كلمة مقدم الندوة الدكتور علوان أمين الدين

أمريكا اللاتينية هي الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الأمريكية. تكتنز الكثير لكنها تخفي الأكثر سواء لجهة البشر أوالحجر أو الموقع الاستراتيجي وغيرها خصوصاً أنها تفصل بين محيطين كبيرين. من هنا، نترك الحديث للخبير في شؤون وشجون القارة اللاتينية سعادة السفير الدكتور هشام حمدان. أهلاً بك.

كلمة سعادة السفير الدكتور هشام حمدان

نحن اليوم نمر بظروف غير طبيعية فأحداث هذه المنطقة تجعلنا ننسى الواقع الدولي القائم ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي الذي شكل تطوراً عالمياً في غاية الأهمية أستطيع تسميته “نهاية الحرب العالمية الثالثة” وكثر من سمونها نهاية الحرب الباردة. فبعد سقوطه، بدأنا نرى إقامة نظام سياسي – اقتصادي دولي جديد وبالتأكيد ما زلنا حتى اليوم نعيش هذه المرحلة.

إن الحديث عن أمريكا اللاتينية يحتاج إلى ساعات شرح طويلة، فهي قارة بحد ذاتها يسكنها 640 مليون شخص بكثافة سكانية تقدر بـ 40 شخص في كل كلم مربع، وتحتوي على 33 دولة بمساحة تقدر بـ 19 مليون كلم مربع فبلدانها غنية جداً خصها الله بغنى اقتصادي وثروات هائلة معظمها إما منهوبة أومخبأة ولم يستفد الشعب منها بعد.

لقد عاشت أمريكا اللاتينية، كما نحن في البلدان النامية في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط، تناحرات خلال فترة الحرب الباردة بين الدول الاشتراكية والمعسكر الغربي، إذ كان صراعاً أيدولوجياً قوياً جداً لعبت الولايات المتحدة فيه دوراًسيئاً جداً بإقامة ديكتاتوريات – مرحلة الثمانينات بصورة خاصة – وفي هذه المرحلة، كانت واشنطن تمارس الكثير من التدخلات لإنشاء ديكتاتوريات هدفها ضرب كل ما يسمى بـ “الحركات اليسارية”، وكلنا يتذكر ما حدث في تشيلي، معبينوشيه وسليادورا ليندي، وذات الأمر في الأرجنتين وبلاد أخرى حيث سددت الولايات المتحدة الكثير من الضربات الموجعة للقارة بسبب تلك الحركات التحريرية.

فبعد سقوط الاتحاد السوفياتي، لم نعد نرى حركات أيدلوجية، إذ تحول العالم بكليته إلى دول ليبرالية يحكمها نظام “السوق”، ومن أول الأمور التي برزت بصورة أساسية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي هو استكمال النظام النقدي القائم على ثلاثة أعمدة رئيسية:

الأول: منظمة التجارة الدولية.

الثاني: البنك الدولي.

الثالث: منظمة التجارة العالمية.

إلا أن العمود الثالث، أي منظمة التجارة العالمية، بقي غير مكتمل بحيث تمكنوا من تفعيل اتفاقية لتنظيم التجارة بين الدول، اتفاقية “الغات”، التي بقيت مفاعيلها مستمرة لما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، في التسعينات، تبعه استكمال للمفاوضات وإنشاء المنظمة.

إذاً، من بعد تسعينيات القرن الماضي، لم نشهد شيء اسمه “الأيديولوجيات” بل “النظام اليبرالي”، وهو نوع من الحركة التي تعنى بإقامة نظام الاقتصاد الدولي الجديد. في هذه المرحلة، حاولت الولايات المتحدة أن تستبق أي مطالب أو مواقف من الدول الناشئة التي تريد أن تبرز من بعد أن تسكن وتهدأ الأمور. لذلك، تقدمت واشنطن بطرح متقدم جداً، في ذاك الوقت ونحن نقول إنها خطت للأمام بشكل كبير، لتسبق أية مطالب وطرحت ما يسمى بـ “الليبرالية الجديدة” والذي يقصد فيها فتح الأسواق وهو ما كنا نناضل من أجله، في الثمانينات، وعلى رأسه إلغاء الحواجز الجمركية وإعطاءنا حق الوصول إلى الأسواق، لا سيما أسواق الدول الكبرى.

