إعداد: يارا انبيعة
كذاكرة تقرأ ولا تُمحى، ولا يضاف إليها ما يستحدث من ألفاظ وأفكار وحلول مشلولة عقيمة، هي فكرة الأرض والارتباط بها وحتمية العودة. “الأرض” كلمة السر في كل المعارك التي خاضها الفلسطينيون، منذ احتلال بلادهم في العام 1948 وقيام الكيان الإسرائيلي، لا سيما بعدما قام الاحتلال، في العام 1976، بتهجير الفلسطنيين ومصادرة آلاف الدنومات تمهيداً لتسهيل الهجرة اليهودية، وبدماء العشرات سطر الفلسطينيون تاريخ “يوم الأرض” في دفاترهم.
الصمود فعل مقاومة يترجمه الفلسطينيون يومياً في مواجهات مع الاحتلال، لذا حملت مسيرات “يوم الأرض” هذا العام شعار “من أجل البقاء، والصمود في الوطن، الذي لا وطن لنا سواه”، في إشارة إلى صمودهم في وجه الاحتلال لاستعادة الأرض مجدداً، حيث يعتبر الكثير من الفلسطينيين أن إحياء هذه الذكرى ليس مجرد سرد أحداث تاريخية، بل هو معركة جديدة في حرب متصلة لاستعادة الحقوق الفلسطينية.
مسيرات حاشدة
شارك آلاف الفلسطينيين داخل الخط الأخضر في مسيرة مركزية في بلدة عرابة داخل الجليل إحياء للذكرى الثانية والأربعين لـ “يوم الأرض”، وقد التحمت مع هذه المسيرة التي دعت إليها لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، بمشاركة أعضاء كنيست عرب ورؤساء سلطات محلية ورجال دين من الطوائف المختلفة، بمسيرات أخرى انطلقت من مدينة سخنين وبلدة دير حنا لتلتقي بمسيرة عرابة وهي البلدات التي تعرف بمثلث “يوم الأرض” حيث شهدت قبل 42 عاماً مواجهات بين الفلسطينيين، الذين خرجوا للاحتجاج على مصادرة آلاف الدونومات من أراضيهم، وقوات الأمن الإسرائيلية، التي قمعت احتجاجاتهم بالنار ما أسفر عن مقتل ستة فلسطينيين وجرح المئات.
خلال المسيرة، رفع المشاركون الأعلام الفلسطينية مطالبين إسرائيل بحقوقهم في إعادة الأراضي التي صودرت منهم العام 1976، وأكدوا على مواصلتهم الدفاع عما تبقى من أراضيهم والتصدي لسياسات إسرائيل المستمرة بهدم البيوت والتضييق على البلدات العربية ومصادرة الأراضي. كما احتشد آلاف الفلسطينيين في قطاع غزة في احتجاج يستمر 6 أسابيع، بإقامة مدينة خيام قرب الحدود الإسرائيلية للمطالبة بالسماح للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى الأراضي التي أصبحت اليوم إسرائيل، ونصبت عشرات الخيام في 5 مواقع على امتداد الحدود.
وعلى الجانب الآخر من الحدود، وضعت القوات الإسرائيلية دباباتها وتمركز القناصة على سواتر ترابية، وأطلقوا النار باتجاه متظاهرين فلسطينيين، قرب حي الشجاعية شرقي القطاع المحاصر. واستخدم الجيش الإسرائيلي لأول مرة طائرات دون طيار “درون”، لإسقاط قنابل غاز فوق المحتجين الفلسطينيين على الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل، وقالت مصادر طبية فلسطينية إن 14 فلسطينييناً استشهدوا وأصيب أكثر من 1400 آخرين، في مواجهات بين القوات الإسرائيلية والمحتجين.
مواجهات دامية
قالت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني ان عدداً من المواطنين أصيبوا بالرصاص المطاطي، خلال المواجهات الدائرة على مدخل مدينتي رام الله والبيرة، وقال مسعفون ميدانيون، أنهم قدموا العلاج ميدانياَ لعشرات المصابين بحالات اختناق، إثر استنشاقهم الغاز المسيل للدموع. واندلعت مواجهات عند مدخل مدينتي رام الله والبيرة، استخدم خلالها جيش الاحتلال الرصاص الحي والمطاطي والغاز المسيل للدموع، والمياه الكيمائية، في حين رشق الشبان قوات الاحتلال بالحجارة وأشعلوا النار في إطارات المركبات الفارغة.
كما أصيب عدد من المواطنين خلال مواجهات جرت في قرى قصرة وكفر قليل وبيتا جنوب محافظة نابلس، وقالت مصادر جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، إن طواقم الجمعية قدمت العلاج لأربعة وعشرين مصاباً بالاختناق نتيجة استنشاق بالغاز المسيل للدموع، و3 مصابين بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط، و3 مصابين نتيجة السقوط، خلال قمع مسيرة قرية قصرة في الأراضي المهددة بالمصادرة.
