أكثر من عقد ونصف والعلاقات بين دمشق وأنقرة متوقفه بسبب الحرب على سورية و،لكن يبدو أن هناك قرار دولي لإعادة العلاقات الثنائية، وهذه المرة عرّاب هذه المصالحة هو العراق، بدعم أقليمي ودولي، حيث صرّح رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، في 31 مايو/أيار 2024، أن حكومته تعمل على تحقيق المصالحة بين البلدين.

أيضاً، قال السوداني للإذاعة التركية: “إن شاء الله، سنرى بعض الخطوات في هذا الصدد قريباً”، مضيفاً أنه على اتصال مع الرئيسين السوري، بشار الأسد، والتركي، رجب طيب أردوغان، فيما يتعلق بجهود المصالحة.

خلال الحرب، دعمت تركيا الجماعات المسلحة التي كانت تقاتل في “الحرب الفاشلة” مع الولايات المتحدة ومنظمة حلف شمال الأطلسي – الناتو على سوريا من أجل تغيير النظام، الذي بدأه الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، العام 2011.

وفي العام 2022، أعلن الرئيس أردوغان أن إسقاط الرئيس الأسد لم يعد هدف حكومته في سوريا، في حين لم تنجح المحادثات المباشرة الأولى الرفيعة المستوى بين البلدين، التي جرت بوساطة روسيا في نفس العام، لأن دمشق طالبت بإنهاء الاحتلال العسكري التركي لسوريا كشرط مسبق لاستعادة العلاقات الدبلوماسية.

في شهر يوليو/تموز 2023، زار السوداني دمشق، وزار الرئيس التركي بغداد الشهر الماضي، كما أجرى رئيس الوزراء العراقي، في الوقت نفسه، محادثات أمنية مع وزير الداخلية السوري، محمد الرحمون، في بغداد، حيث أشار السوداني إلى أن أمن كل من العراق وسوريا مهدد من قبل مناطق في سوريا “لا تسيطر عليها الحكومة”، إذ يُعرّفُ السوداني “هيئة تحرير الشام” وتركيا والولايات المتحدة، كتهديدات للأمن القومي لكلا البلدين.

وفي نيسان/أبريل 2024، اعترف العراق بحزب العمال الكردستاني بوصفه جماعة إرهابية دولية محظورة، مقره شمال العراق أو ما يعرف بـ “كردستان العراق”، حيث يمتلك موارد طاقة كبيرة. وعلى الجانب التركي، تعتبر أنقرة قوات الدفاع الذاتي امتداداً لحزب العمال الكردستاني في سوريا، وكان هذا هو السبب – بحسب أنقرة – للغزو العسكري لمناطق حساسة على طول الحدود الشمالية السورية.

هذا ويشن حزب العمال الكردستاني حملة مسلحة ضد الدولة التركية من أجل الحكم الذاتي داخل تركيا منذ العام 1984، حيث تم تصنيفه كمنظمة إرهابية من جانب كل تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إذ أنه قتل أكثر من 30 ألف شخص على مدى 3 عقود، ولا تزال قوات الدفاع الذاتي المتحالفة مع الولايات المتحدة تسحق أحد الشواغل الأمنية العليا لتركيا، لأن أنقرة تعادلها بحزب العمال الكردستاني.

في سياق مقابل، كان الهدف الرئيسي من المحادثات المباشرة – غير المثمرة – التي جرت بين مسؤولين رفيعي المستوى من تركيا وسوريا وروسيا، العام 2022، إلى حد كبير القضاء على الإدارة المستقلة التي يقودها الكردستان في شمال سوريا، حيث أطلقت القوات المسلحة التركية 5 عمليات برية على سوريا بدءاً من العام 2016 إلى العام 2020، 4 ضد قوات الدفاع الذاتي وواحدة ضد تنظيم “داعش” الإرهابي، كما أنها تقوم بشن غارات جوية في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية – “قسد” بشكل منتظم.

في 29 مايو/أيار، أعلن الرئيس أردوغان أن بلاده لن تسمح للجماعات التي يقودها الكرد في سوريا بإقامة دولة شبه مستقلة على طول حدودها – وهو خط أحمر تركي – بعد إعلان الانتخابات البلدية القادمة من قبل قوات “قسد” التي تخطط لإجراء انتخابات في 11 يونيو/حزيران في المحافظات الشمالية والشرقية من سوريا، بما في ذلك الحسكة، الرقة، دير الزور وأجزاء من حلب، حيث قال “لن تسمح تركيا أبدا للمنظمة الانفصالية بإقامة دولة إرهابية خارج حدودها الجنوبية مباشرة في شمال سوريا والعراق”، وذلك أثناء المناورة العسكرية المشتركة “إيفس – 2024، وهو ما يعتبر رسالة إلى واشنطن أيضاً.