لقد فضلت الدول الغربية، وتحديداً الولايات المتحدة، أن تكون كل الأسواق تحت سيطرتهم بل وأكثر من ذلك جعلها أسواقاً مفتوحة بحيث تستطيع أي شركة غربية الدخول إلى أي بلد حيث تتعامل على أنها شركة وطنية داخلية.هنا ألفت النظر أنه وخلال وجودي في الأمم المتحدة ضمن جولات المفاوضات تلك، مع الإشارة إلى أن الدول النامية لم تقبل بهذا الأمر، سعت الشركات متعددة الجنسية إلى “هضم” الأسواق كلها لأن شركات الدول النامية ليست قادرة على المنافسة التجارية والاقتصادية والتكنولوجية مع الشركات الغربية الكبرى.

بلد واحد في العالم قبل الفكرة وسار مع هذا الطرح وهو الأرجنتين، بقيادة الرئيس السوري الأصل كارلوس منعم. حينها، بدت الأرجنتين على أنها دولة غنية خلال السنوات الأولى حيث كانت تقارير البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية تتحدث عن ذلك، لكن الحقيقة كانت أن الأرجنتين بدأت تبيع الأصول التي تملكها في السوق من كهرباء إلى ماء وغاز وكل شيء لديها وضعته لشركات القطاع الخاص التي لم تبقي على الأموال المستثمرة داخل البلاد بل حولتها إلى البنوك الخارجية حين تأخذ بالعملة المحلية وتحولها إلى الدولار في الخارج. بعد فترة، كانت الأرجنتين أول من دفع الثمن، فحين وجودي فيها عام 2001 وقعت المصيبة عليها حيث لم تستطع سداد ديونها، وأصبح لديها نقص في سيولة الدولار، وكلنا يتذكر “حركة الطناجر” في حينها حتى وصلنا الى العام 2002، إذ أعلنت الأرجنتين عدم قدرتها على السداد.

بعد سقوط الأرجنتين، لم يعد لدى الولايات المتحدة خيار، فالليبرالية الجديدة سقطت ولن تستطيع توريدها إلى الدول الأخرى أبداً. هنا، بقي الوضع في حالة من الضبابية حتى العام 2008 عندما حصلت الأزمة المالية العالمية، وهنا اضطرت الولايات المتحدة أن تعترف بأن لها شركاء في السوق، وانتقلت من المجموعة 7+1 إلى المجموعة 20 حيث أدخلت عدداً من الدول ثلاثة منهم من القارة اللاتينية وهم البرازيل والمكسيك والأرجنتين.

بناء على ما سبق وبغض النظر عن كل شيء لمرحلة التسعينات، بدأت أمريكا اللاتينية بلعب دور بناء فيما يسمى بـ “النظام الاقتصادي الدولي الجديد” وعنوانه الرئيسي “العولمة” التي تقع أولى ميزاتها في تكوين علاقات جيدة مع كل المجتمع الدولي، والانفتاح على كل الدول بحيث لم يعد هناك إمكانية الانغلاق على نفسك دولياً أو إقليمياً. وفي الواقع، سعت الدول لفتح علاقات واسعة تتوسع بها وهنا نستذكر، العام 2005بالتحديد، زيارة الرئيس البرازيلي لولا دي سيلفا عندما زار لبنان، وقام بجولة على الدول العربية، وإعلانه من على درج قصر بعبدا عن مشروعه لإقامة قمة دورية كل عامين مع الدول العربية، فمنذ ذاك الوقت أصبحنا نرى بداية انفتاح بين القارة اللاتينية وبين الدول العربية.

