ابراهيم شير*
المحظور وقع، ومخطط تيودور هرتزل الذي تجاوز عمره الـ120 عاما نُفذ، بعد اعتراف الرئيس الاميركي دونالد ترامب بالقدس المحتلة عاصمة لاسرائيل ونقل سفارة بلاده من تل ابيب الى القدس، متخذة بذلك قراراً لم يجرؤ أي رئيس للولايات المتحدة قبله على القيام به منذ عام 1995 عندما اقر الكونغرس الاميركي قرارا بنقل سفارة واشنطن الى القدس، لكن جميع الرؤساء الاميركيين عطلوا القرار منذ ذلك اليوم. ولكن ماذا تغير خلال 22 عاماً؟
ترامب لم يحترم الحكام العرب الذين يعتبرون انفسهم حلفاء لبلاده، واتصل بهم ليخبرهم قراره ولا ليستشيرهم، ضارباً بعرض الحائط تحذيراتهم وتنديداتهم وحتى رسائل بعضهم التي يرجونه فيها بأن لا يقدم على هذه الخطوة، وذلك خوفاً على عملية السلام التي وأدت بالفعل. اذا، لماذا يتكلمون عنها حتى الان؟ بالاضافة الى انهم خائفون من نظرة شعوبهم لهم، لانهم لا يزالون يحاولون خطْب ود الاحتلال والتطبيع معه علناً. فخطوة الرئيس الاميركي ستؤخر التطبيع بضعة شهور لأن من يريد التطبيع لا تهمه لا القدس ولا الاقصى. ترامب لم يحترم ايضاً مشاعر العالم الاسلامي ومن جاكرتا الى طنجة، ووقَّت قراره في ذكرى مولد النبي محمد (ص) ليحول هذا اليوم من تاريخ فرح للمسلمين لحزن على تهويد مسرى نبيهم واولى قبلة لهم.
الخطوة الاميركية لم تكن اعتباطية بل كانت مدروسة بدقة عالية، فمن ينظر الى خريطة الشرق الاوسط بعد 22 عاماً على قرار الكونغرس بشأن القدس، يرى ان العراق منهك في بناء دولته بعد احتلال وارهاب دمر مقدرات البلاد. وجيش سوريا منهك في حرب ارهابية فُرضت عليها بالاضافة الى إقتصاد مدمر نتيجة هذه الحرب باهظة الثمن. اما مصر فهي منهكة بتأمين الطعام للشعب، وسخرت لذلك جيشها للعمل في مصانع الطعام. ودول مجلس التعاون ملهية، بمعظمها، في صنع الانقلابات الداخلية والحروب الخارجية بالاضافة الى تهيئة الارضية الشعبية للتطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي. ودول المغرب العربي تكفيها صراعاتها الداخلية. اذن، هذا هو الوقت المناسب فعلياً لاتخاذ مثل هذه الخطوة، التي من اجلها دمر وانهك جميع من ذكرت.
ان قمنا الان بإجراء إستفتاء للشعوب العربية حول قرار ترامب بشأن القدس. كم سيكون عدد المتفاعلين والمتعاطفين؟ في سوريا، على سبيل المثال، كان خبر هبوط سعر صرف الدولار متداول اكثر بين النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي اكثر من خبر القدس، وهو نتيجة واقعية لحرب استمرت نحو 7 سنوات انهكت الشعب والهته عن قضيته المركزية، واكتفت معظم الشعوب العربية بتغيير صورة الحساب على الفيس بوك وتويتر للقدس عاصمة فلسطين، وكأنها مبارة كرة قدم بين ريال مدريد وبرشلونة ومشجع الفريق يضع شعار ناديه لفترة محدودة على حسابه وانتهى الامر.
ردة الفعل العربية يجب ان لا تقتصر على التظاهرات وتغيير الصور وهذه الامور التي لن تغير في الامر شيء، بل يجب ان تتطور الى اعتصامات مفتوحة امام السفارات الاميركية بمختلف دول العالم، وقطع الطريق امام مقر الامم المتحدة في نيويورك بتظاهرات حاشدة يومية، ومقاطعة للبضائع الاميركية والاسرائيلية والتي، للاسف، تغزو اسواقنا العربية بكثرة. في بداية انتفاضة الاقصى عام الـ2000 ادت عمليات المقاطعة الشعبية العربية للبضائع الاميركية الى خسائر كبيرة لكبريات الشركات في واشنطن وهو ما جعل الولايات المتحدة تجبر الاحتلال الاسرائيلي على التراجع عن عدة سياسات اتخذها ضد الفلسطينيين. وقتها، تعاطف الشارع العربي بشكل كبير مع الانتفاضة وتضامن معها وتحول الشهيد البطل الطفل محمد الدرة، الى رمز لكل الاطفال العرب.
الولايات المتحدة راهنت على الشارع العربي السطحي الذي تشاهده عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن ما لا تعرفه ان الشارع العربي والفلسطيني قد يفاجئك بأي وقت، والاحتلال يكاد لم ينسَ حتى الان انتفاضة القدس التي اندلعت قبل اشهر قليلة وجعلته يتراجع عن قراراته بحق المسجد الاقصى، مجبراً ومرغماً على ذلك.
اتمنى ان تفاجئنا الشعوب العربية بتحركات تجبر الرئيس ترامب على التراجع عن قراره، فلا حياة انسانية بدون القدس ولا وجود لأمتنا بدون الاقصى.
*كاتب واعلامي سوري
مصدر الصور: روسيا اليوم – اليوم السابع