إعداد: يارا انبيعة
بعد ثلاثة أيام من النقاشات والخطابات، إختتمت الدورة الـ 54 لـ “مؤتمر الأمن” بمدينة ميونخ الألمانية، من 16 الى 18 فبراير/شباط 2018، حيث حضره نحو 600 شخص في مناقشة للسياسات الأمنية والدفاعية في العالم، بينهم 21 رئيس دولة وحكومة، و75 وزير خارجية ودفاع، حيث اكد المشاركون على أهمية العمل الجماعي للحفاظ على الاستقرار، كما حضرت قضايا عالمية كثيرة على طاولة البحث، السياسي والدبلوماسي، والبحثي الأكاديمي المتخصص في القضايا الدولية.
روسيا في المقدمة
عبر القلق الأوروبي عن نفسه بوضوح في المؤتمر، تحديداً لجهة غياب سياسة أمنية موحدة، بعد مقدمات انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على الرغم من أن رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، أكدت أن بلادها ستبقى ملتزمة بأمن أوروبا وبحلف شمال الأطلسي “كشريك مستقر بولاء لجميع الأصدقاء والحلفاء في القارة.”
اما الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، فقد رحب بمقترح ماي، محذراً بوضوح من “العدوانية” الروسية، ومناشداً الدول صرف مزيد من الأموال على الدفاع. وبحسب ما ورد في كلمة ستولتنبرغ، فإن جهود الاتحاد الأوروبي لتعزيز الدفاع تعد فرصة لمزيد من التعزيز للركيزة الأوروبية داخل الحلف لمشاركة العبء بشكل أفضل، لكنه أشار إلى وجود مخاطر في ذلك، موضحاً أنه بعد اكتمال خروج بريطانيا من الكتلة، سيأتي نحو 80% من تمويل الحلف من حلفاء من خارج الاتحاد الأوروبي.
ولم تختلف مطالبات الرئيس الأوكراني، بيترو بوروشينكو، الذي ندد مجدداً بإستمرار توسعة الروس لرقعة النزاع في بلاده، من دون أن يمنعه ذلك من تجديد مسعاه لنشر قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في شرق أوكرانيا، قائلاً إنه توجد فرصة أمام موسكو لإظهار المرونة والموافقة على نشر قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في كل أرض دونباس المحتلة.
الى ذلك، رفع وزراء الدفاع في الدول الإسكندنافية صوتهم عالياً بوجه التحدي الأمني المتمثل بالتدخل الروسي على مستويات عدة، من المباشر إلى الإلكتروني، إضافة إلى التحالف مع قوى وأحزاب متشددة، في عدد من دول الاتحاد الأوروبي، وذلك عقب توجيه تقارير رسمية، قبل يومين من المؤتمر، أصابع الاتهام إلى “رجال الكرملين” بالتدخل في الانتخابات التي جرت في أوروبا صيف 2017، ووصل فيها اليمين المتطرف إلى السلطة في أكثر من بلد.
بدوره، رأى برلماني دنماركي أن تهكم وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، هو “مدعاة للسخرية بحد ذاته، فهو يتحدث عن أن روسيا لا تنتج أخباراً مزيفة وأن بلده محب للسلام، وأن أوروبا هي من تصنع البروباغندا، في حين أن الواقع يعرفه الجميع والشواهد كثيرة، أقلها أوكرانيا وسورية واتهام المحقق (روبرت) مولر (الامريكي) لثلاث عشرة شخصية بإستخدام التزييف والتزوير للتأثير على الانتخابات.”
خلال المؤتمر ايضاً، بقيت عيون الأوروبيين شاخصة إلى تأثير الحرب الباردة بأسلحة جديدة، التي يستخدمها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مع الكثير من زيادة التسلح.
إستقلالية عسكرية أكبر للاتحاد
بشكل عام، فإن اليوم الأول من المؤتمر كان يوم الأوربيين بإمتياز، وقد ألقت سيدتان خطبتين افتتاحيتين في قاعة ممتلئ بالرجال معظهم يرتدون زياً عسكرياً. السيدتان كانتا وزيرتا الدفاع الألمانية، أورسولا فون دير لاين، والفرنسية، فلورنس بالرلي، اللتان دعتا إلى تقوية التعاون العسكري بين دول الاتحاد الأوروبي والاستقلالية بشكل أكبر عن الولايات المتحدة، حيث تعتزم كل من فرنسا وألمانيا دراسة مشروع مشترك لتصنيع الدبابات والطائرات المقاتلة.