في المقابل، كان هذا الانفتاح خجولاً.لكن الأهم أنه وضمن دول القارة اللاتينية نفسها، كان هناك نوع من التجمعات ضمنها ذات أبعاد سياسية حيثطغت على توجهاتها الاقتصادية. ومن بعد هذه المرحلة، بدأنا نرى اختلاط ضمن القارة يأخذ دور تجميع القوى بطابع اقتصادي برز بصورة أحلاف، كـ “الميركوسور” بجنوب أميركا الجنوبية وتحالف “الباسيفيك”الذي جمع بين أمريكا الشمالية ودول أمريكا الجنوبية.هذان الحلفان توسعا باتجاه دول خارج المنطقة بالتحديد في آسيا، وبالتحديد بآسيا لأنها تشكل قوة اقتصادية ونهضة أساسية، لا سيما بعد تمدد الدور الصيني في أفريقيا، ثم الزحف نحو أمريكا اللاتينية. هنا، نستذكر زيارة الرئيس الصيني إلى الأرجنتين حيث أعطاها ملبغ 20 مليار دولار، لمدة عشر سنوات، خصوصاً وأن الأرجنتين كانت تمر بأزمة كبيرة، حيث ساهم ذلك المبلغ في نهضة الاقتصاد الأرجنتيني. لكن هذا الزحف أقلق الولايات المتحدة كثيراً وأجبرها على إعادة النظر في سياستها تجاه “حديقتها الخلفية”، بعدما كانت تعتبرها “في الجيب”، لأنه لم يعد بمقدورها تجاهل الحقيقة القائمة على تطور هذه المنطقة.

إلى ذلك، شاهدنا تحول بعض الدول اللاتينية إلى الأنظمة اليسارية التي تطورت، الأمر الذي زاد من قلق واشنطن وجعلها تراجع سياستها الاقتصادية الإقليمية والدولية قبل أن تقرر العودة وبقوة إلى القارة اللاتينية من جديد. ولعل أبرز تدبير أخذته الولايات المتحدة في مواقفها كان الاتجاه الى إقامة مفهوم جديد لنظامها الاقتصادي أي “العولمة”، في خطوة منها لمواجهة الصين من خلال دول أمريكا اللاتينية، وتحديداًعبر المكسيك.

تحاول الولايات المتحدة بناء ما يسمى بـ “الصين الجديدة” في المكسيك، فابتداءاً من العام 2001، بدأنا نشهد تغيراً كبيراً في العلاقات الثنائية عبر اتفاقية “نافتا” التي جمعتهما مع كندا. لكن التغيير الحقيقي حصل في العام 2013 وما بعد عندما استطاعت المكسيك أن تأخذ إجراءات وإصلاحات في هيكليتها الاقتصادية من خلال تجاوبها مع المتطلبات التي تخولها بأن تصبح “العملاق الجديد” في أمريكا اللاتينية. لقد خطت المكسيك خطوات جبارة، فبأقل من عام ونصف رأينا حركة تحول وازدهار مشهودة، وتمدداً للصناعات الأمريكية والغربية، وخاصة اليابانية والكورية الجنوبية، وهو ما لم يكن موجداً قبل 50 عاماً.

إن ما زاد في القلق الامريكي واقعياً هو وجود بعض الدول الناهضة، التي أصبحت ضمن المجموعة عشرين لا حقاً،التي بدأت تطالب بتغيير النظام المالي الدولي والمؤسسات النقدية الدولية، والسبب الرئيسي هو أن يصبح لها دور في إمكانية مشاركة الولايات المتحدة بقيادة المجتمع الدولي، والأهم من كل ذلك أن يكون هناك إمكانية على خلق أسواق مالية ونقدية لها. كما نعلم، أن إتفاقية “ماستريخت”، التي صنعت اليورو، تمت حقيقة باتفاق مع الولايات المتحدة وشكل المارك الألماني العمود الفقري الأساسي له.

في المقابل، بدأت بعض الدول تحضر لشيء مشابه، مثل الصين وروسيا والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل، بالنسبة لفتح أسواق نقدية. في العام 2002، بدأت البرازيل بأخذ عدد من المواقف، الاقتصادية والسياسية على المستوى الإقليمي، التي أزعجت الولايات المتحدة كونها أصبحت تتصرف كـ “عملاق”، وتسعى إلى الإمساك بأمريكا الجنوبية، حيث اهتمت كثيراً بإنشاء منظمة “الميركاسور” التي جمعت كبرى دول أمريكا الجنوبية بالإضافة لدول مثل الأرجنتين وتشيلي.

