في ظل تداعيات القرار التركي بالموافقة على انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تتجسد صورة معقدة لتحولات استراتيجية قد تؤثر بشكل كبير على المشهد الدولي، حيث تمثل هذه المرحلة الجديدة تحولاً في الديناميات الإقليمية وتعاون الدول، مع اتساع رقعة الأثر الدولي لهذا القرا، حيث يشهد العالم اليوم تغيُّرات في توازنات القوى والتحالفات، مما يُلزِمنا بفحص تداولات هذه التحولات وفهم العواقب الاستراتيجية لمثل هذه الخطوات.

في هذا السياق، يتطلب منا ذلك، فهم عميق للتحليل السياسي القدرة على رصد المستجدات وتفسير الأبعاد المعقدة للقرارات الدولية، ومن هذا المنطلق، نستعرض في هذا السياق التحليل الاستراتيجي لتداولات قرار تركيا الأخير، وكيف أثّر ذلك على السياق الإقليمي والدولي، كما سنلقي نظرة على التداولات السياسية والعسكرية، ونحاول توقع العواقب المحتملة لهذه القرارات على العلاقات الدولية والتحالفات الإقليمية.

بدأ الأمر عندما وقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على المرسوم الرئاسي المتعلق بانضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وذلك بعد موافقة البرلمان التركي على مشروع القانون الذي يتعلق بهذا الانضمام، إنهاءً بذلك فترة طويلة قضتها أنقرة في تأجيل الموافقة، لقد كانت أنقرة قد ربطت موافقتها بعدة شروط نفذتها ستوكهولم وواشنطن، والتي وافقت على صفقة بيع مقاتلات F16 المعلقة لتركيا، وبإتمام هذا القرار التركي، تظل السويد على بُعد خطوة واحدة من الانضمام الرسمي إلى الحلف، وبالتالي زيادة عدد أعضائه إلى 32 عضواً، مما يوسع نطاق تأثيره في التعامل مع روسيا ويعزز قدرات الحلف في مواجهتها، كما يترتب على هذا القرار تأثيرات كبيرة على العلاقات التركية الروسية، خاصةً في ظل التداخل الكبير بين مصالحهما في عدة قضايا إقليمية بالشرق الأوسط وآسيا الوسطى، يتسبب هذا القرار أيضاً في تصاعد التوترات بين روسيا وحلف الناتو الذي اعتمد سياسة التوسع بعد بداية الأزمة في أوكرانيا قبل عامين، مما يُسرِّع من تحول الصراع نحو مواجهة مباشرة بين الطرفين.

وجدير بالذكر أنه في مايو 2022، قدمت السويد طلباً رسمياً للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وهو خطوة تأتي بعد ثلاثة أشهر من العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، بالتالي، إن هذا القرار يشكل نهاية لحياد السويد التقليدي، ويعكس المخاوف الأمنية من احتمالية امتداد النزاع الروسي إلى أراضيها، إلى جانب رغبتها في تعزيز الأمان الجيوسياسي الأوروبي في مواجهة التحديات المتزايدة من جانب موسكو، وعلى الرغم من ذلك، أعلنت تركيا رفضها لهذا الطلب، ما أثر سلباً على عملية الموافقة، حيث يشترط ميثاق الحلف الموافقة بالإجماع على انضمام أي دولة جديدة، ورغم أن 28 دولة وافقت بالفعل على انضمام السويد إلى الناتو بحلول نهاية العام 2022، إلا أن تركيا والمجر قامتا بتعليق موافقتهما، وتتجلى أهمية التعليق التركي من خلال عدة أبعاد، حيث يشمل ذلك:

أولاً، تُظهر موافقة تركيا على انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو” استراتيجيتها المُدروسة ورغبتها في تحقيق أهداف أمنية وسياسية معينة. اعتمدت تركيا مبدأ “التدرج” في موافقتها، حيث فضلت تفريق عملية الموافقة إلى عدة مراحل لتعكس ثقلها الاستراتيجي داخل الحلف، أولاً، رفض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مايو 2022 طلب السويد للانضمام، مع تأكيده على هذا الرفض، ثم تبعت مرحلة التفاوض في يونيو 2022، حيث عُقد اجتماع رباعي بين أردوغان ونظيره الفنلندي ورئيسة الوزراء السويدية وأمين الناتو، تم خلال هذا الاجتماع توقيع مذكرة تفاهم ثلاثية برعاية الناتو لبحث المطالب الأمنية التركية، بعد ذلك، أُنشأت لجنة مشتركة للبدء في المناقشات وتحديد الشروط التي وافقت عليها أنقرة، أما في أكتوبر 2023، بدأت تركيا مرحلة التصديق على انضمام السويد، حيث قدم الرئيس أردوغان البروتوكول الخاص به إلى البرلمان، وفي يناير 2024، أقرت لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الموافقة على انضمام السويد إلى الناتو، بعد شهر، قام أردوغان بتوقيع المرسوم الرئاسي الذي يُظهر موافقة تركيا الرسمية على انضمام السويد إلى الحلف، وهو ما أنهى 20 شهراً من التأجيل الدقيق لموافقتها.