أشارت الوزيرة الألمانية إلى أهمية سياسة التنمية بالنسبة للأمن والسلام، كما انتقدت فون دير لاين بشدة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، كونه يركز في سياسته على القوة العسكرية فقط، محذرة من ضرورة عدم وجود تقسيم في العمل يقوم بموجبه الأمريكيون بالشؤون العسكرية والأوروبيون بالأمور الإنسانية والإغاثية.
كما أكد الكثير من الساسة الأوروبيين على رغبتهم في تحقيق استقلالية عسكرية أكبر للاتحاد الأوروبي وذلك أيضاً كرد فعل على سياسة الرئيس الأمريكي، حيث رأى وزير الخارجية الألماني، زيغمار غابرييل، بأن تطور أوروبا سينعكس مزيداً من الثقة بالنفس في العالم. من جانبه، حث وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، كلاً من الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو والولايات المتحدة على التعامل “المحترم” مع بلاده، وقال إن هناك دعاية عن دور روسي سلبي، فيما روسيا تريد أن تكون شريكاً موثوقاً به.
أوغلو “يفتح النار” على أبو الغيط
هاجم وزير الخارجية التركي، مولود أوغلو، الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، بعد دعوة الأخير أنقرة للخروج من سوريا وانتقاده للعملية العسكرية في عفرين، اذ قال أوغلو ان الوجود التركي في سوريا تدعمه المواثيق الدولية بحق الدفاع عن النفس ومواثيق الأمم المتحدة ضد المنظمات الإرهابية ووفقاً للقانون الدولي، وأضاف “كنا نأمل لو أن نظام جامعتكم قوي بشكل كاف لمنع أحد أعضائها من قتل نصف مليون إنسان من شعبه”، قاصداً الرئيس السوري، بشار الأسد.
واستكمل اوغلو مداخلته بالقول إنه كان يأمل، ايضاً، لو أن نظام الجامعة العربية قوي بالشكل الذي يسمح له بمطالبة الدول الأخرى بالخروج من سوريا، فهناك إيران وروسيا أيضاً، متابغاً “أتمنى لو أن نظامكم قوي بحيث تمنعون بعض أعضائكم من ممارسة الضغوط على الفلسطينيين والأردن الوصي على المقدسات في القدس من أجل القبول بالخطة الأمريكية بشأن القدس.”
المواجهة الأخطر: إسرائيل ستتحرك ضد إيران
انها المرة الأولى التي يتحدث فيها رئيس الوزراء الاسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أمام مؤتمر ميونيخ للأمن، حاملاً بيده قطعة مما يقول إنها قسم من طائرة إيرانية بدون طيار، بعد دخولها المجال الجوي الإسرائيلي، مذكراً بأن “إسرائيل لن تسمح للنظام بلف حبل الإرهاب حول عنقنا”، وأضاف “سنتحرك إذا لزم الأمر ضد إيران نفسها وليس ضد وكلائها فحسب.”
كما دعا نتنياهو المسؤولين والدبلوماسيين الأمريكيين والأوروبيين للتصدي لإيران فوراً، وعرض خريطة تظهر ما وصفه بالوجود الإيراني المتزايد في الشرق الأوسط، حيث قال “إن إيران تزيد نفوذها بينما يسترد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا أراضي من أيدي المتطرفين.” وتابع نتنياهو “من المؤسف أنه بينما ينكمش داعش، تتوغل إيران. فهي تحاول إقامة هذه الإمبراطورية المتصلة حول الشرق الأوسط من الجنوب في اليمن لكنها أيضاً تحاول إنشاء جسر من الأرض من إيران إلى العراق وسوريا ولبنان وغزة.. هذا تطور خطير جداً بالنسبة لمنطقتنا.”
في المقابل، وصف وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف والذي لم يكن موجوداً في القاعة حينها، كلمة نتانياهو بأنها “سيرك”، محذراً من مواجهة مسلحة في الشرق الأوسط، ومحملاً إسرائيل المسؤولية بإعتبارها تخرق يومياً المجال الجوي السوري، اذ قال “في المنطقة، لا يحق أن يوجد منذ اليوم حاكم وحيد، وزمن الهيمنة قد ولى ـ إقليمياً وعالمياً.”