بداية، حضيت تشيلي وكل من البارغواي والأورغواي بصفة مراقب، حيث انضمت لهم فنزويلا لاحقاً. لقد كان السعي البرازيلي الأساسي يتمحور في إنشاء نوع من النقد الخاص، في هذه المجموعة، يسهل بعدها التحرر من قبضة الدولار، إلا أن هذا المشروع كان صعباً وفيه تحدٍّ سياسي أكثر منه اقتصادي بالنسبة للولايات المتحدة، وهو ما يبرر المشاكل القائمة مع البرازيل.

بالنسبة لروسيا، حدث الأمر نفسه، إذ أرادت أن يكون الروبل أيضاً أساس السوق النقدي، لا سيما في منطقة القوقاز ومنطقة آسيا الوسطى، والشيء نفسه بالنسبة لعملات الصين والهند وجنوب أفريقيا، لكن الصين كانت الدولة الوحيدة التي استطاعت أن تأخذ موافقة صندوق النقد الدولي بأن يصبح “اليوان” الصيني عملة سداد مقبولة، كما وأنه من المحتمل أن يكون مستقبلاً أساسيا للسوق المالي في منطقة آسيا، وهو ما لا يمكن تأكيده، فحتى اليوم هناك اتفاقات للتعامل المباشر النقدي بالعملة المحلية لكن بطريقة ثنائية ثنائية لا تغني عن الالتزام بموجب التسعير على أساس الدولار والتعامل على أساسه.

ولكي تستطيع أمريكا اللاتينية الدخول في العولمة أكثر، بعد أن شاركت بمنظمة التجارة العالمية وقامت بالإصلاحات الهيكلية المطلوبة، قامت بخطوة أساسية، في العام 2001، وهي “ميثاق الديموقراطية” ومفاده عدم السماح لما يسمى بالأنظمة الشمولية، المرتكزة على نظام حكم الشخص، بالقيام بل هناك انتخابات وتبادل للسلطة. في هذا الخصوص، حدثت عدة انقلابات في اثنين أو ثلاثة من دول أمريكا اللاتينية إذ قامت الدول بمحاصرتها، لا سيما اقتصادياً، وطردها من المجموعة الى أن أسقطوها.

من هنا، نحن نقول إن أهم عوامل ومؤشرات العولمة الأساسية اليوم هي ممارسة النظام الديموقراطي، والانفتاح الاقتصادي التجاري، والالتزام بسوق نقدي معين. إن النظام التجاري مفتوح لكل الناس لكن نحن في لبنان لسنا أعضاءً فيه ولسنا موجودين ومن الصعب أساسا الوجود فيه، لكن هو جزء أساسي لأن يكون من يريد شريك في العولمة.

هذا النظام يفتح الباب لقيام اتفاقيات التجارة الحرة، فالمكسيك على سبيل المثال لديها أكثر من 50 اتفاقية تجارة حرة مع 52 بلد في العالم، وزادت شاركتها مع المجموعات شبه الإقليمية بشكل كبير جداً وآخرها كان مع دول عبر الباسيفيك، التي خرج منها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقب تبوئه لسدة الرئاسة، والتي كانت تعطي الدور لأمريكا اللاتينية بأن تصيح شريكاً عملياً وفاعلاً بحركة التطور على مستوى العالم.

إن علاقة الدول العربية مع أمريكا اللاتينية غلب عليها الطابع السياسي على الاقتصادي، إذ لم يكن هناك علاقات اقتصادية بتاتاً، وحتى العلاقات السياسية كانت في معظمها من خلال الأمم المتحدة، إذ لم تكن علاقات مباشرة. نعم، هناك علاقات ديبلوماسية لكن لا يوجد علاقات قوية كتبادل الزيارات ونشاطات ومؤتمرات. لجهة لبنان، قام رئيسي جمهورية فقط بزيارة إلى القارة اللاتينية وهم الرئيس كميل شمعون، العام 1954، والرئيس ميشيل سليمان، العام 2012.

