إعداد: يارا انبيعة

بتعزيز من المجتمع الدولي، ولا سيما فرنسا التي فتحت للبنان خط ائتمان بقيمة 400 مليون يورو، إختتم مؤتمر “روما 2″، الذي عقد في 15 مارس/آذار 2018، في الخارجية الإيطالية لدعم القوى اللبنانية المسلحة وقوى الأمن الداخلي برعاية مجموعة الدعم الدولية للبنان (ISG) وبرئاسة مشتركة من الأمم المتحدة وإيطاليا، وبمشاركة 41 دولة عربية وأجنبية، ضمن أكبر دعم دولي مباشر للبنان منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وإعادة تسمية الرئيس سعد الحريري رئيساً للحكومة.

شكر لفرنسا.. وموقف ضد إسرائيل

ترأس رئيس مجلس الوزراء سعد الدين الحريري وفد لبنان إلى المؤتمر، المؤلف من وزراء الدفاع والداخلية والخارجية وقائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، حيث وجه الشكر لفرنسا معبراً عن مدى امتنانه، ومشيراً إلى أن اتصالات ثنائية ستجري من أجل تحديد المبالغ التي سيقدمها كل من البلدان الـ 40 المشاركة.

كما أكد الرئيس الحريري أن أهمية المؤتمر، الذي سيتبعه اجتماعان في باريس وبروكسل، تنبع من أن اللبنانيين كانوا أول من حرروا أرضهم من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وبوسائل قليلة، مشيداً بعناصر القوى المسلحة الذين “ضحوا بحياتهم وأولئك الذين لا يزالون يخاطرون في مواجهة التهديد الشامل الذي يمثله الإرهاب بكل أشكاله”، وأضاف “نحن هنا لبناء الثقة لأننا ندرك بأن استمرار استتباب الأمن في لبنان هو ضمان لاستتباب الأمن في المنطقة.”

وعن التهديدات الإسرائيلية، أشار الرئيس الحريري بأن “إسرائيل التهديد الرئيسي للبنان، وانتهاكاتها اليومية لسيادتنا يجب أن تتوقف. وفي حين نفكر في طرق للانتقال من حالة وقف الأعمال العدائية إلى حالة وقف دائم لإطلاق النار، تواصل إسرائيل وضع خطط لبناء جدران في المناطق المتنازع عليها طول الخط الأزرق.”

صلابة لبنان

أشاد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بالجهود التي بذلها لبنان في استقبال أكثر من مليون لاجئ سوري قائلاً “واجه لبنان تدفقا كبيراً للاجئين السوريين حتى وصل عددهم إلى ثلث عدد سكانه. هذا الأمر له وقع كبير على الاقتصاد والمجتمع اللبناني، هذا عدا التداعيات الأمنية للأزمة السورية الحاصلة في جوار لبنان. إلا أن لبنان أظهر صلابة كبيرة جداً. الآن، بات من الضروري على المجتمع الدولي أن يظهر هذا التضامن نفسه مع لبنان.” وأضاف غوتيريش “أن لبنان هو عمود أساسي للاستقرار في المنطقة” مثمناً البادرات الإيجابية الصادرة عن السلطات اللبنانية، ممثلة بالرئيس ميشال عون ورئيس الحكومة، بشأن إيلاء الأهمية لبناء القوى الأمنية والمسلحة اللبنانية، مؤكداً على أهمية تنظيم الانتخابات النيابية، في مايو/أيار 2018، إذ قال “إنها دليل على صمود هذا البلد والتزامه بالديمقراطية.”

إحتضان دولي

في هذا السياق، قال النائب عن تيار المستقبل، أمين وهبي، إن هذا المؤتمر يعبر عن أهمية لبنان كدولة للمجتمع الدولي، فعندما يكون هناك مشاركة لدول محورية على الصعيد العالمي من أجل دعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية وسلطة الدولة، فإن هذا الأمر يدل على أن هذه الدول تراهن على لبنان وتراهن على الدولة اللبنانية، وترى لبنان كنموذج للتنوع والعيش الواحد وللحريات ولو شابته بعض الشوائب، فهذا النموذج له أهميته في هذه الفترة، فترة انتشار العصبيات، إذ يفهم لبنان أن هذا المؤتمر ومؤتمر باريس هو بمثابة “احتضان” العالم كله للبنان دولة وشعباً ومؤسسات.

الهدف سلاح المقاومة

يشير العميد المتقاعد والخبير العسكري، الدكتور أمين حطيط، إن الهدف المعلن من هذا المؤتمر هو دعم الجيش والقوى الأمنية اللبنانية لحماية لبنان، ولبنان بطبيعة الأمور وإنطلاقاً من عنوان المؤتمر ينتظر دعماً حقيقياً للجيش اللبناني بما يمكنه من القيام بالمهام الدفاعية لمواجهة الأخطار، لكن في هذه النقطة بالذات هناك نوع من عدم التوافق حول طبيعة الأخطار بين لبنان والدول التي تجتمع في روما. بالنسبة إلى لبنان، هناك خطرين أساسيين ولا يقل أحدهما خطورة عن الآخر؛ الخطر الأول، هو الخطر الإسرائيلي الذي ينتهك السيادة ويحتل الأرض. والخطر الثاني، هو الخطر الإرهابي الذي عاث في الأرض فساداً، والذي أحدث خللاً كبيراً في الواقع الأمني اللبناني، لكن القوى الغربية لها نظرتها الأخرى فهي تحجب الخطر الإسرائيلي وتجد أن لبنان بحاجة لمواجهة الإرهاب أولاً، وحصر السلاح بيد الجيش أي رفض وجود المقاومة بما يريح إسرائيل، في هذه النقطة بالذات يكمن الخلاف الجوهري.

