ثبت أن الحكام العرب يعادون المقاومة ضد إسرائيل وهذه ظاهرة وثقها الحكام العرب أنفسهم في قرار صادر من الجامعة العربية، وكان الحكام العرب يؤيدون الهوية الفلسطينية وليس المقاومة وبداوا يميلون لإسرائيل وموقفهم من تقديم المبادرات للتسوية هو موقف مشبوه لأنهم وتعلم إسرائيل ذلك يفترض أنهم مع الحقوق الفلسطينية ولا يتصور أن يطالبوا غيرهم بالحقوق الفلسطينية وهم لا يؤمنون بها ويمكن تفسير موقف الحكام العرب المعادي للمقاومة بأمرين الأمر الأول أن موقف الحكام العرب المعادي للمقاومة يستند إلى تعليمات الولايات المتحدة خاصة وأن إسرائيل تقوم بضمان كراسي الحكم العربية وأن شرعية الحاكم العربي مستمدة من علاقته بإسرائيل.
والأمر الثاني هو أن الحاكم العربي يعتبر المقاومة في ذاتها معارضة وهو يبغض المعارضة ولا يستطيع الحاكم العربي أن يفهم الفرق بين المعارضة الداخلية لحكمه من بين الشعب وبين المقاومة التي يقوم بها غرباء ولكن نظراً لأن المقاومة تؤدي للإضرار بإسرائيل فهم جميعاً وخصوصاً المحيطون بإسرائيل لديهم تكليف بالمحافظة على أمن إسرائيل وحتى لا ينكشف الحكام العرب بسبب هذا الموقف المشبوه يتذرعون ويتسترون وراء معاداة السلام وهناك أمر ثالث يمكن أن نضيفه إلى الأمرين الآخرين في تفسير موقف الحكام العرب المعادي للمقاومة ضد إسرائيل وهو تخلي الحكام العرب بالطبع عن دعم المقاومة بعد تخليهم عن مواجهة إسرائيل بجيوشهم الخاصة بعد أن تحولت الجيوش الرسمية التي تحمي البلاد إلى جيوش خاصة لحماية الأنظمة ولذلك توثق أمريكا وإسرائيل علاقاتهما بكبار القادة العسكريين خصوصاً في البلاد الرئيسية التي تخشى إسرائيل من جيوشها ولذلك فإن الحكام العرب صمام الأمان لإسرائيل ضد كل ما يضرها في المنطقة.
وسبق أن أشرنا إلى أن المقاومة ضد إسرائيل جناحان الجناح اللبناني وهو حزب الله والجناح الفلسطيني وهو مجموعة المنظمات المقاومة بقيادة حماس وكافة شعب المقاومة تستمد تمويلها وتسليحها من إيران ويرتد الأمر إلى دائرة أوسع وهي الصراع الأمريكي الإسرائيلي مع إيران وإذا زال هذا الصراع فقد لا تجد إيران حافزاً لدعم المقاومة ضد إسرائيل ولكن إيران تعتبر المشروع الصهيوني أداة للولايات المتحدة في المنطقة ولذلك فالأصل هو الصراع الإيراني الأمريكي وإن كانت إسرائيل أظهرت في بعض الفترات تمردها على الحليف الأمريكي وخاطرت في بعض الأحيان بالتفكير في مهاجمة إيران ولكن بعد طوفان الاقصي في السابع من أكتوبر 2023 أصبح واضحا أن الغرب كله بقيادة الولايات المتحدة والحكام العرب بدرجات متفاوتة ضد حماس وأن بقية أطراف معسكر المقاومة لهم حسابات خاصة وبالنسبة لحزب الله هددت واشنطن وإسرائيل بأنهما سيضربان بيروت بنفس الطريقة التي أباد بها غزة وفي هذه الحالة يعتبر حزب الله عدوا للبنان ولن يقبل اللبنانيون أن يكون عمل حزب الله ضد بلادهم وهذا هو السبب فيما يبدو لتحفظ حزب الله بل إن الخسائر الكبيرة التى مني بها حزب الله ربما تكون دافعا ذاتياً للتحفظ.