لقد حرك الرئيس البرازيلي لولا العلاقات مع العالم العربي بصورة أساسية مع الانتباه إلى أنه حرك العلاقة مع أمريكا الجنوبية، ورفض أن يحركها مع أمريكا اللاتينية بسبب مشاكله مع المكسيك فهو يعرف تماماً بأن النقيض الأساسي له في أمريكا اللاتينية هي المكسيك لأن 85% من الاقتصاد المكسيكي تسيطر عليه الولايات المتحدة وكان خائفاً من دور المكسيك، المنافس الأساسي له، في أمريكا اللاتينية.

فعندما دخل الرئيس لولا في العلاقات مع الدول العربية، العام 2005، كانت من باب التبادل التجاري، حيث بلغ حجم التبادل بين البرازيل والدول العربية 3 مليار دولار في العام الواحد، وبنفس العام زاد حجم التبادل ليصل إلى 7 مليار دولار، والأرجنتين، أيضاً، كان لديها تبادلاً بحوالي أكثر من مليار بقليل، زاد إلى 6 مليار في السنة الأولى.

لقد أثبت العلاقة بين الدول اللاتيينة والدول العربية بأنها فعلاً علاقة منتجة ومفيدة، وبدأنا نرى رغبة أكبر من دول أمريكا اللاتينية بالانفتاح نحو العالم العربي، إذ لم يكن لدى الأخير تجربة من قبل بسبب قصر الطموح ناهيك عن بعد المسافة، إضافة إلى أن معظم الشركات كانت من الحجم الوسط والصغير وهي لا تملك الإمكانات للانفتاح بشكل واسع باتجاه أمريكا اللاتينية، والأمر ذاته في المقابل.

بالنظر إلى البلدان العربية، يمكن القول أن لبنان يستطيع لعب هذا الدور المشترك وفي الاتجاهين كونه يمتلك حضوراً إنسانياً فاعلاً وقوياً وناشطاً جداً في القارة اللاتينية ضمن كل القطاعات، حيث هناك ما لا يقل عن 13 مليون شخص من أصل لبناني، إضافة الى أن حوالي 10% من الناتج القومي المحلي، في المكسيك تحديداً، هو بيد 600 ألف شخص من أصل لبناني ومن بينهم كارلوس غصن الذي يعتبر من أغنى أغنياء العالم. إن لدى اللبنانيين كل الإمكانية بتحريك هذه العلاقات ولكن للأسف لم نستفد منها بعد كما يجب.

بالمناسبة، تضم هذه الدول عدداًمن الأجيال اللبنانية، فالجيلين الأول والثاني اهتما في تفعيل العلاقات من خلال انشاء السفارات، سواء في الأرجنتين أو المكسيك، بينما غاب الجيلين الثالث والرابع عن لبنان فهما لا يعرفان منها سوى “الكبة والحمص” وبعض الأغاني ويقتصر تفاعلهما على الناحية الاجتماعية من دون وجود لأي نشاط سياسي أو اقتصادي أو ثقافي هادف.

لكن هذا لا يعني أننا غير قادرين على الاستفادة من هذه المجموعة، فأنا اعتقد بأن الديبلوماسية اللبنانية من الممكن جداً أن تستفيد من الاغتراب بالبعد الوطني لا الطائفي، حيث يمكن أن يكون هناك الاستفادة متبادلة بينهم وبين الوطن الأم، لا سيما وأنني اعتبر أن الجالية في أمريكا اللاتينية قادرة وقوة حقيقة وتشكل جسراً للتواصل.

لقد اختارت المكسيك الأردن كي يكون مدخلها للدول العربية، حيث وقعت في العام 2014 اتفاقاً للتجارة الحرة معه كما أعلن الرئيس المسكيكي، إنريكه بينيا نييتو. للعلم، لم يكن لدى الأردن سفارة في المكسيك، بينما سفارة لبنان فعمرها 70 عاماً،لكن على ما يبدو أن هناك أسباباً، سياسية وغير سياسية، دعت المكسيك لاختيار الأردن.