توصيات ختامية
في ختام المؤتمر، تم اصدار توصيات متعددة من بينها مقاضاة قادة قطر جنائياً، حيث طالب البيان قادة الدول المشاركين بأن يشجبوا سياسياً، ويقاطعوا دبلوماسياً، ويعاقبوا اقتصادياً، الدول التي تعتمد سياسيات حكومية تصب في دعم وتمويل وإيواء المنظمات الإرهابية وقادتها، وفي مقدمهم قطر.
الى ذلك، طالب المؤتمر كلاً من المنظمات والهيئات الدولية، بالتصدي جدياً لإشكاليات تمويل الإرهاب، بوصفها المعركة الفيصل في الحرب الحضارية التي تخوضها الإنسانية ضد الإرهاب ومنظماته، بمختلف توجهاتها ومرجعياتها السياسية والدينية، كما ناشد البيان عائلات ضحايا العمليات الإرهابية، التكاتف، وحض المنظمات الحقوقية العالمية لمساعدتهم في تقديم دعاوى قضاية جنائية ضد قادة قطر، والأشخاص القطريين الذين يمولون الإرهاب، ويتسببون في قتل أبنائهم وأبناء أسر عديدة حول العالم.
من جهتها، نظمت الحركة العالمية ضد إرهاب قطر مظاهرة حاشدة على مقربة من مقر انعقاد مؤتمر شارك فيها العديد من الألمان وعدد من مواطني الدول الأوربية، حيث طالبت بطرد أمير قطر منه، ووصفته بـ “أمير الإرهاب”. كما ردد المتظاهرون عبارات الشجب والاستنكار ضد حضور أمير قطر لفعاليات المؤتمر، مطالبين بضرورة التصدي لـ “إرهاب” قطر ووقف تمويلها ودعمها له.
اضافة الى ذلك، طالب المتطاهرون إدارة المؤتمر تنفيذ توصيات المؤتمر العالمي لمكافحة الإرهاب وأهمها حظر التعامل مع شركة قطر للغاز، وسحب سفراء الدول المشاركة في المؤتمر، والتحفظ على أرصدة وعائدات الاستثمارات القطرية لمنع استخدامها في تمويل ودعم الإرهاب، كما دعوا المجتمع الدولي الى سحب مونديال كأس العالم 2022 منها، وتشكيل محكمة جنائية لمحاكمة أميرها ورموزها.
هجوم اعلامي قطري
هاجمت صحيفة “العرب” القطرية المؤتمر ووصفته بالفاشل، واتهمت الصحيفة دولة الإمارات العربية بأنها هي من تقف وراء تمويل المؤتمر الذي كشف حقيقة الدوحة ودعمها للمنظمات الإرهابية.
من جانبها هاجمت صحيفة “الشرق” القطرية، دولة الإمارات، وزعمت أن أبو ظبي أسهمت في إفشال المؤتمر للتحريض ضد قطر، وقالت الصحيفة إن دولة الإمارات من خلال هذا المؤتمر تساهم في المساس بالشؤون الداخلية لتحقيق بعض الطموحات، متخذة من المؤتمر منبراً لشن هجوم لاذع على دولة الإمارات، ومشيرة الى ان “الشعوب العربية لا ترضى بالإساءة لدولة جارة وشقيقة في الدين والثقافة واللغة والعادات والتقاليد.”
خلاصة قاتمة من النقاشات
استنتج رئيس مؤتمر ميونيخ الدولي للأمن، فولفغانغ ايشنجر، خلاصة قاتمة من النقاشات التي دارت على مدار ثلاثة أيام، اذ قال إنه تم الاستماع إلى ما يجري في العالم بشكل خاطئ وللمخاطر القائمة ولما يرغب المرء في تجنبه، مشيراً إلى أنه لم يتم الاستماع بشكل كافٍ لخطوات ملموسة يمكنها الإسهام في حدوث تحسن للآفاق المستقبلية القاتمة.
مصدر الاخبار: وكالات
مصدر الصور: دي دبليو – الجزيرة نت.