**يان فان زيبروك

خلال خطاب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين في الأول من مارس/آذار 2018، تم عرض صور ثلاثية الأبعاد تظهر الصواريخ والأسلحة الروسية الجديدة التي تفوق سرعة الصوت بمرات، صاروخ “كينجال – الخنجر” كان إحداها، إضافة إلى الغواصات الصغيرة القادرة على حمل أسلحة نووية. إن النقاط المشتركة بين تلك الأسلحة جاءت من أفكار العالم والفيزيائي الفرنسي “جان بيير بيتيت” (Jean-Pierre Petit) الذي درس، خلال سبعينيات القرن الماضي، ما يسمى بـ “المغناطيسية” أو “Magneto Hydro Dynamics”، والتي تعتمد على القوة الهيدروديناميكية كقاعدة. تتضمن دراسة هذه النظرية على القواعد الفيزيائية، والكهرومغناطيسية، ودراسة البلازما، وشحن الغاز، وميكانيك الكم الكهربائية، وديناميكية الهواء، ودراسة السوائل.

في مجال الحديث عن هذا النظام، قامت ثلاث دول بدراسته، وهي روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا العظمى، بالإضافة إلى الصين التي تمكنت، بفضل روسيا، من الحصول على هذه الأنواع الجديدة من الأسلحة حيث قامت بتصميم وبناء غواصة تفوق سرعة الصوت من خلال تقنية “التجويف الفائق – Super Cavitations ” وهو يوازي التقنية “المغناطيسية” تحت الماء.

هذه التقنية ليست موجودة عند أية دولة أوروبية بما فيها فرنسا ذاتها التي تعتقد أنها لا تزال قوة عسكرية كبيرة. فمنذ سبعينيات القرن العشرين، شرع كل من الروس والأمريكيين، بالإضافة الى البريطانيين، في تطوير هذا البرنامج إذ نشرت صحيفة علمية فرنسية، في العام 1976، مقالًا يصف التقدم الكبير في نمط التسلح السوفييتي من خلال نشر الإنجازات العظيمة لنظام “المغناطيسية”.

ما هو ثوري في هذا النظام القدرة في استخدامه ضمن مجال الفضاء والمكوكات الفضائية الخاضعة لبعض القوى كالغازات، وكثافة المواد، ودوران النظام الشمسي، وظاهرة موجات الجاذبية، مدارات الكواكب، والمادة المظلمة، وما إلى ذلك.

لقد تحدث الفيزيائي الروسي ساخاروف عن نظام موازٍ لنظرية “المغناطيسية”. وبشرح عملي بسيط: إذا أردت الانتقال من نقطة “أ” إلى النقطة “ب”، يمكنك المشي لكنك ستفقد الوقت بسبب الوسيلة المستعملة التي ستعرضك للتعب ومن ثم التوقف. بينما إذا قررت الانتقال بالمترو، فسوف تصل أسرع وهذا هو الهدف الأساسي من تقنية “المغناطيسية” في حقل من الفيزياء الفلكية.

كيف تعمل “المغناطيسية – MHD “؟

هنا، سنقدم شرحاً بسيطاً لكيفية عمل هذه التقنية على الأسلحة. بالنسبة للصواريخ أو الطوربيدات، فإن الجهاز المزود بنظام MHD يستخدم، الهواء و/أو الماء، كوسيلة “إحتراق” أي أن المقذوف لن يكون خاضع لقوى الطبيعة بل سيستخدمها لصالحه. على سبيل المثال، إن الطوربيد المزود بنظام MHD سيقوم بتحويل 70٪ من الماء عند مقدمته، إلى غاز تصل حرارته ما بين 2000 و3000 درجة مئوية، حيث سيعمل هذا الغاز على إزالة/زيادة الشحنات الالكترونية إذ سيعمل الطوربيد، في هذه الحالة كـ “الخلد” عند عملية حفر التراب، على “إمتصاص” الماء وتحويله إلى بخار (إذ أن نسبة الاحتكاك بالماء هي أعلى من تلك مع الهواء) الذي سينزلق على طول غلافه الخارجي، بفضل المولدات الصغيرة المركبة على الهيكل، حيث سيعطي هذا التدفق البخاري الطوربيد قوة إضافية دافعة كمحرك طائرة نفاثة. هذه المولدات الموجودة على الهيكل سوف تسمح له بالتحرك بدون أي احتكاك.