يبلغ الناتج المحلي لأمريكا اللاتينية حوالي 6 ترليون من حجم الاقتصاد العالمي، فهي تمتلك ثراءً كبيراً في الإنسان والطبيعة والثروات المعدنية والثروة البحرية، وهي المدماك الأساسي إذا أردنا أن نحقق العولمة، لأن آسيا لوحدها لن تستطيع أن تسير بمفهوم “العولمة” وحدها، وحتى الصين ومشروع “طريق الحرير” وصولاً إلى أفريقيا لن يحقق صفته العالمية في النهضة الاقتصادية من دون أمريكا اللاتينية.

في المقابل، أنه من غير الممكن لأمريكا اللاتينية أن تندمج بحركة “العولمة”من دون فتح أبوابها باتجاه دول الأخرى، لا سيما وأن لديها علاقات قوية مع دول آسيا والباسيفيك لكن في ذات الوقت تمتلك علاقات ضعيفة مع أفريقيا. هنا أريد أن أشير بأنه تم الطلب منا للمساعدة في هذا الخصوص.

نحن نرى بأن “العولمة” لا تزال في مراحل لم تحقق فيها الاستقرار بعد، إذ لا تزال في بداياتها وتصعد خطوة بخطوة ولدينا الآن الفرصة الأساسية والمواتية لنستفيد فعلاً وأن نتحرك باتجاه هذه القارة الضخمة. بفضل التكنولوجيا، نستطيع اليوم عقد مؤتمر بيننا وبين أمريكا اللاتينية بواسطة الأقمار الصناعية، لا سيما وأننا في عصر التكنولوجيا.

أيضاً، لقد كان طرحي الأساسي إقامة شركات مختلطة لأنها ستكون باباً للنجاح المشترك كي تكون على طريقة الشركات المتعددة الجنسية من خلال بناء صناعات بمواقع ثابتة في مناطقنا المتبادلة، فنحن سنستفيد من أسواقهم المحلية وهم يستفيدون من خلال أسواقنا المحلية والإقليمية. أيضاً، سعينا كثيراً لإبرام اتفاق بين لبنان والمكسيك على خط بحري تستطيع الأخيرة استعمال المناطق الحرة في مرفئ بيروت لتجارة الترانزيت، فبالنظر إلى الإتفاق بين المكسيك مع الأردن يمكن أن نرى المسافة بين مرفأ الأردن وعمان أبعد بكثير من المسافة بين بيروت وعمان. عن تجارة الترانزيت من بيروت إلى دول الخليج، فهي تعتبر مغرية حقيقة لأمريكا اللاتينية، ولقد كان هذا الموضوع من أحد الأمور التي كنا نسعى لإقناع الشركات المكسيكية فيها وليكون لها مقر في العاصمة. أيضاً، عملنا على إنشاء مصرف مشترك، وأبرمنا اتفاقاً، بمباركة من حاكم المصرف المركزي اللبناني الدكتور رياض سلامة الذي كان متجاوباً جداً. وبعد لقائي به، كان لدي مشروع اتفاق بين المصرف المركزي اللبناني وبين المصرف المركزي المكسيكي على أمل أن هذا الاتفاق يفتح المجال أمام المصارف التجارية بأن يكون لها قواعد أو مراكز في المكسيك.ولكن للأسف، حضر وزير الخارجية المكسيكي إلى لبنان في زيارة لكن تلك الأمور لم تبحث معه.

في العام 2008، استقبلت الأرجنتين وفداً من بنك “ميد” على مدة أسبوع، وكان من المتوقع أن تنتهي الزيارة بتوقيع اتفاق ولكن للأسف بعد ذهابهم بأسبوعين وقعت الأزمة المالية الدولية، ومع ذلك فهم مازالوا يطالبون بإنشاء مصرف لبناني خصوصاً وأن اللبنانيين يمتلكون المؤهلات والكفاءات في هذا المجال.

