شادي القعسماني*
ما إن أغلق الجيش السوري منافذ الفرار من مطار أبو الظهور، حتى أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إطلاق حملة احتلال جديدة بإتجاه مدينة عفرين، مبرراً ذلك بوجود قوة كردية تشكل خطراً على الأمن القومي التركي. من الواضح أن خسارة ريف حلب وحماة شكّلتا ضربة قوية للإرهابيين الذين تموّلهم بعض الدول الخليجية وتسهل تركيا أمور انتقال العتاد وتأمين المشافي والسلاح والمسكن لقادتهم.
كما يبدو أن موعد “سوتشي” قد باغت تركيا والسعودية، فبات الأمر انهياراً معنوياً وعسكرياً وسياسياً. وظنّ أردوغان أن اجتماعاً بقادته العسكريين وبضعة أرتال من الدبابات سيعيد ورقة قوية يناور فيها في “سوتشي”، ولكن الربع ساعة الأخير ورغم الغطاء الروسي بالسماح للطائرات التركية بقصف عفرين إلا أن حسابات أردوغان فشلت في تحقيق أيّ مكسب قبل دخول قاعة “سوتشي”.
كيف تقاطعت المصالح الروسية والتركية؟ وكيف صمتت سوريا وإيران عن الاحتلال التركي الجديد في شمال سوريا؟ وهل من حلول ممكنة؟
– لم تفلح الدبلوماسية الروسية في إقناع الأكراد في عفرين بأن ينضموا إلى طاولة حوار مقفلة بينهم وبين الحكومة السورية برغم تأكيد وزير الخارجية السوري، احمد المعلم، بأن الحكومة السورية ستقدّم للأكراد ما لم يحلموا به خلال عقود.
– حاجة روسيا إلى إبعاد أيّ مكوّن مدعوم أمريكياً عن قواعدها في اللاذقية وطرطوس، خاصة وأن الهجوم الأخير، ورغم فشله، إلّا أنه أثبت أنّ بإمكان مجموعات صغيرة مدرّبة على استخدام تقنيات عالية الدقة كتسيير طائرات بلا طيّار ومن مسافات بعيدة تحمل قذائف فعاّلة جداً.
– تعلم روسيا جيداً أن أردوغان يراوغ دائماً ويُجيد استغلال الفرص لصناعة مكاسب جديدة خاصة على حساب السوري، والقطري الذي انكفأ بعد حصار خليجي مفتعل.
– ترغب روسيا في إدخال الجيش التركي في اشتباك مباشر مع الأكراد من باب إشغاله، لفائض القوّة التي حشدها في درع الفرات ولم يستخدمها في تحرير المحافظات العراقية بعد رفض عراقي ودولي ولهجة عنيفة أمريكية.
– إنّ دخول الجيش التركي بحرب فعليّة يعني أن تدفع تركيا ثمن مكاسبها باهضاً إذا تمكنت من ذلك.
– تسعى روسيا إلى إمساك ورقة الأكراد، خاصة بعد فشل الإستفتاء في كردستان وإظهار الأمريكي بموقف المتخلي عن حليفه في شمال العراق.
في حال دخول الجيش التركي إلى عفرين، سيلين الموقف الكردي وبذلك تؤمّن روسيا عودته إلى المفاوضات معها أو على الأقل مع الحكومة السورية. اما في حال فشل الجيش التركي من دخول عفرين بسهولة، فهذا يعني أن الجيش التركي لن يقدم على أية مغامرة غير محسوبة عسكرياً وسياسياً، خاصة وأن إعلان الحرب على الأكراد يعني إعادة الإشتباك في الداخل التركي نفسه. وطبعاً، سوريا وجدت في عفرين “مخلباً” يمكن استغلاله على قاعدة أن استخدام تركيا للمجموعات التكفيرية المقاتلة في عفرين سيخفّف الضغط عن الجيش السوري المندفع بإتجاه إدلب وأريافها من جهة، ويعطي استراحة مؤقتة لحامية نبّل والزهراء المنهكة جرّاء الحصار المستمر، من جهة ثانية.
