عبد العزيز بدر عبد الله القطان
كاتب ومفكر – الكويت
في قطاع غزة، حيث يناضل الشعب الفلسطيني ضد حصار خانق وضربات عسكرية متكررة، باتت الحاجة إلى إنهاء هذه الحرب المدمرة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، إذ لم يعد الأمر مجرد مواجهة للمقاومة المسلحة، بل أصبح إنقاذاً لحقوق الشعب الفلسطيني في الحياة والكرامة والأمان، ورغم ما أظهرته المقاومة من ثبات وصمود أسطوري، يبقى الحق الأصيل لهذا الشعب أن ينعم ولو بهامش ضئيل من الأمان، بعد عام طويل من القتل والتشريد والتدمير.
بالتالي، إن إنهاء الحرب هو السبيل الوحيد لإعطاء هذا الشعب الشجاع فرصة للعيش بكرامة وإنقاذ ما تبقى من حلمه في الحرية والعودة، فيما يتطلع العالم بأسره إلى سلام عادل يضمن حقوق الفلسطينيين ويفتح الباب أمام حياة كريمة ومستقبل آمن للجميع.
وكما هو معروف للعالم أجمع، تشهد الأوضاع في قطاع غزة تصاعداً مستمراً في التوتر، مما يعزز المطالبات بضرورة إنهاء الحرب وتحقيق سلام عادل يضمن حقوق الفلسطينيين ويعيد الأمن إلى المنطقة، وتأتي المفاوضات المتجددة في الدوحة كفرصة لإعادة النظر في الحلول الممكنة، بعد انقطاع دام لشهرين. وتكتسب هذه المفاوضات أهمية خاصة في ظل استمرار معاناة المدنيين في القطاع من حصار خانق، وعمليات عسكرية متصاعدة، وأزمة إنسانية طاحنة.
ومن اللافت أن الكيان الصهيوني هذه المرة قد أبدى استعداداً لبحث اتفاق لوقف إطلاق النار قد ينتهي بإطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس، وقد أتى هذا التصريح على لسان مكتب رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، الذي أشار إلى إمكانية التوصل لحل بالتوازي مع ظروف جديدة أفرزتها التحركات الإقليمية والدولية، لكن رغم هذه الإشارات، يتعين إدراك أن حلاً نهائياً لن يتحقق دون معالجة جذور الأزمة ووقف الانتهاكات الصهيونية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
كما أن تطور الأوضاع السياسية يبرز الحاجة إلى وقفة شجاعة من جميع الأطراف، حيث أصبح إنهاء الحرب حاجة ملحة ليس فقط لسكان غزة، بل لمستقبل الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وفي هذا السياق، كانت مصر قد اقترحت هدنة لمدة يومين كخطوة أولية لتبادل أربعة أسرى صهاينة مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين، هذا الاقتراح يعكس الدور التقليدي لمصر كوسيط مؤثر يسعى لتحقيق تهدئة، ويدعم إمكانية التوصل لتسوية شاملة.
ومن المهم التطرق إلى موقف حركة حماس، التي أعلنت عن استعدادها لإطلاق سراح الرهائن الروس ضمن صفقة متوازنة، وفي حين أن الكيان الصهيوني يضع شروطاً معقدة مثل الحفاظ على وجودها العسكري في ممر فيلادلفيا، تؤكد حماس أن أي اتفاق يجب أن يتضمن انسحاباً “إسرائيلياً” كاملاً من غزة، وعودة النازحين، وترميم البنية التحتية المدمرة، وهو ما يعبر عن مطالب الفلسطينيين الشرعية في حقوقهم الإنسانية.
بالنسبة للملف الأمريكي في المفاوضات فهو يظل معقداً؛ فمع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تسعى إدارة بايدن إلى تحقيق تقدم ملموس في الصراع “الإسرائيلي ” – الفلسطيني لتعزيز موقفها داخلياً ودولياً، ويرى البعض أن الديمقراطيين قد يحاولون تحقيق خطوة إيجابية في هذا الملف، إلا أن احتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض يثير قلقاً بشأن تأثير توجهاته المؤيدة للكيان الصهيوني بشكل كامل، مما قد يزيد من تعقيد عملية السلام.
