إن السياق القانوني للأعمال العسكرية في قطاع غزة يستند إلى مبادئ وأحكام القانون الدولي الإنساني، التي تهدف إلى حماية المدنيين وتقليل الأضرار الناجمة عن النزاعات المسلحة، حيث يشمل هذا الإطار القانوني اتفاقيات جنيف لعام 1949، والبروتوكولات الإضافية لها، التي تعد أساساً للقانون الدولي الإنساني، إذ تنص المادة 51 من البروتوكول الإضافي الأول على حماية السكان المدنيين من تأثيرات الأعمال العدائية، حيث تؤكد على ضرورة التمييز بين المدنيين والمقاتلين، وتحظر الهجمات العشوائية التي لا تميز بين الأهداف العسكرية والمدنيين.

بالإضافة إلى ذلك، تنص المادة 57 من البروتوكول ذاته على مبدأ الحيطة في الهجوم، حيث يتوجب على الأطراف المتحاربة اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب أو تقليل الخسائر في أرواح المدنيين والأضرار التي تلحق بالممتلكات المدنية، كما يحظر القانون الدولي الإنساني، بموجب المادة 54 من البروتوكول الأول، استخدام التجويع كسلاح حرب، ويُلزم بتأمين مرور المساعدات الإنسانية إلى المدنيين المحاصرين.

أما في السياق الحالي، تتناقض أفعال الكيان الصهيوني في قطاع غزة مع هذه المبادئ القانونية الأساسية، فاستهدافه للأهداف المدنية، وفشله في اتخاذ التدابير اللازمة لحماية المدنيين، وإعاقة وصول المساعدات الإنسانية، تعد انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، على سبيل المثال، تقارير منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة تشير إلى تدمير واسع للبنية التحتية المدنية في قطاع غزة، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والمرافق الخدمية، مما يتعارض مع مبدأ التناسب والتمييز، لذلك، فإن هذه الانتهاكات تستدعي تدقيقاً دولياً وإجراءات قانونية لضمان المساءلة وحماية حقوق المدنيين، حيث تعتبر محكمة العدل الدولية، ولجان التحقيق الدولية، والهيئات الأممية المختصة، الجهات المعنية بالنظر في مدى التزام الكيان الصهيوني بمبادئ القانون الدولي الإنساني وتقديم توصيات وإجراءات لضمان الامتثال التام لهذه القواعد.

وقد زعم الكيان الصهيوني في بياناته الافتتاحية أمام محكمة العدل الدولية أنه لا يوجد دليل على نية الإبادة الجماعية لأسباب متعددة، ووفقاً له، فإن ما يسعى إليه من خلال حربه على غزة ليس تدمير شعب، بل حماية شعبها الذي يتعرض لهجوم على جبهات متعددة، والقيام بذلك وفقاً للقانون (ولننظر هنا رغم الأمثلة التي لا تعد ولا تحصى إلى قمة النفاق الصهيوني)، فقد أكد كيان الاحتلال أن مهاجمته لغزة لا تهدف إلى احتلال المنطقة بشكل دائم أو تهجير سكانها المدنيين، بل إلى الانخراط في حرب دفاعية ضد حركة حماس وليس ضد الشعب الفلسطيني، بالتالي، تتعارض هذه التأكيدات بشكل مباشر مع التصريحات المتعددة الصادرة عن القيادة الصهيونية والتي أشارت إلى نية واضحة لإلحاق الضرر والدمار بغزة وشعبها واحتلال المنطقة.

