إعداد: يارا انبيعة

عقب تحقيقات دامت حوالي 27 ساعة بشأن اتهامات حول تمويل الرئيس الليبي الراحل العقيد معمر القذافي لحملته الانتخابية، أطلق القضاء الفرنسي، ليل 21 آذار/مارس 2018، سراح الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي بعد يومين من التحقيق مع إبقاء ملفه مفتوحاً للتحقيق.

إتهامات متعددة

أحيل الرئيس الفرنسي السابق و13 شخصاً آخرين إلى القضاء في إطار التحقيق حول نفقات حملته الانتخابية لفترة ولايته الرئاسية الثانية، في العام 2012. وتتهم النيابة ساركوزي بتعمد تجاوز سقف النفقات الانتخابية المحدد بـ 22.5 مليون يورو، مستعيناً بفواتير مزورة من شركة “بيجماليون” للعلاقات العامة. وكشفت صحيفة “لو باريزيان” الفرنسية أن نيكولا ساركوزي لم يقضِ أول ليلة بعد قرار احتجازه في قسم شرطة نانتير بل توجه إلى منزله، بعدما قضى 16 ساعة متواصلة خلال التحقيقات لسماع أقواله، لكنه عاد مرة أخرى في صباح اليوم التالي لاستكمال التحقيقات.

يواجه ساركوزي اتهامات في قضايا تمويل غير مشروع، من الزعيم الليبي، لحملته الانتخابية عام 2007، إضافة إلى التزوير في فواتير الحملة الانتخابية الثانية العام 2012، وهي القضية المعروفة إعلامياً بـ “بيجماليون”. وكان موقع “ميديا بارت” الفرنسي المتخصص في التحقيقات الاستقصائية أول من كشف عن تلك القضية، في مايو/أيار 2012، بتمويل القذافي لحملة ساركوزي الانتخابية.

حياتي أصبحت جحيماً!

نفى ساركوزي جميع الاتهامات الموجهة إليه، فيما رفض الإجابة عن بعض الأسئلة، إلا أن قاضي تحقيق النيابة المالية الوطنية شدد عليه بأنه في موضع اتهام وعليه الإجابة عن جميع التساؤلات. وقال ساركوزي إن مزاعم تلقيه أموالا لتمويل حملته الانتخابية من الزعيم الليبي القذافي جعلت حياته “جحيماً”، وأضاف قائلاً للقضاة الذين يباشرون التحقيق معه “إنني متهم دون أي دليل مادي”، وأضاف “إن الليبيين الذين يتهمونه اليوم يريدون الانتقام منه لإصداره قرار بنشر مقاتلات فرنسية خلال الانتفاضة التي أطاحت بالقذافي في العام 2011.”

مسار التحقيقات

قال رئيس الشرطة القضائية الفرنسية، آلان أكو، إن “هذا الإجراء يتم في حالات بعض القضايا المالية ولكن في القضايا العادية التي لم تتوفر بعد الأدلة، إلا أن حالة ساركوزي مختلفة لكون الشرطة لديها جميع الأدلة، كما أنه من المفترض يتم أخذ احتياطات لعدم التأثير على الشهود أو محاولة الهرب”، وتابع “يبدو أن الشرطة راعت وضعه لكونه رئيساً أسبق لفرنسا.”

وأشارت التحقيقات إلى أن الوسيط في تلك المفاوضات كان يدعى زياد تقي الدين، والذي كشفت تحقيقات، في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، أنه نقل 5 ملايين دولار نقداً من طرابلس إلى باريس خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في نهاية العام 2006، وأوائل العام 2007، وسلمها إلى كل من كلود جيان وساركوزي، الذي كان وزيراً للداخلية في ذلك الوقت، حيث يزعم تقي الدين أن هذه المبالغ المالية مصدرها القذافي.

وينفي جيان، الذي كان يدير حملة ساركوزي الرئاسية، الأمر جملة وتفصيلاً كما وصرح لموقع فرانس انفو الالكتروني أنه “لم ير قرشاً من التمويل الليبي”. وهنا تجدر الإشارة إلى أن غيان أيضاً قد خضع للتحقيق الرسمي في وقت سابق، من العام الجاري (2018)، بشأن تحويل مالي بقيمة 500 ألف يورو أجراه في العام 2008، إلا أنه نفى ارتكاب أي مخالفات، مؤكداً بأن تلك الأموال حصيلة بيع لوحتين.

لكن هذه المعلومات أكدها عبد الله السنوسي، المدير السابق للمخابرات الليبية في عهد القذافي، أمام المدعي العام للمجلس الوطني الانتقالي الليبي، في 20 سبتمبر/أيلول 2012، خلال التحقيق معه واتهامه بـ “التواطؤ وتقديم رشوة لموظف عام أجنبي” و”التواطؤ بإختلاس الأموال العامة في ليبيا.” فيما جاء في مذكرات وزير البترول الليبي الأسبق، شكري غانم الذي توفي العام 2012 في ظروف لا تزال غامضة، معلومات تشير إلى وجود أموال موجهة إلى نيكولا ساركوزي.