أما سوريا فكان يمكن أن تحرك جبهة الجولان السورية المحتلة ولكن لديها تحذير من إسرائيل وأمريكا أيضاً لوسمحت سوريا بأن يعمل حزب الله أو القوات الإيرانية ضد المصالح الأمريكية على الأراضي السورية فان اسرائيل تفعل مافعلته يغزة .أما إيران فهي رأس معسكر المقاومة ولها حسابات معقدة لأن إيران عضو أساسي في المعسكر المعادي للغرب الذي يضم الصين وروسيا ولاحظت إيران أن أذرعها معطلة ومعنى ذلك أنها تخاطر بتعريض نفسها لهجوم مباشر من القواعد الأمريكية في الخليج وربما إعطاء بعض الدول في الخليج تسهيلات لإسرائيل لضرب إيران وعلى كل حال فلانعلم مصير الموقف الإيراني من العملية خاصة إذا لا قدر الله أجهزت إسرائيل على حماس.
والثابت أن الحكام العرب وصلوا إلى هذا الموقف المعادي للمقاومة ضد إسرائيل بعد أن تبينوا أن مناصبهم أهم من أوطانهم أو ربما يعتقدون أن قراراتهم المؤيدة لإسرائيل تخدم مصالح أوطانهم ولكن المؤكد أن مصالح النظم العربية مضمونه من جانب إسرائيل ولا تجرؤ دولة عربية أن تخرج رسميا عن هذه الحدود صغرت الدولة أم كبرت وكلهم في قبضة أمريكا وإسرائيل وتاريخ العلاقة بين الوطن والنظام رأينه في مصر حيث بدأ الحاكم الوطني يفخر لأنه أول حاكم وطني في تاريخ مصر بعد الحكم الفرعوني وأنه ضد الاستعمار والصهيونية وضد الرجعية العربية ويقصد بها نظم الحكم الأسرية في الخليج لأن نظم الحكم في العالم العربي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: نظم الحكم الأسرية
الفرق بين النظم الأسرية والملكية فرق كبير الملكية لها دستور وضعه البرلمان ويحاسب الحكومة بينما النظم الأسرية تملك الأرض والشعب وهي محتاجة إلى ضمان لأمنها لأن مثل هذه النظم تتصارع فيما بينها داخل الأسرة الواحدة على السلطة والنفوذ وقد أتقنت أمريكا هذه اللعبة فورثت من الامبراطورية البريطانية دول الخليج التي كانت تتدخل لفرض الحاكم الذي تريده داخل الأسرة بأموال الأسرة أيضا مثل السعودية حيث دفعت 500 مليار دولا للرئيس ترامب الذي أكد في تصريح موثق أن السعودية لا تستطيع أن تبقى ساعة واحدة بغير الحماية الأمريكية وبالطبع صورت أمريكا مصادر الخطر وبالغت جدا فيه فتارة جمال عبدالناصر وتارة أخرى معمر القذافي وتارة ثالثة صدام حسين وأخيرا إيران الثورة الإسلامية وبينما لعبت أمريكا بالزعماء الأخرين فهي استشعرت الخطر والجدية من إيران بينما فعلت في دول الخليج الأخرى وفي تغيير الحكام ما يتفق مع مصالحها السياسية والاقتصادية ونجحت أمريكا في اختراق إسرائيل لمعظم الدول العربية وأولها مصر عن طريق أنور السادات.
القسم الثاني: هو نظم الحكم العسكرية
وقد بدأته بريطانيا وأمريكا في مصر عن طريق الضباط الشبان ثم انتشرت الانقلابات العسكرية في ليبيا والسودان والعراق وسوريا واليمن وغيرها وشهدت بعض الدول سلسلة من الانقلابات العسكرية ولم يتسنى فهم وجهة نظر جمال عبدالنلصر وما الفائدة التي تجنيها مصر من نهاية الانقلابات العسكرية وقال أحد المفسرين أن جمال عبد الناصر فعل ذلك لأنه كان يريد أن يضمن وحدة نظم الحكم تمهيدا لإقامة الدولة العربية الكبرى تحت زعامتها ولذلك فإن فكرة الانقلاب العسكري والحكم العسكري في نظر هذا المفسر جزء من نظرية القومية العربية.
القسم الثالث: هو نظم الحكم المستندة إلى الأحزاب الايدولوجية
مثل حزب البعث بفرعيه في العراق قبل سقوط صدام حسين وفي سوريا حتى الآن والطريف أن كل الزعماء العرب الذين تسابقوا على رفع راية العروبة هم أعداء العروبة وهم الذين تسببوا في اصابة الأمة العربية بجراح خطيرة سواء في مصر أو في العراق أو في اليمن أو في ليبيا.