إن طلب وحدات الحماية الكردية بدخول الجيش السوري لحماية حدود منطقة عفرين دون انتزاع سيطرة القوات الكردية على عفرين بإعتبارها منطقة كردية مستقلة يبقى مناورة غير مغرية للحكومة السورية لأنّها تشكّل سابقة خطيرة وفرض أمر واقع وإعطاء غطاء شرعي للانفصال وإن يكن تحت مظلة الدولة.
على كل حال، إن تريّث الحكومة السورية لم يأتِ نتيجة قوة أو خيار محسوب مسبقاً، بل نتيجة ارتكاب اخطاء جمّة بحق الأكراد. فالحكومة السورية تجاهلت عملية تنمية المناطق الكردية ودمجها في الحياة السورية وإعطائها حيزاً آمناً للتفاعل ووعي الأخطار من المطالبة بالانفصال، خاصة وأن أغلب هذه المطالب كانت بدعم خارجي أبعد من الإقليمي.
إنّ تساهل الدولة السورية في تسليم أوجلان أفقد عامل الثقة بين المجموعات الكردية والحكومة السورية، وهذا يعني أن تركيا، ومن خلال الضغط الناعم، أفقدت الحكومة السورية إحدى مخالبها المتقدمة في الداخل التركي. إن استمرار صمت الحكومة السورية لم يكن نتيجة قوة بل عملية استفادة مؤقتة نتيجة تقاتل المجموعات الإرهابية المدعومة تركياًّ مع قوات الحماية التركية، وأي إضعاف لإحدى القوى المتقاتلة تعتبر، بلغة العسكر، استفادة ممكنة للجيش السوري.
على أي حال، على الحكومة السورية الاستفادة من الصمود الحالي لوحدات الحماية الكردية، ورفع حرارة الحوار مع القوى الكردية وتمدد “مخلب الأسد” لحماية الحدود الشمالية وهذا ما أقدمت عليه الحكومة من رفع شكوى للأمم المتحدة لتحميل التركي أي مجازر دموية انتقامية ستحصل في حال دخول الاحتلال التركي إلى عفرين من جهة؛ أمّا الناحية الثانية والأخطر، فهي ضرورة الاستفادة من الحليف الروسي لتعديل المطالب الكردية وإعادة ضبط الخطاب الكردي تحت سقف الدولة السورية الموحدة وبالتالي محاولة كبح جماح التركي في قضم مساحات جغرافية جديدة من سوريا ودخول الجيش السوري إلى عفرين وصولاً إلى الاحتكاك المباشر مع الجيش التركي أو إمداد وحدات الحماية في المرحلة الأولى.
إنّ “المخلب” السوري قد يتمكن من كسر وإفشال عملية “غصن الزيتون” في حال استجاب المكوّن الكردي من خلال التجارب السابقة، فأيّاً يكن ما يملك من القوة الذاتية تبقى هامشية في ظل حصار من ثلاث جبهات وفعلياً إنّ أي تهوّر كردي جديد يضع منطقة عفرين تحت حصار مطبق من الجماعات الإرهابية وتركيا.
تبقى العبرة في أن اتحاد منابع القوة، في سوريا، سيسهّل الانتقال من حالة الحرب إلى حالة الوقوف في وجه ما خفي من مخططات، خاصة وأن أمريكا لن تألو جهداً في تفكيك الجغرافيا السورية، وبعد صمود أشبه بالأسطوري لقوات الحماية الكردية، أكثر من 30 يوماً، في وجه الجماعات الإرهابية والجيش التركي ومنعهم من تحقيق أي مكسب ممكن، والوصول الى اتفاق بين القوات الكردية والحكومة السورية على تأمين سبل الصمود والوقوف معاً في وجه الإرهاب التكفيري والاحتلال التركي، يبشّر بحلول أقلّها تجنيب عفرين مجازر ممكنة ومتوقعة، إضافة إلى وعي كردي لخطورة المشروع الأمريكي والاستفادة من أخطاء الماضي. فسوريا، التى تضم تنوع مذهبي وسلالي، لن تعجز عن احتضان المكون الكردي الهام في الحياة السورية ماضياً ومستقبلاً. وتبقى الأيام المقبلة، الشاهد الأصدق للتوافق بين عفرين ودمشق برعاية روسية.
*أكاديمي لبناني
مصدر الصور: أخبار سوريا والعالم – النيل للأخبار.