محمد نبيل الغريب البنداري*

مقدمة

منذ الإنقلاب العسكري، في 15 يوليو/تموز 2016، وتركيا تتخذ سلوكاُ جديداً في سياستها الخارجية العسكرية والسياسية تجاه سوريا، فبعد الإنقلاب نفذت تركيا عملية “درع الفرات”، في أغسطس/آب من العام 2016، واليوم تعلن سيطرتها مرة أخرى على مدن وقرى سورية غرب نهر الفرات في الشمال السوري استكمالاً للمشروع التركي في الشمال السوري، والذي لم يتحقق منه أي شيء حتى الآن على الرغم من المصادر التركية والتي تتحدث عن تحقيقها الهدف المراد من العملية بسيطرة أنقرة على مدينة عفرين.

التسلسل الزمني لعملية “غصن الزيتون”

في يناير/ كانون الثاني 2018، أُعلن عن بدء عملية “غصن الزيتون” بتمهيد مدفعي في سوريا لملاحقة من وصفتهم تركيا بالمنظمات الإرهابية “قوات حماية الشعب” الكردية في مدينة عفرين السورية غرب نهر الفرات. وفي 20 يناير/كانون الثاني، نفذت تركيا غارات جوية على مدينة عفرين بالتعاون مع فصائل سورية معارضة منها الجيش السوري الحر لاستخدامهم في العمليات البرية.

أما في 22 يناير/كانون الثاني، أعلنت تركيا مشاركة قوات برية تركية على أرض الميدان في عفرين تمهيداً لاقتحامها، ثم أعلنت مصادر تركية أن القوات التركية تحاصر المدينة من جميع الأطراف، إلى أن أعلنت القوات التركية في سوريا دخولها مدينة عفرين، في 18 مارس/آذار، ورفع العلم التركي عليها.

أسباب الفشل التركي “غرب الفرات”

لعل أبرز العِلل التي تبرّر الفشل التركي في عفرين يكمن في الآتي: دخلت القوات التركية إلى مدينة عفرين في غرب نهر الفرات لملاحقة عناصر الوحدات الكردية في هذه المدينة، المتفرعة من قوات “قسد” (قوات سوريا الديمقراطية)، والتي حاربت تنظيم “داعش” في مدينة الرقة السورية، العام 2017 بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية. لذلك، حينما ننظر إلى خريطة الصراع والهيمنة في سوريا يتضح أن القوات الأمريكية، بالإضافة إلى قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، تتمركز بشكل كلي شرقي نهر الفرات، وأن القوات التركية اليوم هي من تسيطر على مدينة عفرين الواقعة في غربي نهر الفرات.

عند النظر إلى خريطة النفوذ، نلاحظ أن القوات الكردية المسلحة في مدينة عفرين غير منضوية تحت لواء “قسد”، المتواجدة في مناطق بعينها شرقي الفرات بجانب القوات الأمريكية، بل هي قوات منفردة في هذه المدينة المكونة من العشائر والمدنيين للدفاع عنها في حال ما أقدمت تركيا على دخول المدينة كما هو الآن. أما النصيب الأكبر من هذه القوات، فهو يتواجد في الضفة الغربية لنهر الفرات، ولكن حينما دخلت أنقرة إلى مدينة عفرين انسحب جزء من تلك القوات من شرق الفرات للدفاع عن مدينة عفرين.

منطقة الجزيرة.. “القنبلة الموقوتة”

تعتبر هذه المنطقة، الواقعة شرقي نهر الفرات، محل تسابق ونفوذ بين بعض القوى الدولية الناشطة في سوريا سواء روسيا أو تركيا أو الولايات المتحدة الأمريكية، ولكونها منطقة جغرافية استراتيجية بالدرجة الأولى، حيث تربط سوريا بكل من العراق وتركيا، بالإضافة إلى الموارد الطبيعية الموجودة بها من النفط والغاز ومصادر المياه.