ومما لا شك فيه أن استمرار الوضع الحالي سيجر المنطقة إلى مزيد من التوترات، ومن هنا، فإن الحاجة ملحة لإنهاء الحرب بطريقة عادلة تحفظ كرامة وحقوق الشعب الفلسطيني، وتضمن الاستقرار في المنطقة ككل.
الموقف الأمريكي من إنهاء الحرب في قطاع غزة
تتخذ الولايات المتحدة الأمريكية موقفاً معقداً في مسألة إنهاء الحرب في قطاع غزة، إذ تلعب عدة عوامل سياسية وأمنية دوراً في تحديد سياساتها، فالإدارة الحالية برئاسة جو بايدن تسعى إلى تحقيق استقرار يضمن حماية مصالحها وحماية أمن الكيان الصهيوني، شريكها الاستراتيجي، لكنها تواجه ضغوطاً داخلية وخارجية متزايدة للدفع باتجاه حلول تنهي معاناة المدنيين وتخفف من حدة الصراع، وفي هذا السياق، تسعى الإدارة الأمريكية لإظهار انحياز أقل تطرفاً، وربما لهذا السبب دعمت مصر وقطر كوسيطين لتحقيق هدنة وتسهيل المفاوضات مع الأطراف المختلفة.
غير أن هذا التوجه قد يكون مرهوناً بمكاسب سياسية تتعلق بالانتخابات الرئاسية المقبلة؛ فالديمقراطيون يريدون إحراز تقدم في ملف السلام قبل الانتخابات لضمان تأييد الجالية العربية والإسلامية في الداخل الأميركي، وتلميع صورتهم كمدافعين عن حقوق الإنسان، وعلى الرغم من ذلك، تبقى التوجهات الفعلية معقدة، حيث يخشى الديمقراطيون من تبعات الضغط الكبير على الكيان الصهيوني والذي قد يفقدهم دعم بعض الفئات المؤيدة لهذا الكيان.
دور قطر في الوساطة بين غزة والكيان الصهيوني
تلعب قطر دوراً حيوياً في الوساطة، مستفيدة من علاقاتها الجيدة مع مختلف الأطراف الإقليمية، بما في ذلك حركة حماس، والكيان الصهيوني، ومصر، ورغم العقبات التي تعترض طريق التوصل لحل دائم، تبدو الدوحة كمنصة ناجحة للتفاوض، فهي تحتضن مفاوضات مستمرة بحضور ممثلين من الكيان الصهيوني وقيادة حركة حماس والموساد، إلى جانب مسؤولين من جهاز المخابرات المصرية ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية، بالتالي، إن دعم قطر لهذه المفاوضات يعكس مدى التزامها بتحقيق هدنة دائمة، إذ تعتبر الدوحة أن إنهاء الصراع هو جزء من رؤيتها لتحقيق الاستقرار الإقليمي الذي يعزز من قوة الدول في المنطقة ويساهم في إعادة إعمار قطاع غزة.
ورغم أن الدوحة لم تتمكن بعد من تحقيق اختراق كامل في هذه الأزمة المعقدة، فإن احتمال نجاحها قائم، قد تكون هذه الوساطة بداية لتعاون أعمق مع شركاء إقليميين آخرين قد يكون لهم دور في إعادة تأهيل غزة اقتصادياً واجتماعياً، ولكن يُتوقع أن تواجه قطر تحديات كبيرة، نظراً لأن المفاوضات تتطلب تنازلات مهمة من الأطراف كافة، وهي تنازلات لا تبدو قريبة المنال وسط تشبث كل طرف بمطالبه.
