إعداد: يارا انبيعة
“استشراف حكومات المستقبل” هو شعار الحدث العالمي الأضخم “القمة العالمية للحكومات 2019″، في دورتها السابعة في مدينة جميرا الإماراتية، الذي سعت إلى تحقيقه من خلال جلسات نقاشية تفاعلية ومنتديات عالمية وورش عمل، حيث جمع هذا الحدث البارز أكثر من 4000 مشارك من 140 دولة، بما في ذلك، رؤساء الدول والحكومات، وممثلين رفيعي المستوى لأكثر من 30 منظمة دولية.
خلال انعقاد القمة من 10 حتى 12 فبراير/شباط 2019، كرم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، عدداً من القادة المميزين حول العالم ممن حققوا إنجازات أحدثت فارقاً من حياة البشر ضمن خمس جوائز رئيسية في عدة مجالات من بينها: الإبتكارات، التعليم، الإدارة.
تحويل الأزمات
أشار رئيس القمة وزير شؤون مجلس الوزراء والمستقبل الإماراتي، محمد القرقاوي، إلى 3 تحولات كبرى ستتسارع خلال الفترة المقبلة وستكون تأثيراتها شاملة على القطاعات كافة، مشيراً إلى أنها ستغير حياة البشرية بشكل أكبر، موضحاً أن أول هذه التحولات تراجع دور الحكومات بشكلها الحالي، مشيراً إلى أن الحكومات بشكلها القديم لا تستطيع التأثير في صنع المستقبل، ولا بد من أن تتحول من إدارة للخدمات إلى قيادة التغيير… ومن الهياكل الجامدة إلى المنصات المفتوحة.
أما التحول الثاني، فيتمثل في أن السلعة الأهم في المستقبل هي الخيال، وعليها سيكون التنافس، ومن خلالها سيتم خلق القيمة، ومن يملكها فسيملك اقتصاد المستقبل؛ فيما التحول الثالث هو الترابط على مستوى جديد وانتقال الخدمات والأفكار والمعرفة بين الناس، بسبب تقنية الجيل الخامس التي ستكون نقطة التحول في انترنت الأشياء.
إلى ذلك، قال مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي “دافوس”، البروفسور كلاوس شواب، إن العالم بحاجة للانتقال والتحول من إدارة الأزمات إلى الإدارة المنظمة، إذ يجب تعزيز الشراكة بين شرائح المجتمع كافة والجهات الحكومية والخاصة والمؤسسات والمنظمات الدولية في عملية التغيير، مؤكداً على أن المنظومة العالمية في صورتها الراهنة تواجه خطر الخروج عن السيطرة، محدداً 3 مسببات رئيسية لهذا التحدي، هي: سرعة التغيرات الجيوسياسية على مستوى العالم، والموجة الجديدة من الشعبوية، والناس الذين لا يريدون أن يتم إهمالهم.
فصل تاريخي جديد
تم الكشف عن مجموعة من المبادرات من قبل بعض واضعي السياسات والقادة العالميين لتؤذن بانطلاق حقبة جديدة من التسامح، وتضمنت إعلان الخبير العالمي في القيادة ورائد الأعمال والناشط في المجالات الخيرية، طوني روبنز، عن تعاونه حالياً مع قيادة دولة الإمارات حول مشروع إنساني لإطعام مليار شخص.
وفي مقابلة مع الإعلامي ريتشارد كويست، تطرقت كريستين لاغارد، المدير العام لصندوق النقد الدولي، إلى المخاوف الواسعة من أن “الذكاء الإصطناعي” سيعيد تشكيل الوظائف في المستقبل، حيث قالت إنه حتى منصبها يمكن أن يتم تعديله في المستقبل القريب.
وفي إطار تسليطه الضوء على التحديات التي تواجهها باكستان في التغلب على شبح الفساد التي بات يخيم على البلاد خلال الأعوام الأخيرة، دعا رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، إلى تطبيق مبدأ الحكم بحسب الأهلية على نطاق عالمي.
كما ألقى البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، كلمة متلفزة أشار فيها إلى أن دولة الإمارات بدأت فصلاً تاريخياً جديداً في عالم معاصر يتسم بالتسامح. وبعد كلمة الحبر الأعظم، أشار عبدا لله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي في دولة الإمارات، إلى أن اللقاء الذي جمع البابا فرنسيس والشيخ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، والتوقيع الذي أعقبه على وثيقة الأخوة الإنسانية، سيتم تدرسيه في مدارس وجامعات الدولة اعتباراً من العام الأكاديمي 2019 – 2020.
محطات مستقبلية
أكد المشاركون في جلسة “متحف المستقبل”، إحدى فعاليات القمة، أن أربع محطات مستقبلة ستشكل ملامح التاريخ البشري والتي تهدف إلى استكشاف مستقبل العلوم والتكنولوجيا والإبتكار وآثارها في البشرية.
المحطة الأولى، تبدأ عند عتبة العام 2030 وهي مرحلة جديدة في التاريخ البشري عنوانها “الجسد المعزز”. فعلى مر الزمن، استعان البشر بالملابس والنظارات الطبية والأطراف الإصطناعية لتعزيز أجسادهم، ولكن في ظل التقدم التكنولوجي سيدخل البشر عصراً جديداً من التطورات الجسدية التي تعزز قدراتهم. وتبرز خلال هذه المرحلة مصطلحات ومفاهيم جديدة مثل مختبر الأعضاء الأساسية، وزراعة وهندسة وتعزير الأعضاء، وإنتاج أعضاء صناعية بديلة تحاكي البشرية واستخدامها في متابعة الحالة الصحية وتعزيزها، وهندسة الخلايا الجذعية وتحويلها إلى أنواع محددة من الخلايا أو الأنسجة أو الأعضاء. وهناك أيضاً الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد لطباعة الأنسجة الحية، كما سيسهم تعديل الجينات في إنقاذ حياة البشر عبر محلل الجينوم وتجنيبنا الإصابة بالأمراض المزمنة والخطيرة.