كما اندلعت مواجهات في مواقع عدة بالضفة الغربية، أبرزها في بلدات بلعين ونعلين والنبي صالح والمزرعة الغربية في محافظة رام الله، وفي بلدات قصرة وكفر قدوم بمحافظة نابلس، إضافة إلى مواجهات على المدخل الشمالي لمدينة بيت لحم، ووسط الخليل، ونظم مسيرات حاشدة عقب صلاة الجمعة في مختلف مدن وبلدات الضفة الغربية. وكانت الفصائل الفلسطينية قد دعت لخروج مسيرات حاشدة في مختلف المدن والبلدات والاشتباك مع جيش الاحتلال في مواقع التماس.
هنية يشارك
شارك القياديان في حركة حماس إسماعيل هنية ويحيى السنوار في مسيرة العودة الكبرى على الحدود، حيث قال هنية “في الوقت الذي بلغت فيه الهجمة على قضيتنا ذروتها منذ قرار ترامب إعطاء القدس للاحتلال الغاصب والحديث المتزايد عن التحضير لما يعرف بصفقة القرن ويسارع البعض، للتطبيع مع الكيان ويشتد الحصار والاستيطان والتهويد وغير ذلك، فإن هذه الجماهير خرجت لتقول كلمتها الفاصلة: لا بديل عن فلسطين ولا حل إلا بالعودة”، مضيفاً “إننا وشعبنا لن نقبل أن يبقى موضوع العودة مجرد شعار يردده الناس.”
إفلاس سياسي وأخلاقي
دان الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، ما قامت به قوات الاحتلال الإسرائيلي من تعامل وحشي مع المظاهرات التي انطلقت في غزة لإحياء الذكرى، وأكد المتحدث الرسمي باسم الأمين العام، الوزير المفوض محمود عفيفي، أن يوم الأرض يجسد لدى الفلسطينيين معنى التمسك بالهوية وبالوطن مهما طال الاحتلال، وأن تصدي إسرائيل للمظاهرات بمثل هذا العنف السافر لا يعكس سوى الإفلاس السياسي والأخلاقي.
كما حمل الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية القانونية والسياسية والأخلاقية عن هذه الأرواح التي أُزهقت، مؤكداً أن الترهيب لن يؤدي إلى قمع الفلسطينيين، بل سيقود في النهاية إلى انفجار الوضع على نحو ما يجري.
العنف الإسرائيلي “غير مبرر”
قال السفير حازم أبو شنب، القيادي في حركة “فتح”، إن “إحياء يوم الأرض الفلسطيني هذا العام جاء مغايراً للأعوام السابقة، وإن القرارات الأمريكية التي اتخذت بشأن نقل السفارة وقضية اللاجئين دفعت الجميع للرد والتأكيد على تلك الإجراءات”، وتابع “أن العنف الإسرائيلي غير مبرر وأنه لا رغبة في التعايش أو السلام من جانب إسرائيل، في ظل المساعي الدائمة للتعدي على حقوق الفلسطينيين بل والاستيلاء الكامل على كل الأراضي الفلسطينية.”
ونوه ابو شنب إلى أن الرد العربي لم يتضح حتى الآن، وأن الشعب الفلسطيني ينتظر إجراءات لوقف الآلة العسكرية عند حدها، ووقف عمليات الاعتداء والقتل اليومي.
الأزهر يدين
أدان الأزهر الشريف بشدة قمع قوات الاحتلال الصهيوني الوحشي، للمظاهرات والمسيرات السلمية ما أسفر عن سقوط عدد من الشهداء ومئات الجرحى، وشدد الأزهر الشريف على دعمه ومساندته الكاملة للشعب الفلسطيني في نضاله المشروع من أجل استعادة أرضه المحتلة، وانتفاضته الباسلة ضد سياسة مصادرة الأراضي والتهويد التي تنتهجها قوات الاحتلال، مؤكداً أحقية الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره
.
وطالب الأزهر الشريف المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية والحقوقية بدعم الشعب الفلسطيني في صموده وكفاحه الوطني، وحث مجلس الأمن الدولي على الاضطلاع بمسؤولياته في وقف الجرائم التي ترتكب ضد الشعب الفلسطيني.
الحل بالمقاومة
من جهته، دعا رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، الشيخ عبد الأمير قبلان، العرب والمسلمين والفلسطينيين إلى إحياء “يوم الأرض” لتأكيد الحق العربي في الأرض الفلسطينية التي كانت وما تزال عنواناً للغزة والكرامة العربية. وأشار قبلان إلى أنه “في ذكرى يوم الأرض نناشد أصحاب الأرض أن يثبتوا في رباطهم ويصبروا ويتصدوا لجرائم وانتهاكات الاحتلال ويتمسكوا بحقوقهم في تحرير أرضهم ودحر الاحتلال عنها، من خلال التزام نهج مقاومة الاحتلال الذي نراه السبيل الوحيد لتحرير الأرض، مما يحتم توحيد صفوف كل فصائل وقوى الشعب الفلسطيني تحت راية الجهاد والمقاومة، وعلى الفلسطينيين أن ينبذوا الخلافات ويتصدوا لكل دعوة تفرق بين الفلسطينيين خدمة للعدو الصهيوني.”
مصدر الأخبار: وكالات
مصدر الصور: موقع انفراد – ارم نيوز.