ومن خلال التموضع الذي تريده الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا عامة وفي شرقي الفرات خاصة ودعمها لقوات سوريا الديمقراطية، يتضح أن لواشنطن استراتيجية خاصة في تلك المنطقة من خلال دعم الأكراد مالياً وعسكرياً لتكوين كيان مستقل منفصل عن سوريا، بالإضافة لكرد العراق حيث تعتبر سوريا مركز الإنفصال الكردي يليها العراق.

يأتي الدعم الأول للأكراد من واشنطن التي عقدت معهم أكثر من إتفاقية تسليح لتحويلهم إلى جيش نظامي، بالإضافة إلى التزايد المستمر للقواعد العسكرية الأمريكية في منطقة الجزيرة والجزيرة العليا السورية، ناهيك عن تقديم المساعدة لهم في تكوين مجالس شعبية ضمن بعض المدن لتتحول في النهاية إلى كيان قوي أو دولة مستقلة، وهذا ما لا تريده أنقرة على حدودها الجنوبية حيث يتمركز الكرد الذين هم على ارتباط وثيق مع حزب العمال الكردستاني المتهم بانقلاب 15 يوليو/تموز 2016.

إن إعلان تركيا، في 26 يناير/كانون الثاني 2018، بأن قواتها ستطهر الحدود الجنوبية (أي الشمال السوري) من الكرد حتى الحدود العراقية ومدينة البوكمال، سيتحتم علها في حال تنفيذ ذلك المرور أولاً بمنطقة شرق الفرات، التي تتمركز فيها “قسد” والقوات الأمريكية بقواعدها العسكرية، ما سيؤدي إلى مواجهات عسكرية مباشرة بين الجيش التركي القادم من غرب الفرات وبين القوات الأمريكية المتمركزة الشرق.

وذلك هو الهدف الذي تريد أنقرة تحقيقه من الحرب السورية، ولم يتحقق بعد. لذلك، إن عملية عفرين ليس لها أي هدف حتى الآن، فالهدف موجود في شرق الفرات. إن ما يقلق أنقرة ويخيفها هو الدخول الى هذه المنطقة دون توافق أمريكي – تركي كونها تسعى إلى تجنب الصدام. هذا بالطبع ما سترفضه واشنطن لأن هذه المنطقة هي مصلحة أمريكية بحتة.

على المستوى التحليلي، يمكن القول بأن تركيا لم تحقق شيئاً على الأرض، سواء طرد قوات “قسد” أو حتى منعهم من إقامة إقليم “روج آفا” في المستقبل، فمن مدينة رأس العين مروراً بالدرباسية والقامشلي والقحطانية حتى عين ديوار يستطيع الكرد لملمة أنفسهم وبناء ما يسمونه إقليم شرق الفرات بمساعدة أمريكية.

فعندما نتطرق إلى عامل التنسيق بين تركيا والولايات المتحدة بخصوص تلك المنطقة، سنجد أن التفاوض سيأخذ تعهدات “شفوية” لا أكثر من جانب واشنطن بخصوص وقف التسليح أو السماح للقوات التركية بالدخول. ولذلك، فإن عملية غصن الزيتون لم تحقق إلا الآتي:

  1. اكتسبت تركيا عند دخولها وسيطرتها على مدينة عفرين عامل المفاوضات المستقبلي بخصوص سوريا، فعندما يتم طرح أي خطوة بخصوص الشمال السوري ستكون تركيا أولى الدول التي سيستمع إليها لأنها تسيطر على رقعة جغرافية سورية، وبالتالي ستكون عامل قوي بالنسبة لأنقرة ما لم تتوافق مع موسكو أو الحكومة السورية بتسلم أي منهما المدينة.

  1. حينما نتحدث عن إقليم “روج آفا”، فإن تركيا قد اقتطعت من هذا الإقليم جزءاً لنفسها، وهذا ما يضر الكرد في عملية التنسيق الجغرافي أو الوحدة الجغرافية حيث يعد هذا “شوكة في ظهر الكرد”.

*كاتب وباحث سياسي

مصدر الصور: يورو نيوز – مركز واشنطن.