كما يستند كيان الاحتلال الصهيوني في دفاعه إلى حجج قانونية ترتكز على حقه في الدفاع عن النفس وفقاً للقانون الدولي، مشيراً إلى أن عملياته العسكرية تستهدف مواقع حماس وبنيتها التحتية، التي تُعتبر، حسب زعمه، تهديداً مباشراً لأمنه القومي، وعلى الرغم من ذلك، أثارت العديد من المنظمات الحقوقية والمراقبين الدوليين تساؤلات حول مدى تناسب هذه العمليات مع مبدأ التناسب في القانون الدولي الإنساني، وما إذا كانت الأهداف المعلنة تتوافق مع حجم الخسائر البشرية والمادية في صفوف المدنيين الفلسطينيين.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تقارير متعددة من منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة تشير إلى أن العمليات العسكرية الصهيونية قد أدت إلى تدمير واسع للبنية التحتية في غزة، وتسببت في مقتل وجرح آلاف المدنيين، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الأعمال تتجاوز مجرد الدفاع عن النفس لتصل إلى عقاب جماعي للشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى ذلك، فإن الحصار المستمر على قطاع غزة منذ أكثر من عقد من الزمان يضيف بعداً آخر للأزمة الإنسانية، حيث يُعتبر شكلاً من أشكال العقاب الجماعي الذي يؤثر على حياة مليوني نسمة يعيشون في ظروف قاسية، مما يعزز الشكوك لا بل يؤكدها حول نية الإبادة الجماعية.

كما تضمنت تصريحات بعض المسؤولين الصهاينة تلميحات عن رغبة في إلحاق أضرار جسيمة بقطاع غزة لإضعاف قدرات حركة حماس، ولكن هذه التصريحات قد تُفهم على أنها إشارة إلى نية أوسع تشمل التأثير على السكان المدنيين كوسيلة للضغط على الحركة، وهو ما يعتبر تجاوزاً لحدود القانون الدولي، وفي هذا السياق، يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق توازن بين حق الكيان الصهيوني في الدفاع عن نفسه وضرورة احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وتجنب الأعمال التي قد تُفسر على أنها جزء من سياسة منهجية تستهدف إحداث تغيير ديمغرافي أو تدمير كيان شعب بأكمله.

في النهاية، تبقى القضية معقدة وتحتاج إلى تقييم شامل من قبل محكمة العدل الدولية وغيرها من الهيئات القضائية الدولية المختصة، لتحديد ما إذا كانت الإجراءات الصهيونية تتماشى مع القانون الدولي أم تنتهكه، ولتقديم توصيات تضمن حماية حقوق المدنيين وتحقيق العدالة لجميع الأطراف المعنية.

لم ينته الأمر هنا، فقد زعم كيان الاحتلال الصهيوني أيضاً أن الهدف الرئيسي لهجومه على غزة هو ضمان إطلاق سراح الرهائن “الإسرائيليين”، مما ينفي نية الإبادة الجماعية (وهنا لا بد من ذكر أن كل من قتل من الرهائن كان بسبب القصف الهستيري الصهيوني)، ومع ذلك، يقوض سلوك الجيش الصهيوني خلال الحرب على غزة هذا الادعاء، حيث يعرض حياة الرهائن “الإسرائيليين” للخطر، على وجه التحديد، في حين تم إطلاق سراح 105 رهائن “إسرائيليين” بموجب اتفاق مؤقت لوقف إطلاق النار تم التفاوض عليه، تفيد التقارير أن الغارات الصهيونية على قطاع غزة أدت إلى مقتل عدد من الرهائن “الإسرائيليين”، كما قتلت نيران القناصة الصهاينة ثلاثة رهائن، بالتالي، إن العديد من الخبراء العسكريين، وأعضاء مجلس الوزراء الحربي الحالي، ورئيس الوزراء “الإسرائيلي” الأسبق إيهود باراك، وحتى الرهائن المفرج عنهم حذروا من أن سلوك الكيان الصهيوني في الأعمال العسكرية في قطاع غزة يمثل خطراً جسيماً على حياة وسلامة الرهائن “الإسرائيليين.”

بالإضافة إلى ذلك، جادل كيان الاحتلال الصهيوني أمام محكمة العدل الدولية بأن سلوكه في قطاع غزة ينفي نية الإبادة الجماعية، مؤكداً أنه قيد ممارساته الاستهدافية لمهاجمة الأفراد العسكريين أو الأهداف العسكرية، وأنه فعل ذلك بطريقة متناسبة، وزعم أيضاً أنه يخفف بشكل فعال الضرر الذي يلحق بالمدنيين من خلال تحذيرهم مسبقاً من العمليات الوشيكة باستخدام المكالمات الهاتفية والمنشورات، إلى جانب تسهيل المساعدة الإنسانية.

