة مصر بفلسطين ليست تضحية من مصر، وإنما الحقيقة أن إسرائيل زُرعت في فلسطين من أجل دمار مصر، فوجب على مصر أن تُعادي إسرائيل، وتعتبر الفلسطينيين خط الدفاع الأول عنها، وتعتبر المقاومة سلاحاً مصرياً خالصاً، ولذلك يجب أن يتعدى الموقف المصري والفهم المصري وفق هذه الحقائق وأن يكف المصريون عن هذه السذاجة في طرح العلاقة بين مصر وفلسطين؛ لأن الموساد يروج في مصر مجموعة أكاذيب هدفها الوقيعة بين مصر وفلسطين، والغريب أن بعض المصريين يستجيبون لهذه الأكاذيب، ولذلك وجب تنبيههم وتبصيرهم إلى هذه الحقائق التي تعلمها قيادة مصر جيداً على مر العصور وأولها (الملك فاروق)، ولكنه اتخذ موقفاً عنيفاً ضد إسرائيل، وإنما أرسل الجيش المصري لمساعدة الفلسطينيين ضد العصابات الصهيونية وأبلي الجيش المصري بلاءً حسناً، ولكن قيادة الجيوش العربية التي كانت تحت إمرة (الملك عبدالله ابن الحسين) لم تكن فعالة، فلم يكن هناك تنسيق بين الجيوش الستة العربية التي خاضت حرب الـ 48، ولذلك هزمت جميعاً أمام العصابات الصهيونية وأمام الجيش البريطاني الذي ساند هذه العصابات ومكن إسرائيل من حصار القوة المصرية في الفالوجة في فلسطين لأكثر من ستة أشهر، واشترط لفك الحصار أن تقبل مصر على توقيع الهدنة معه، وقد وقعها النسر (النقيب محمود رياض) في جزيرة رودس يوم 9 فبراير 1949، ومحمود رياض هو وزير خارجية مصر ومندوبها الدائم في الأمم المتحدة والأمين العام للجامعة العربية فيما بعد..

وكتب محمود رياض في مذكراته قصة اتفاق الهدنة وكيف أن إسرائيل ضمت كثيراً من الأراضي منها إيلات الإسرائيلية (أم رشرش المصرية).

مصدر الصورة: الشرق الأوسط.

إقرأ أيضاً: أسباب موقف الحكام العرب المعادي للمقاومة ضد إسرائيل

السفير د. عبدالله الأشعل

سفير سابق ومساعد وزير الخارجية الأسبق / أستاذ محاضر في القانون الدولي والعلاقات الدولية – مصر