ثانياً، على الرغم من التوترات التي شهدتها العلاقات بين تركيا والسويد في الفترة الأخيرة، أظهر تحالف الأحزاب الحاكمة في تركيا، المكون من حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، دعماً قوياً لقرار انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو”، فقد أكد رئيس البرلمان التركي، نعمان كورتولموش، أن “طريق السويد إلى الناتو سيكون مفتوحاً بما يتناسب مع استجابتها لمطالب تركيا”، وجاء هذا التأكيد في سياق مصادقة البرلمان التركي على مشروع القانون المتعلق بالموافقة على انضمام السويد إلى الناتو في جلسة استمرت لأكثر من 6 ساعات في 23 يناير 2024، حيث شارك في الجلسة 346 نائباً، حيث وافق 287 نائباً على المشروع بينما رفض 55 نائباً وامتنع 4 عن التصويت، بالتالي، تبرز هذه الديناميات السياسية استراتيجية تركيا في تعزيز تكاملها مع السويد داخل إطار الناتو، مما يعكس القدرة على تحليل تفاصيل الدعم السياسي والتصويت في السياق الإقليمي.

ثالثاً، أحدث قرار انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو” تصاعداً في الانقسامات بين أطياف المعارضة في تركيا، ففي خطوة مختلفة عن تحالف الأحزاب الحاكمة، صوت نواب حزب الشعب الجمهوري، الذي يعد أكبر أحزاب المعارضة، بالموافقة على هذا القرار، بينما رفضه نواب حزبي الجيد والسعادة، في حين تجاهل نواب حزبي الديمقراطية والشعوب الديمقراطي، المؤيدين للأكراد، التصويت بشكل كامل.

ومن جانبها، ألقت رئيسة حزب الجيد، ميرال أكشنار، كلمة نقدت فيها موقف حزب الشعب الجمهوري، مشيرةً إلى أن الأخير صوت لصالح انضمام السويد إلى الناتو، بدوره، دعا رئيس حزب الوطن، دوغو برينشاك، البرلمان التركي إلى رفض عضوية السويد في الناتو، معتبراً ذلك خيانة لأمن تركيا وتفاعلاً مع التهديدات التي تواجهها من الحلف، بالتالي، تظهر هذه الانقسامات السياسية الحادة التي تصاحب القرارات الدولية المهمة، وتعكس قدرة المحلل على استنتاج تأثيرات هذه الأحداث على الديناميات الداخلية للأحزاب والتنافسات الانتخابية المقبلة.

رابعاً، تجاوبت السويد بشكل فعّال مع متطلبات تركيا، ما أدى إلى تعزيز العلاقات الثنائية بينهما، على الرغم من عدم موافقة المجر على طلب السويد، لم تفرض شروطاً مماثلة لتلك التي فرضتها تركيا، فقد تضمنت الشروط التركية عدة نقاط، منها عدم السماح للعناصر الإرهابية المقيمة في السويد بالتنظيم ضد أنقرة، وتسليم عناصر من حزب العمال الكردستاني وجماعة “فتح الله غولن”، بالإضافة إلى مواجهة الإسلاموفوبيا ووقف التظاهرات الكردية المناهضة لتركيا.

وفي استجابة فعّالة، أصدرت السويد قانوناً جديداً في مايو 2023 لمكافحة الإرهاب، يحظر الأنشطة المتصلة بالجماعات المتطرفة، بما في ذلك حزب العمال الكردستاني، كما أغلقت بعض المؤسسات المصنفة كإرهابية وتابعة لحزب العمال الكردستاني، وفي خطوة أخرى، عدّلت السويد قانون الجنسية والهجرة لمنع وجود عناصر معادية للدول الأخرى على أراضيها، بالتالي، إن هذه الإجراءات تعكس تكامل استراتيجي للسويد مع متطلبات تركيا، مما يظهر القدرة على فهم الديناميات الدولية والإشكاليات الأمنية والسياسية المعقدة.

خامساً، تلقّت موافقة تركيا النهائية على انضمام السويد إلى حلف الناتو ترحيباً حاراً من قبل الجانب الأمريكي الأطلسي، فقد عبّر الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ، عن إعجابه بالخطوة التركية، حيث أجرى اتصالاً هاتفياً مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لبحث الدور المتزايد لتركيا داخل الحلف، كما أشاد السفير الأمريكي في أنقرة، جيفري فليك، بقرار البرلمان التركي، معرباً عن تقديره لتأكيد التزام تركيا تجاه الناتو.