في المجال الكهربائي، إن سرعة انجراف الشحنات، أي السرعة التي تتحرك بها الشحنات فيما يتعلق بمسارها الأولي تحت تأثير الماء و/أو الهواء، سيشكل حركة مستقيمة من خلال تضمين الحقول المغناطيسية على طول الطوربيد والتي ستؤدي إلى زيادة سرعة الحركة لهذه الشحنات. في مثال بسيط، هذه العملية تشبه سير دبابة على الطريق، فالعجلات هي بمثابة المجال المغناطيسي والشحنات هي القاطرة نفسها. هذه المولدات الصغيرة، المثبتة إلى هيكل الطوربيد، ستسمح للغاز أن يتدفق نحو المؤخرة كي يعطي دفعاً يوازي خمسة أضعاف سرعة الصوت (5 ماك)، إذ لا يمكن رصدها بواسطة الرادارات بفضل طبقة البلازما التي تتشكل حول الطوربيد أثناء سيره. أيضاً، يمكننا أن نسأل كيف لهذه الأجسام، وكلها مجسمات كبيرة، ألا تتطاير بسبب هذه السرعة الفائقة؟ إن المجسمات عليها أن تستخدم نظام توليد بقوة 100 ميغاوات بالنسبة إلى الطوربيد، خصوصاً وأن الروسية تصل سرعتها إلى 8 اضعاف سرعة الصوت (8 ماك)، أي حوالي 9880 كم/ساعة خاصة في المحيطات، حيث لا توجد قاعدة بحرية تستطيع رصدها.

أما بالنسبة إلى الصواريخ الجوية أو الباليستية، مثل “سارمات – Samrat” الروسي، فتصل سرعتها إلى عشرة أضعاف سرعة الصوت (10 ماك)، في حين أن صاروخ “كانجال –  Kindjal” يصل إلى حدود 20 مرة سرعة الصوت (20 ماك)، وهو شيء لافت للغاية.

من أجل تصميم صاروخ يعمل بتقنية MHD، يجب تثبيت أقطاب كهربائية في المقدمة والتي، عند وصولها إلى موجة الصدمة، تبعت إشارة الانطلاق. فالتحميل الناتج عن تلك الصدمة سوف يولد الكهرباء التي ستعطي في جميع أنحاء الصاروخ قوة إضافية لمحرك الطرد، على غرار ما قلناه عن الطوربيد. في هذه الحالة، ستبقى الصواريخ غير مرئية لشاشات الرادار لأنها ستكون محاطة بطبقة من البلازما بحيث لن تستطيع الردارات كشفها. فعندما يدخل الصاروخ طبقة الأرض، لن يحتاج الصاروخ  سوى 4 دقائق كي تحيط به طبقة البلازما تلك. وخلال العرض الثلاثي الأبعاد الذي قدمه الرئيس بوتين، يمكن أن نرى بوضوح أن مسار هذه الصواريخ لا تلاقي صعوبة في الغلاف الجوي أو الهواء، والمشي بين المرتفعات الجبلية، وما إلى ذلك.

من خلال ما سبق، يمكن التيقن بأن الرئيس بوتين لم يعلن كل شيء عن أسلحة الجيل الجديد تلك في مرحلة قام فيها الغرب ببناء قواعد عسكرية وأنظمة رادار “عفا” عليها الزمن، فهم لم يفهموا مضمون تلك الرسالة (بإستثناء العسكرية منها)، ولا المشاركة الفعلية لهذا النوع من الأسلحة. هنا، يجب ذكر ما قاله العالم الفرنسي جان بيار بيتيت، خلال لقائه مع عسكري فرنسي رفيع المستوى، إن “الأدميرال وضَّح بأن السرعة ليست مهمة.”

منذ الانتخابات الرئاسية، أبان الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، وحتى الآن لم يطور الجيش الفرنسي أي شيء، كالسفن والغواصات التي يمكن أن تمحى في غضون بضع دقائق. لهذا السبب، يرتفع الضحك عندما يتحدث الرئيس إيمانويل ماكرون عن مهاجمة سوريا. هل يعرف ماكرون أن الأسطول الفرنسي الحالي يمكن مقارنته بأقواس وسهام هنود الولايات المتحدة في مواجهة الترسانة العسكرية الروسية؟

ما تجدر الإشارة إليه هنا، أنها المرة الأولى التي يرتكز فيها الحديث عن الصواريخ، على الولايات المتحدة والتي، منذ أزمة الصواريخ الكوبية، لم تتحقق إلا مع الرئيس فلاديمير بوتين.

سيكون من الأهمية بمكان لشعوب العالم العربي المشاركة في هذا النوع من الأبحاث، ليس فقط من الناحية العسكرية، بل المدنية أيضاً، من خلال البدء بمشاريع الفيزياء الفلكية وإرسال الطلاب لدراسة هذه النظريات، خصوصاً وأن جامعات موسكو، فقط، هي التي تقوم بتدريسها. من هنا، يبقى الأمل بالمستقبل من خلال رؤية علماء متخصصين في هذا المجال، كما هو الحال في التخصصات الأخرى، من أجل السماح للدول العربية بتطوير نفسها وفتح مساحات الحرية فيها.

*شكر خاص للسيدة أنا بينوا (Anna Benoît)

**باحث في مركز سيتا

المراجع:

http://bit.ly/1zlcYaj

http://bit.ly/2HGxyO1

مصدر الصور: فلسطين اليوم – روسيا اليوم.