بالتالي، رغم ذلك، تتناقض هذه التأكيدات مع الواقع الميداني ومع تقارير منظمات حقوق الإنسان التي تشير إلى تدمير واسع للبنية التحتية في غزة ومقتل وجرح آلاف المدنيين، وبالإضافة إلى الحصار المستمر على قطاع غزة منذ أكثر من عقد، والذي يُعتبر شكلاً من أشكال العقاب الجماعي، هذا الحصار كما أسلفنا يؤثر بشكل كبير على حياة مليوني نسمة يعيشون في ظروف قاسية، مما يعزز الشكوك حول نية الإبادة الجماعية.

أما في سياق الدفاع عن النفس، يشير كيان الاحتلال الصهيوني إلى حقه المشروع وفقاً للقانون الدولي، مؤكداً أن عملياته العسكرية تستهدف مواقع حماس وبنيتها التحتية التي تشكل تهديداً لأمنها القومي. إلا أن تقييم مدى تناسب هذه العمليات مع مبدأ التناسب في القانون الدولي الإنساني يظل موضع جدل، إذ أن الخسائر البشرية والمادية الفادحة في صفوف المدنيين الفلسطينيين تثير تساؤلات حول الأهداف الحقيقية لهذه العمليات، أخيراً، تبقى القضية معقدة وتحتاج إلى تقييم شامل من قبل محكمة العدل الدولية وغيرها من الهيئات القضائية الدولية المختصة، لتحديد ما إذا كانت الإجراءات الصهيونية تتماشى مع القانون الدولي أم تنتهكه، إن الهدف هو تحقيق توازن بين حق كيان الاحتلال (الذي لا يملكه) في الدفاع عن نفسه وضرورة احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وتجنب الأعمال التي قد تُفسر على أنها جزء من سياسة منهجية تستهدف إحداث تغيير ديمغرافي أو تدمير كيان شعب بأكمله.

بالتالي، وخلافاً لهذه الادعاءات، استهدف كيان الاحتلال الصهيوني أهدافاً عسكرية ومدنية على السواء، وفشل في حماية المدنيين، وأعاق وصول المساعدات الإنسانية، كما يتم تقويض كل المطالبات الدفاعية للكيان الإرهابي بسبب تحديه لأبسط مبادئ القانون الإنساني الدولي التي تحكم قواعد الحرب، بما في ذلك مبدأ التناسب، حيث يتطلب هذا المبدأ أن تكون الهجمات متناسبة مع الهدف العسكري المراد تحقيقه دون إحداث ضرر مفرط بالمدنيين أو الأعيان المدنية، كما أن مبدأ التمييز يفرض على الدولة التحقق من حالة الهدف باعتباره هدفاً عسكرياً مشروعاً وليس هدفاً مدنياً، وهو ما لم يلتزم به كيان الاحتلال الصهيوني في كثير من الأحيان، إلكن الواقع أنه لا يلتزم دئماً، لكن السياق القانوني يتجرد تماماً هنا، بالإضافة إلى ذلك، يتطلب مبدأ الحيطة اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتقليل الخسائر في أرواح المدنيين والأضرار التي تلحق بالأعيان المدنية، وهو ما لم يقم به كيان الاحتلال الصهيوني بالشكل الكافي.

ومن خلال استهدافه العشوائي للأهداف المدنية وعدم اتخاذه الاحتياطات اللازمة، فإن الكيان الصهيوني قد انتهك مبادئ القانون الدولي الإنساني، وقد أظهرت تقارير متعددة من منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة أن العمليات العسكرية الصهيونية تسببت في تدمير واسع للبنية التحتية في قطاع غزة، وأدت إلى مقتل وجرح آلاف المدنيين، بالإضافة إلى ذلك، فإن الحصار المستمر على قطاع غزة منذ أكثر من عقد من الزمن يعتبر شكلاً من أشكال العقاب الجماعي الذي يفاقم الأوضاع الإنسانية الصعبة ويعوق وصول المساعدات الإنسانية الحيوية كما أسلفنا أعلاه.

