بينما يشاهد العالم الإبادة الجماعية في غزة، هناك حرب أخرى على الشعب الفلسطيني ميدانها الضفة الغربية المحتلة. وفي 9 يونيو/حزيران 2024، أفادت صحيفة “نيويورك تايمز” أن وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريش، قد أوجز في خطاب ألقاه أمام المتطرفين اليهود خطة من الحكومة الإسرائيلية، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لضم الأراضي المحتلة في الضفة الغربية. هذا الخطاب، تم تسجيله سراً ومن ثم تسريبه.
يعتبر سموتريش جزءاً من أكثر من 600 ألف مستوطن يهودي يحتلون الأراضي الفلسطينية بصورة غير مشروعة، وهو يدعو إسرائيل للاستيلاء على جميع الأراضي الفلسطينية، ومنع الفلسطينيين من إقامة دولة مستقلة، في حين أن كلاً من الأمم المتحدة والولايات المتحدة والمجتمع الدولي متفقون جميعاً على أن غزة والضفة الغربية ينبغي أن تكونا – في نهاية المطاف – دولة فلسطينية مستقلة، الأمر الذي من شأنه أن يكون نهاية للاحتلال العسكري الإسرائيلي الوحشي والفصل العنصري.
بالعودة إلى فحوى الخطاب، ليس ما قاله وزير المالية أول سر يتم تسريبه؛ ففي أكتور/تشرين الأول 2022، ألقي القبض عليه وهو يصف نتنياهو بأنه “أكذب جميع الكاذبين”، كما ذكرت صحيفة جروزاليم بوست.
أما عن الخطة ووفقاً لسموتريش، فإن سرقة الضفة الغربية أمر يدعمه نتنياهو ويؤيده تأييداً كاملاً، وحيث أنها تشكل أيضاً أساساً للائتلاف اليميني اليهودي المتطرف الحالي الذي يبقي على نتنياهو في السلطة، ويحجب عنه السجن، لو بصورة مؤقتة.
تنطوي الخطة على دعم توسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، وهو أمر غير قانوني بموجب القانون الدولي الذي يتعبرها تحت الاحتلال منذ العام 1967. لكن الناحية العلنية الرسمية، تؤكد الحكومة الإسرائيلية أن وضع الضفة الغربية سيتم التفاوض بشأنه في المستقبل. ومن شأن خطة سموتريش – نتنياهو أن تحرم – إلى الأبد – ما يقرب من 3 ملايين فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة من حريتهم.
وبالنسبة للفلسطينيين، ستمثل الخطة نهاية أي أمل بالعيش في حرية وديمقراطية، ولكن بالنسبة للصهيونيين اليهود، ستكون الخطة تتويجاً لهدفهم المتمثل في وجود أرض واحدة “من النهر إلى البحر” لا يسكنها سوى اليهود، على أن تتخذ الإسم الرسمي وهو “دولة إسرائيل اليهودية”. والسند على ذلك عدم معارضة كثير من الدول والشعوب لوجود كلمة “إسلامية” سواء في باكستان أم إيران؛ فلماذا يشكو الناس من الطبيعة الدينية لإسرائيل؟، وذلك بحسب وجهة نظر إسرائيلية.
هذا وتتنكر إسرائيل لحقوق الإنسان والحقوق المدنية للسكان غير اليهود، حيث تم تصنيفها من قِبل الأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان بـ “دولة الفصل العنصري”.
في هذا الخصوص، يقول تشيلي بن دانيال، المدير العام للصوت اليهودي من أجل السلام الذي يعتبر الصهيونية حركة تهدف “إلى إنكار حقوق الفلسطينيين وإنسانية الفلسطينيين”، إنه: “بالنسبة لنا، نريد أن نكون واضحين: إن شكل الصهيونية التي نجت وتملك السلطة الآن هو شكل توسعي، يميني، إبادة جماعية”، مضيفاً “إن الشعب الحاكم في إسرائيل الآن يريد أن يقضي على الفلسطينيين وأن يحصل على كل الأرض لليهود، لا يعتقد بإمكانية التعايش هناك.”
على الصعيد الميداني، زادت سلطات الاحتلال الإسرائيلي من القيود المفروضة على حرية التنقل عبر الضفة الغربية في أعقاب عملية “طوفان الأقصى”، حيث زادت من تفعيل نظام الفصل العنصري ضد الفلسطينيين سواء القاطنين داخلها أم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث تستخدم قوانين العزل والحرمان والتشريد القسري لقهر الفلسطينيين، إذ أدت عمليات الجيش في الضفة الغربية – تحديداً – إلى مقتل 137 طفلاً فلسطينياً منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأوقف 9 آلاف فلسطيني دون تهمة أو محاكمة، وأودت الغارات الحربية اليومية في الضفة الغربية بحياة حوالي 553 فلسطينياً.
أيضاً، داهمت القوات الإسرائيلية المنازل والأعمال التجارية في نابلس ورام الله ومخيم الفارعة للاجئين بالقرب من طوباس، والبلدات في الخليل وطولكرم، مما أدى إلى اشتباكات ومواجهات مسلحة مع الفلسطينيين الذين حاولوا الدفاع عن منازلهم وأسرهم، كما دمرت الهياكل الأساسية والممتلكات الخاصة والمركبات قبل الانسحاب من المخيم. وفي بلدة سلواد، احتجزت حوالي 40 شخصاً وتسببت بإلحاق أضرار جسيمة بعدة منازل ومنشآت تجارية أثناء عمليات التفتيش، حيث تعرض السكان لسوء المعاملة والاعتداء أثناء العملية.
وفي أدلة على التعامل غير الانساني، شهد مجاهد عبيدي، الذي أُطلق عليه النار مرتين، بأن القوات الإسرائيلية ضربته ضرباً مبرحاً قبل إطلاق سراحه، ورفضت تفسير جرائمه المرتكبة ضده، وقد أثار شريط فيديو عن الحادث الذي وقع بمدينة جنين في شمال الضفة الغربية المحتلة غضباً دولياً وحيثدعت الكثير من الجهات إلى تفعيل المساءلة.
من جهته، قال عبيدي، البالغ من العمر 24 عاماً، إنه خرج من جنين بينما كانت القوات الإسرائيلية تقوم بغارة، حيث تم إطلاق النار عليه في ذراعه وساقه، مضيفاً أنه بعد ساعتين تقريباً من الاختباء – بينما كان ينزف بشدة – عثرت عليه القوات الإسرائيلية وإنهالت عليه بالضرب رغم اصابته بالرصاص، حيث أكدت تلك القوات الواقعة من دجون الإعتذار عنها أو الكشف عن تفاصيلها.
على الصعيد الدولي، قال نائب رئيس وزراء بلجيكا بيترا دي سوتر: “كم من هذه الأعمال اللا إنسانية نحتاج إلى أن نشهد قبل أن نعاقب إسرائيل؟”. كما قال مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيس، إنه “من المروّع أن تكون دولة ولدت قبل 76 عاماً قد تمكنت من قلب القانون الدولي على رأسه”.
مصدر الصورة: الشرق الأوسط.
إقرأ أيضاً: ميشيل: قرار الاعتراف بالاستقلال الفلسطيني يقع على عاتق دول الاتحاد الأوروبي
صحفي ومحلل سياسي – مختص بالشأن الأمريكي والشرق الأوسط – سوريا