كما أكد الرئيس التركي على التزام أنقرة مكافحة الإرهاب والحفاظ على السلامة الإقليمية لكل من سوريا والعراق، وتخطيطها لمعالجة المسألة الكردية في مؤتمر القمة المقبل لحلف الناتو، في يوليو/ تموز 2024.

على الصعيد الأمريكي، ألقت مندوبة واشنطن في مجلس الأمن في 30 مايو/ أيار 2024، ليندا توماس – غرينفيلد، كلمة بشأن الحالة الراهنة في سوريا، مشيرة إلى أن بلادها تعهدت خلال مؤتمر بروكسل الأخير بتقديم 593 مليون دولار للمعونة الإنسانية، بيد أن هذه المعونة تذهب بنسبة صغيرة جداً إلى الشعب السوري، والقسم الأكبر منها للاجئين السوريين في الخارج، ومقاطعة إدلب التي يسيطر عليها الإرهابيون، والشمال الشرقي الكردي الذي يضم القاعدة العسكرية الأمريكية غير القانونية. كما أشارت غرينفيلد إلى مواصلة الدفع من أجل المعونة الإنسانية المستدامة، والحل السياسي المستدام لهذا الصراع من أجل تحقيق الديمقراطية والاستقرار والحرية التي يستحقها الشعب السوري.

في أعقاب خطابها، تبادلت كل روسيا والولايات المتحدة وسوريا الاتهامات أثناء تبادل حامي للآراء في مجلس الأمن، لا سيما عندما انتقد سفير روسيا، ديمتري تشوماكوف، الوجود العسكري الأميركي في سوريا “بذريعة مكافحة الإرهاب المزعومة”، باعتباره “عملاً مؤثراً مزعزعاً للاستقرار. إن معايير واشنطن المزدوجة واضحة بوضوح هنا.”

من جهته، أخذ السفير السوري، قصي الضحاك، الكلمة وانتقد الائتلاف الذي تقوده واشنطن لمحاربة تنظيم “داعش”، كما اتهمها بفرض عقوبات أدت إلى قتل المدنيين ومنع اللاجئين والمشردين داخلياً من السلام وحرمان السوريين من الأمل.

في المقابل، رد نائب مبعوث الأمريكي، روبرت وود، بشكل حاسم بأن واشنطن لا تنهب الممتلكات السورية أو تستولي على مواردها النفطية، وأن هذا الأمر “هراء”.

لكن بحسب الوقائع، يبدو بأن وود على خطأ حيث أنه إما يتجاهل الحقائق الميدانية في سوريا أو أنه يكذب، فأكبر حقول النفط تقع تحت السيطرة غير الشرعية للقوات العسكرية الأمريكية، حيث كانت تمد مولدات بالطاقة لتزويد الشبكة الوطنية بالكهرباء. أما الآن، بات السوريون يحصلون على ساعة واحدة من الكهرباء ثلاث مرات خلال الـ 24 ساعة. أيضاً، فقد ذكر الرئيس السابق، دونالد ترامب، العام 2019 أن الولايات المتحدة ستبقى في سوريا لسرقة النفط، حيث يقم الجيش الأمريكي بتزويد قوات الدفاع الشعبي بهذا النفط المسروق الذي ينقل إلى كردستان العراق ويتم بيعه لمصلحتهم.

المصادر
https://www.al-monitor.com/originals/2024/05/iraqs-pm-says-baghdad-mediating-potential-syria-turkey-reconciliation
https://www.turkishminute.com/2024/05/30/erdogan-signalled-military-intervention-ahead-possible-kurdish-election-in-syria/
https://usun.usmission.gov/remarks-by-ambassador-linda-thomas-greenfield-at-a-un-security-council-briefing-on-the-political-and-humanitarian-situations-in-syria-6/
.https://www.aa.com.tr/en/world/heated-un-security-council-exchange-among-member-states-over-syria/3235830

مصدر الصورة: صحيفة الإستقلال

إقرأ أيضاً: تركيا تتخذ الخيار.. لكن معركة أردوغان لم تنتهِ بعد!

ستيفن صهيوني

صحفي ومحلل سياسي – مختص بالشأن الأمريكي والشرق الأوسط – سوريا