إلى ذلك، لفتت بعض الصحف الفرنسية إلى ما قاله بشير صالح، المقرب من القذافي ومهندس العلاقات الليبية الفرنسية والذي أطلق عليه الرصاص مؤخراً في هجوم وقع في جوهانسبرج، من أن “القذافي أكد أنه مول ساركوزي.” وأشارت المعلومات ايضاً الى ان العديد من الشخصيات الليبية الشاهدة على تلك القضية قد سلمت أدلة جديدة تؤكد الاشتباه في تمويل غير المشروع لساركوزي.

معارضة لصمت الإليزيه

أثار احتجاز ساركوزي، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية الفرنسية، حيث انتقد حزب اليمين الذي كان يتزعمه ساركوزي، بطء إجراءات الاحتجاز في وقائع حدثت من 11 عاماً. إلى ذلك، وصفت بعض ردود فعل الأوساط السياسية الفرنسية المحاكمة بـ “المسرحية الهزلية”، حيث قدم زعماء اليمين الفرنسي الدعم الكامل لساركوزي، لكن رئيس الحزب الجمهوري لوران فوكييه قال “إن ذلك الإجراء مذل وغير مجدٍ”، كما أعرب رئيس الوزراء الأسبق، جون بيير رافران، عن أسفه.

في المقابل، أكد بعض السياسيون اليساريون أن تلك الاجراءات هي “انتصار للعدالة”، إذ قال زعيم الاشتراكيين في الجمعية الوطنية، أوليفييه فور، إنه و”أيا كان مركزنا، فنحن معرضون للمساءلة أمام القضاء”، فيما صمت قصر الرئاسة الفرنسي الإليزيه عن الإدلاء بأي تصريح.

من جهتها، اعتبرت زعيمة الحزب اليميني الفرنسي، مارين لوبان، أنه يجب أن تأخذ العدالة مجراها حتى النهاية، ولفتت لوبان إلى أنه يجب أن تأخذ العدالة مجراها بشكل جدي حتى النهاية، هذه القضية لا تنحصر في مسألة تمويل حملة انتخابية، بل تتعلق كذلك بإشعال حرب، وقتل رئيس دولة، وانتشار الفوضى في البلاد ما تسبب بحدوث موجات نزوح كبيرة.

سيف الإسلام: مازال بحوزتي الكثير

أكد سيف الإسلام القذافى، نجل الزعيم معمر القذافي، إنه ما زال بحوزته الكثير من الأدلة ضد ساركوزي، مشيراً إلى أنه لم يتم الاستماع إلى أقواله كشاهد فى القضية ولم يتم الاستماع إلى عبد الله السنوسي، المدير السابق لجهاز الاستخبارات الليبية، الذي قال إن بحوزته تسجيلاً لأول لقاء بين ساركوزي والقذافي في طرابلس، قبل حملته الانتخابية العام 2007، مؤكداً أن الإجراء الذي اتخذه القضاء بحق ساركوزي جاء متأخراً لأنه كان أول من أعطى أدلة في هذه القضية قبل سنوات، لكن القضاء لم يحرك آنذاك ساكناً.

الشعب الليبي هو الضحية

قال نائب رئيس المجلس الانتقالي الليبي السابق، عبد الحفيظ غوقة، إن الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي، سبق ونفى تلقيه أي أموال من ليبيا، ولكن أمام ظهور معطيات وتوقيف بعض الأشخاص ذوي الصلة والوسطاء في إيصال هذه المطالب المالية واعتراف بعض مسؤولي النظام السابق بتورطهم في هذه العملية “أعتقد أنها أدت إلى اتخاذ إجراءات بحق ساركوزي.”

وأوضح غوقة أن الشعب الليبي لم يكن ليعرف حجم هذه الجريمة لو لم يحصل الخلاف في العام 2011، بعد الموقف الذي اتخذه الرئيس ساركوزي من الثورة الليبية ودعمه لهذه الثورة، قائلاً “عندما يختلف اللصوص تظهر السرقة، لذلك ظهرت السرقة في حق الشعب الليبي وأموال الشعب بعد أن اختلف اللص الذي سلم الأموال، واللص الذي استلمها”، متمنيا أن تؤدي التحقيقات مع للكشف كافة الأطراف المتورطة.

قاديروف سعيد

علق الرئيس الشيشاني، رمضان قديروف، على احتجاز الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي بقوله “من الصعب تصور أن نيكولا ساركوزي سيقضي فترة طويلة في مكان إقامته الجديد، إلا أن لدي بارقة أمل في أنه سيبقى هناك، يوم ما، لأعوام طويلة.”  وأشار قاديروف إلى جهود ساركوزي التي بذلها لتحويل ليبيا المزدهرة إلى أطلال قائلاً “غمرته السعادة برؤية لقطات ذبح صديقه السابق معمر القذافي وعائلته!؟ ها هي الديمقراطية الغربية التي تدمر دولاً وتقضي على شعوبها.”

مصدر الأخبار: وكالات

مصدر الصور: الخليج 365 – بي بي سي – الشروق.