في السياق ذاته، أكد وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، أن الولايات المتحدة تقدر جداً قرار البرلمان التركي بالموافقة على انضمام السويد إلى الناتو، مؤكداً التزام تركيا المستمر تجاه الحلف، حيث رحَّب رئيس الوزراء السويدي، أولف كريسترسون، بالموافقة التركية، ووصفها بالتطور الإيجابي، مع التأكيد على استعداد السويد لمواصلة التعاون الوثيق مع تركيا في مجال مكافحة الإرهاب.

بالتالي، يحمل قرار تركيا بالموافقة على انضمام السويد إلى حلف الناتو تداعيات استراتيجية ذات أبعاد مُعَقَّدة، حيث حققت تركيا مجموعة من المكاسب الاستراتيجية، بينما نجحت السويد في تحقيق هدفها بالتوسع نحو الشرق تجاه روسيا، وبشكل عام، يظهر أن الموافقة التركية على انضمام السويد ستخلق تأثيرات متعددة، تشمل ما يلي:

 يأتي قرار البيت الأبيض بالموافقة على صفقة مقاتلات إف-16 لتركيا بعد الموافقة على انضمام السويد إلى الناتو، يعكس هذا القرار دعماً أمريكياً لتركيا ويعزز التعاون العسكري بينهما؛

 إعلان كندا رفع القيود عن صادرات الأسلحة لتركيا يعزز التعاون العسكري بين البلدين، مما يُعزِّز موقف تركيا في المجتمع الدولي؛

 قد يسهم القرار في تقوية العلاقات السياسية بين تركيا والدول الغربية، خاصةً مع الولايات المتحدة، ويعزز دور تركيا في المنطقة؛

 قد تشهد العلاقات التركية الروسية تأثيراً سلبياً، خاصةً في ظل التوترات القائمة بين الناتو وروسيا؛

 يمكن أن يُدرك الغرب الأمريكي والأوروبي أن قرار تركيا يتجاوز السياسات التي قد تكون غير متناسبة مع القيم الديمقراطية، مما يؤثر على العلاقات بين تركيا والغرب؛

 يعزز انضمام السويد إلى الكتلة الأطلسية (الناتو) في الاتجاه الشمالي الشرقي، مما يؤدي إلى تغييرات في ترتيبات الأمان للحلف وقد يزيد من التوتر مع روسيا.

بالتالي، يظهر أن انضمام السويد إلى الناتو يشكل تحولًا في الديناميات الإقليمية والدولية، ويطرح تحديات جديدة للعلاقات بين الدول المعنية، وقد يكون له تأثير كبير على السياسات الأمنية في المنطقة، وبشكل أكثر وضوحاً، إن التركي القرار ليس مجرد تطور إقليمي بسيط، بل يمثل نقطة تحول حاسمة في السياسة الخارجية التركية، بل إن تحليل المستجدات يتيح لنا فهم العديد من الجوانب الاستراتيجية التي قد تؤثر على المشهد الدولي في الفترة المقبلة، في هذا السياق، يبدو أن تركيا تسعى إلى تعزيز دورها كلاعب استراتيجي رئيسي في المشهد العالمي، وذلك من خلال توسيع دائرة تحالفاتها وتعزيز علاقاتها مع أعضاء حلف الناتو، خاصة وأن هذه الخطوة أتت في ظل تفاقم التحديات الأمنية والاقتصادية العالمية، وتأكيداً على التزام تركيا تجاه الحلف وتعاونها في مجابهة التحديات الإقليمية والدولية.

بالتالي، من الممكن أن تكون تلك الخطوة إشارة إيجابية نحو تحقيق توازن جديد في الساحة الدولية، حيث تعزز تركيا دورها كلاعب مؤثر ومساهم فعّال في الأمن العالمي، في هذا السياق، قد تشهد العلاقات الدولية تحولات إيجابية نحو التعاون والتنسيق الفعّال بين أعضاء الحلف الذين يتشاركون في مواجهة التحديات المشتركة.

وفي الختام، يظهر أن التحديات الراهنة تتطلب من الدول العمل بروح التعاون والتضافر، وتركيا تبدو واقعة في قلب هذا السيناريو، حيث سيكون من المثير للاهتمام رصد تأثير هذه الخطوة على الديناميات الإقليمية والدولية، وكيف ستسهم في تعزيز الاستقرار والتعاون الدولي في الفترة القادمة.

مصدر الصور: أرشيف سيتا.

إقرأ أيضاً: السياسات التركية المتوازنة تقوّض حلف الناتو

عبد العزيز بدر بن حمد القطان

كاتب ومفكر – الكويت