التوقعات للمرحلة القادمة
على المدى القريب، من المتوقع أن تستمر الجهود للوصول إلى هدنة قصيرة الأمد، تليها مفاوضات مكثفة لوقف شامل لإطلاق النار، ولكن حتى في حال التوصل إلى اتفاق هدنة، يبقى من الصعب التوصل إلى سلام دائم دون معالجة قضايا أعمق مثل السيطرة على المعابر والوجود العسكري الصهيوني في المناطق الحدودية، كما أن الوضع الإنساني في غزة يتطلب اهتماماً دولياً سريعاً وهذا أملا مشكوك فيه في ظل غياب أي دور فاعل منذ بداية هذه الحرب، إذ إن تجاهل الأزمة الإنسانية قد يعيد إشعال الصراع مستقبلاً.
وإن أي نجاح في إحلال السلام سيتطلب تعاوناً دولياً وتنازلات متبادلة، لكن من المحتمل أن تؤثر الانتخابات الأمريكية على مدى هذا التعاون، فعلى الرغم من أن إدارة بايدن قد تستمر في ممارسة الضغوط لتحقيق تقدم نسبي، فإن انتصاراً محتملاً لدونالد ترامب في الانتخابات المقبلة قد يقلب الطاولة، حيث يميل الجمهوريون عموماً إلى دعم سياسات “إسرائيلية” متشددة، مما يعقد مساعي الوصول إلى اتفاق عادل.
ارتباط الانتخابات الأمريكية بمستقبل المفاوضات
ترتبط الانتخابات الأمريكية ارتباطاً وثيقاً بتحديد مستقبل الصراع في غزة، فالسياسات الخارجية تعتمد بشكل كبير على الحزب الذي يسيطر على البيت الأبيض، إذا فاز ترامب في الانتخابات، فمن المحتمل أن تتحول المفاوضات إلى ساحة صراع سياسي أكثر منها خطوة نحو حل عادل؛ حيث يميل الجمهوريون إلى اتباع نهج غير متوازن ومؤيد للكيان الصهيوني في الشرق الأوسط، أما في حال استمرار بايدن أو الديمقراطيين، فقد نرى محاولات مستمرة لتحقيق تقدم دبلوماسي في المنطقة، ولو ببطء.
في النهاية، تعد الحرب في غزة نموذجاً صارخاً للصراعات الإقليمية التي تحتاج إلى حلول سياسية متوازنة بعيدة عن التعقيدات الحزبية والسياسية، لكن يبقى الأمل معقوداً على نجاح الوساطة القطرية، شريطة أن تتكامل مع جهود دولية أكثر شمولية وتفاهم مشترك بين كافة الأطراف المعنية.
وفي ظل استمرار الصراع في غزة، يبدو أن الأشهر القادمة ستحمل خيارات مصيرية ستحدد ملامح المستقبل لشعبٍ طالما عانى تحت وطأة الحرب والحصار، حيث من المتوقع أن تتواصل الضغوط الدولية والإقليمية لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار، ولكن تحقيق سلام حقيقي يتطلب من المجتمع الدولي وقفة صادقة إلى جانب الحق الفلسطيني، شعب غزة الذي واجه الموت والدمار لسنوات، يستحق أن ينال حياة كريمة بعيداً عن الخوف والتشريد.
والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني المظلوم ليس خياراً سياسياً فحسب، بل هو واجب إنساني وأخلاقي، إذ لا يمكن للعالم أن يقف مكتوف الأيدي بينما يُحرم الفلسطينيون من أبسط حقوقهم في الأمن والعيش بكرامة، وفي نهاية المطاف، يبقى الأمل معقوداً على أن تستفيق الضمائر، وأن تتوحد الأصوات عالمياً لدعم غزة، وأن يُكتب لهذا الشعب الشجاع فصل جديد من الحرية، ينهي مأساة القتل والحصار، ويفتح له نافذة نحو حياة آمنة ومستقبل عادل.
مصدر الصورة: أرشيف سيتا.