بالتالي، تتعارض هذه الأفعال مع تصريحات الكيان الصهيوني بأنه يسعى إلى حماية المدنيين، وأن عملياته العسكرية تستهدف فقط الأفراد العسكريين والأهداف العسكرية، كما تثير هذه التناقضات تساؤلات حول مدى التزام الكيان الصهيوني بمبادئ القانون الدولي الإنساني، الذي يتطلب تقليل الضرر الواقع على المدنيين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى ذلك، إن الأضرار الكبيرة التي لحقت بالبنية التحتية الحيوية في قطاع غزة، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والمرافق الخدمية، تشير إلى أن العمليات العسكرية الصهيونية تجاوزت بأشواط كبيرة مجرد الدفاع عن النفس إلى محاولة فرض ضغط شامل على السكان المدنيين.

وفي هذا السياق، فإن سلوك الكيان الصهيوني في الأعمال العسكرية في قطاع غزة يدل على عدم الالتزام بمبادئ القانون الإنساني الدولي التي تتطلب حماية المدنيين وتقديم المساعدات الإنسانية الضرورية لا بل عدم احترامه بكل الطرق، وحتى لو كان الامتثال للقانون الإنساني الدولي يمكن أن ينفي نية الإبادة الجماعية، فقد فشل كيان الاحتلال الصهيوني في إثبات امتثاله لهذه المبادئ، نظراً لهجماته العشوائية على الأهداف المدنية، وفشله في تخفيف الضرر الذي يلحق بالمدنيين، وفرض العوائق أمام المساعدات الإنسانية، هذا الفشل المنهجي يشير إلى وجود نمط من الانتهاكات التي قد تتجاوز مجرد العمليات العسكرية التقليدية، مما يستدعي تدقيقاً دولياً وإجراءات قانونية تضمن المساءلة وحماية حقوق المدنيين، وهذا يعني أن نية الاحتلال الإبادة لكل من في القطاع ولا تفسير آخر لهذا الأمر.

ختاماً، يعكس الوضع المأساوي في غزة حجم الأسى والحزن الذي يعتري صدور العالم إزاء المذبحة المستمرة التي يتعرض لها المدنيون الأبرياء، إن المشاهد اليومية للدمار والدماء تشهد على معاناة لا توصف، وصرخات الأطفال والنساء والشيوخ تحت الأنقاض تظل شاهدة على حجم الكارثة الإنسانية التي تعصف بهذه البقعة من الأرض، لقد فقد المجتمع الدولي جزءاً كبيراً من مصداقيته بسبب عجزه عن وقف هذه المجازر وإنقاذ حياة الآلاف من المدنيين العزل، إذ تبدو المؤسسات الدولية عاجزة عن فرض القانون الدولي الإنساني على جميع الأطراف دون تمييز.

وإن إنهاء هذه الإبادة يتطلب خطوات فورية وجادة من المجتمع الدولي. يجب على الأمم المتحدة والدول الكبرى التحرك بشكل حاسم لفرض وقف فوري لإطلاق النار، وإرسال بعثات تحقيق مستقلة لتوثيق الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها، كما يجب تأمين وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وضمان إعادة إعمار غزة وتوفير الدعم اللازم لسكانها، بالتالي، إن حماية حقوق الإنسان واحترام القانون الدولي ليسا مجرد شعارات، بل هما مسؤولية جماعية تفرض على كل دولة وكل منظمة وكل فرد يسعى لتحقيق العدالة والسلام، وعلى العالم أن يتذكر دائماً أن حماية الأرواح البريئة هي الأولوية القصوى، وأن أي تأخير في التحرك لإنهاء هذه المأساة هو مشاركة في إطالة أمد المعاناة الإنسانية.

مصدر الصور: أرشيف سيتا.

إقرأ أيضاُ: تقييم قانوني للأفعال والانتهاكات الصهيونية في غزة

عبد العزير بدر عبد الله القطان

مستشار قانوني – الكويت