وهذا الموضوع يحتاج إلى دراسات أوسع ويكفي أن نقول في هذه النقطة إن الولايات المتحدة قد وضعت بتفسها أداة مهمة من أدوات تنفيذ المشروع الصهيوني وهي استئناس الحكام العرب ودون أن نسيئ إلى أحد فقد يكون بعض الحكام العرب لعبوا أدوارا مرسومة بحسن نية ولكن المؤكد أن عام 1948 وعام 1952 لهما علاقة وثيقة ببعضهما وفي عام 1948 قامت إسرائيل واتخذ الملك فاروق موقفاً رافضاً لإسرائيل بل وأعلن الحرب عليها وأرسل فرقه من الجيش لمنع قيام إسرائيل ومساعدة الأخوة الفلسطينيين على صد العصابات الثصهيونية التي كانت تقوم بمجازر ضد الفلسطينيين وقد اتخذ الملك فاروق هذا الموقف منذ البداية ولكن الملك فاروق فوجئ بأن الفرقة المصرية تم حصارها في منطقة الفالوجة في فلسطين وأن إسرائيل التي قامت بالفعل رفضت فك الحصار إلا بتوقيع اتفاقية الهدنة مع مصر وهكذا استخدمت إسرائيل هذه الخطوة لكي توسع دائرة الخطوات مع مصر وأعتقد أن بريطانيا والولايات المتحدة قررتا في ذلك الوقت رحيل الملك وأن يحل الضباط الصغار مع الإخوان المسلمين محله ولذلك أيد الإخوان رحيل الملك ظناً منهم أنهم سوف يحصلون على الحكم في النهاية ولم يعلموا أن الخطة الأمريكية كانت تقضي بأن يساعدوا الضباط ثم تنصر أمريكا الضباط ثم تساعد عبدالناصر على أن يكون زعيماً بعد التخلص من زملائه وهكذا لعبت اللعبة الأمريكية وملا عبدالناصر الآفاق المصرية والعربية بالشعارات وكان الجيش المصري على طول الخط ضحية هذه الشعارات دون أن يقابلها إرادة حقيقية وإمكانيات مناسبة فكان ان دخل جمال عبدالناصر الحرب عام 1956 وعام 1967 بمنطق الربابة كما يقول نزار قباني وكانت تلك أول محطات المشروع الصهيوني منذ قيام إسرائيل عام 1948.
والواقع أن تحكم واشنطن في الحكام العرب قد ضمن الشعوب العربية والإسلامية أيضاً وخاصة بعد الصراع على السلطة في مصر بين الطبقة العسكرية الحاكمة وبين الإخوان المسلمين وكان التيار الإسلامي هو الأكبر في الشارع السياسي العربي فقامت الثورات العربية ضد الحكام وضد العلاقة الآثمة بين هؤلاء الحكام وبين واشنطن وإسرائيل ولذلك قد كانت واشنطن وإسرائيل أشد الأطراف اهتماماً بقمع هذه الثورات وكانت إسرائيل هي الأداة الفعالة على أساس أن الثورات كانت تريد تغيير الوضع المريح لإسرائيل وواشنطن ففي مصر قامت الثورة على حسني مبارك والحكم العسكري بشكل عام وأدركت واشنطن أن قيام نظام ديمقراطي مدني في مصر يعني نهاية إسرائيل ولذلك اجتهدت في قمع الثورة وإحباطها بل ومساعدة الحكام على جلدها ورغم أن الحكام ينتمون إلى الحلف الذي تتزعمه واشنطن فإنهم لاعتبارات مفهومة اتهموا الثوار بالعمالة لواشنطن واتهموا واشنطن بتمويل هذه الثورات فكيف لعاقل أن يدرك أن واشنطن تنفق أموالاً على تغيير نظم هي في خدمتها فقد كان حسني مبارك يلقب إسرائيلياً بالكنز الاستراتيجي لإسرائيل يترتب على ذلك أن ضمان ولاء الحكام العرب يضمن موت الشارع السياسي العربي عن طريق السكوت على انتهاكات حقوق الإنسان سوى بعض التقارير لإبراء الذمة من منظمات حقوق الإنسان العالمية ولذلك وجدنا هذا الشارع العربي والإسلامي غائباً تماماً عندما تكتل الغرب مع إسرائيل لإبادة غزة والفلسطينيين وحماس.
مصدر الصور: أرشيف سيتا.
إقرأ أيضاً: الحجج الغربية والإسرائيلية لإقناع مصر بالتوطين
السفير د. عبدالله الأشعل
سفير سابق ومساعد وزير الخارجية الأسبق / أستاذ محاضر في القانون الدولي والعلاقات الدولية – مصر