المحطة الثانية، هي عصر جديد من التواصل البشري يبدأ من العام 2040 حيث نتجاوز مرحلة تعزيز أجسادنا لنصل في رحلة التطور البشري إلى تعزيز عقولنا بإستخدام تكنولوجيا الأعصاب ما يؤدي إلى تعزيز القدرات العقلية من حيث آلية عمل وأداء الجهاز العصبي عبر الكائنات البيولوجية المصنعة وأجهزة الإستشعار المزروعة في الأعصاب والخلايا العصبية الإصطناعية وروبوتات النانو التنشيطية وأدوات تعزيز أداء الشبكة العصبية.
والمحطة الثالثة والأخيرة، تبدأ عند العام 2060 وعنوانها “الجسد البشري ما بعد تطوير القدرات”، وهنا يستكشف الإنسان فرص تواجده خارج حدود جسمه البشري عن طريق نقل الوعي، ولتحقيق ذلك سيبتكر البشر أدوات تستخدم في تصميم خارطة للعقل البشري ومحاكاتها بتفاصيلها كافة داخل جسم آخر قد يكون جسماً حيوياً أو روبوتاً أو رقمياً، وهنا نتحدث عن انتقال الوعي البشري، وعن الأماكن التي ستأخذنا إليها عقولنا، والجيل الرابع من النماذج المستضيفة للوعي البشري بعد النموذج الإفتراضي والميكانيكي والإصطناعي – الحيوي، ويتم الحديث هنا عن مشروع الموروث البشري، السجلات العالمية لإنتقال العقول.
هنا يبرز سؤال جديد: “هل نحن مستعدون للتعايش مع الوعي البشري المتشكل بمفهوم جديد؟” ففي مرحلة ما بعد تطوير القدرات، يواجه العقل البشري اندماج مجموعة من الأفكار والمعتقدات والمعارف والتجارب من مليارات البشر في نموذج واحد يربط بين أفراد الإنسانية ويواصل نموه وتطوره، وتم تجسيد هذه الفكرة بنموذج “بونيتي” المرأة التي تمثل تكامل المشاعر البشرية مع المنصات الاصطناعية وهي الخطوة الأولى نحو الوصول إلى الجيل الثالث من القدرات البشرية.
تجديد الأمل
“تجديد الأمل: هدف إنساني واحد”، شعار التف حوله 100 طالب وطالبة في سلك الماجستير والدكتوراه، من أعرق 19 كلية وجامعة متخصصة في علوم السياسات الحكومية وإدارة الأعمال حول العالم، ومن ضمنها جامعة الإمارات. ويمثل تحدي الجامعات مبادرة عالمية فريدة تجمع بين أفضل العقول اللامعة بحيث يتم اعطاؤهم تحدياً معيناً يواجه الحكومات من أجل ايجاد الحلول العلمية والعملية الحديثة للتغلب على هذا التحدي، والتي تتمثل في تحديات حقيقية وواقعية تواجه بعض الدول مثل تسرب الأطفال من التعليم أو مشكلة المياه الملوثة أو نقص الغذاء، والأزمات الإقتصادية، وغيرها من المشكلات، بإعتبار أن هؤلاء الطلبة هم قادة المستقبل.
في هذا الشأن، لوحظ ازدياد عدد الجامعات العالمية المشتركة، منذ إطلاق المبادرة في العام 2017، حيث بدأت بـ 13 جامعة، ثم اشتركت 17 جامعة في العام 2018، ليرتفع العدد إلى 19 جامعة العام 2019، ما يبرز اهتمام الجامعات بالمبادرة من أجل استشراف المستقبل من خلال اختيار فرق من خريجي الجامعات في مجالات السياسة العامة والعلاقات الحكومية والعلوم السياسية وإدارة الأعمال من حول العالم.
الجائزة الأولى
على منصة القمة، وقف وزير الصحة الأفغاني، الدكتور فيروز الدين فيروز، ليتقلد جائزة “أفضل وزير في العالم”. ولأن عالم بلا صحة ومستقبل بلا أطفال أصحاء يعني إخفاق الحكومات، فإن اختيار الدكتور فيروز جاء بناء على مبادرته تلقيح 9.5 مليون طفل أفغاني للوقاية من شلل الأطفال مع إنشاء قاعدة بيانات صحية لهذه الدولة التي أهدرت الحروب مواردها البشرية والطبيعية لعقود.
في الختام، إن العقود المقبلة لن تنتظرنا طويلاً. فجلسات الحوار ضمن قمة الحكومات تتطرق إلى كل كبيرة وصغيرة من تفاصيل المستقبل، مستقبل العمل لإكتساب المهارات واللحاق بالمتطلبات، نماذج مبتكرة للتوظيف، مستقبل الإتصال الحكومي، الآفاق المستقبلية للصحة العالمية، حياة أطول وأفضل، تصميم المدن المستقبلية، صناعة العافية، دور النساء في بناء المجتمعات بعد الحروب، وكيف نقود الأمم من النزاع إلى الوفاق، والتعليم حيث الطريق للمعرفة يبدأ بالوعي، وفي التعليم حديث طويل، وعن المعرفة نقاش عميق، إنها اطلالة متعمقة على مستقبل يدق الباب، حيث المستقبل بدأ الآن.
مصدر الأخبار: وكالات.
مصدر الصور:منصة الرؤية – الغارديان.