وأشار الدكتور حطيط إلى أن “الذي يريده المجتمع الدولي بكل بساطة هو نزع سلاح المقاومة، وأن الاستراتيجية الدفاعية تنطلق من مبدأ تحديد الأولويات والمخاطر وتحديد القرارات في المواجهة، والسؤال الذي يطرح هل لبنان داخلياً قادر على وضع الأولويات، ثانياً هل هو قادر على اتخاذ القرار لمواجهة الأولويات؟ لا أعتقد.”

البيان الختامي

في ختام المؤتمر، صدر عن المجتمعين بيان عبروا فيه عن التزامهم بإستقرار لبنان وأمنه وسيادته وعن دعمهم للجهود المستمرة من السلطات اللبنانية للتحضير للانتخابات النيابية المقبلة، مذكرين بالحاجة الى حماية لبنان من الأزمات التي تبعث حالاً من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وطالبوا دول المنطقة والمنظمات بالعمل من أجل إرساء حال من الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمالي في لبنان، مع الاحترام الكامل لسيادته وكرامته.

كما رحب المشاركون برئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، وشكروا الحكومة اللبنانية على الجهود التي تبذلها لتطوير خطط طويلة الأمد من أجل تثبيت الأمن والاستقرار وسيادة الدولة اللبنانية، وذكروا ببيانات مجموعة الدعم الدولية، وأشاروا إلى الأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف وقرارات مجلس الأمن 1559 لعام 2004، و1680 لعام 2006، و1701 لعام 2006 بما في ذلك الأحكام التي تنص على عدم وجود أسلحة أو سلطة في لبنان بخلاف الدولة اللبنانية أو قوات أجنبية دون موافقة حكومته، أو بيع/ توريد الأسلحة ذات الصلة بالأسلحة إلى لبنان باستثناء ما تأذن به حكومته.

كما أكد المشاركون على الحاجة إلى الاحترام والتنفيذ الكامل لقرارات مجلس الأمن، وناشدوا جميع الأحزاب اللبنانية استئناف النقاش حول استراتيجية الدفاع الوطني مثمنين البيان الصادر من رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون في هذا الإطار. ورحب المشاركون بالبيان الذي أدلى به رئيس الوزراء اللبناني والذي أكد من خلاله التزام حكومته سياسة “النأي بالنفس” كمسؤولية جماعية لكل الأحزاب لتحصين لبنان من الصراعات الإقليمية ولإبعاده عن أية تدخلات في شؤون الدول الأخرى، وذلك بالتوازي مع البيانات الصادرة عن مجموعة الدعم الدولية للبنان ومجلس الأمن الدولي، وقد حث المشاركون القادة اللبنانيين على التطبيق الفوري والمزيد من التوسع في التطبيق الملموس لسياسة النأي بالنفس كأولوية كما جاء في تصريحات سابقة بخاصة في إعلان بعبدا عام 2012.

وأثنى المشاركون على النجاح الذي حققته القوات المسلحة اللبنانية وقوات الأمن الداخلي والمؤسسات الأمنية الأخرى في تلبية المتطلبات المتزايدة التعقيد للحفاظ على أمن واستقرار لبنان منذ الاجتماع الوزاري لعام 2014، وقد نوهوا بدورها في هزيمة “داعش” و”النصرة” وغيرهما من التنظيمات الإرهابية، وفي بسط سلطتها على الحدود الشمالية والشرقية وعلى جهودها لبناء قواها البحرية والجوية.

كما أيد المشاركون رؤية الحكومة اللبنانية حيال الجيش اللبناني كمدافع وحيد عن الأراضي اللبنانية والحامي لحدودها، ودور قوى الأمن الداخلي كمفتاح في حصرية استخدام القوة من قبل الدولة اللبنانية.

ختاماً، يمكن طرح التساؤل التالي: “إذا كان حجم الدعم الدولي، المثمثل في مبلغ الـ 400 مليون يورو، قد يخضع للجدل الداخلي على رغم كونه مشجعاً، فهل ستتمثل أبرز العناوين والرسائل التي خرجت من المؤتمر في تقدم موضوع الاستراتيجية الدفاعية والتزام الحكم والحكومة بالعودة إلى وضعها على طاولة الحوار الداخلي بعد الانتخابات النيابية المقبلة؟”

مصدر الأخبار: وكالات

مصدر الصور: ال بي سي – صوت المدى.