إضافة إلى كل ما سبق، من يزورالقارة اللاتينية يرى مدى التقارب الثقافي والإنساني مع مواطنيها، خصوصاً كبيئة لبنانية حيث نستطيع أن نكون جسر عبور الى الدول العربية والإفريقية خصوصاً وأنهم يكنون محبة كبيرة للشعب اللبناني بالرغم من كل محاولات الولايات المتحدة لتشويه صورة لبنان، طبعاً بسبب الخلاف مع حزب الله، وكلنا يتذكر التفجيرات في الأرجنتين العام 1993، مع وجود جهود مشتركة، أمريكية وإسرائيلية، للتوجه إلى مجلس الأمن واتخاذ قرار يضع حزب الله على لوائح الإرهاب. لقد عملت لمدة أربع سنوات على هذا الموضوع حتى استطعنا إقناع الحكومة الأرجنتينية بأن لا تجعل لبنان ضحية، إذ تم سحب الاتهام، فعادوا واتهموا إيران وقامت القيامة من المخابرات الأرجنتينية والمخابرات الأمريكية.

إضافة الى ذلك، هناك مشكلة المثلث الحدودي بين الأرجنتين والبارغواي والبرازيل، حيث يعاني اللبنانيون الكثير والتهمة جاهزة: التعامل مع حزب الله. هذا كله يقع في خانة إرادة الولايات المتحدة للتدخل في المنطقة، فالبرازيل كانت من الدول التي تتخوف دائماً من أن تتخذ الولايات المتحدة هذا الأمر”حجة” لتقوم بإنزال عسكري في مناطق الأمازون بحجة محاربة الإرهاب.

لقد دفعت القارة اللاتينية ثمناً كبيراً في صراع الأيديولوجيات، إضافة إلى ما كنا نسمع به من أنها قارة مليئة بأنظمة دكتاتوية تحكم الشعوب بالتعذيب، وانتشار تجار المخدرات. وبكل بساطة وصراحة وصدق أقول إن من صنع تلك الدكتاتورية العسكرية ومن جلب المخدرات وتجارتها هو من صنع الإرهاب في منطقتنا واسمه “المخابرات الأمريكية”. حقيقة، لقد استغلوا هذا الموضوع كثيراً وكلنا سمعنا عن موضوع تمويل ثوار “الكونترا” في نيكاراغوا. وبالواقع، إن معظم تجار المخدرات كانوا تحت غطاء المخابرات الأمريكية لتمويل حركات عسكرية بهدفها محاربة الأحزاب اليسارية وحكوماتها.

في الحقيقة، لقد دفعنا ثمناً كبيراً هم ونحن خصوصاً وأن أمريكا اللاتينية لديها ثقل كبير في الأمم المتحدة وحجم كبير في التصويت فيها، وهنا يجب أن نذكر بأن صوتاً واحداً من هذه القارة هو من أوجد “إسرائيل” في العام 1947. شخصياً، أعتقد أن “إسرائيل” حقيقة لديها “إسرائيل ثانية” جاهزة، عندما تفقد استمراريتها السياسية في منطقتنا، في منطقة الباتاغونيا في الأرجنتين التي تعتبر أغنى منطقة بالمياه العذبة فلا يوجد فندق فيها لم تضع “إسرائيل” يدها عليه، ولا يأتي إنسان إلى تلك المنطقة إلا ويعرفون كل شيء عنه. هذه المعلومة أخذتها من أحد حكام الولايات هناك، فهم يعلمون تماماً أن عين “إسرائيل” على هذه المنطقة، كما أن لديهم قناعة أنه بنهاية المطاف “إسرائيل” ستزول ولكن متى لا أحد يعلم.

وفي النهاية يجب أن يكون لدينا انفتاح أكبر بإتجاه أمريكا اللاتينية وأشعر أننا في لبنان وللأسف لم نعطِ أمريكا اللاتينية الاهتمام اللازم بإعتبار أن لدينا رقم كبير من الجالية فيها ونأمل أن تتغير هذه الصورة.

الدكتور علوان أمين الدين

شكراً لك سعادة السفير على تلبية هذه الدعوة وعلى هذه المحاضرة المختصرة جداً والقيمة جداً. هنا أود أن أشير الى أنني حين التقيت بالصحافي الفرنسي تييري ميسان وفي حديث عن مسألة تفجير السفارة الإسرائيلية في الأرجنتين عام 1993، أشار لي بأنه لم يتم كشف أي دليل على تورط لبنان أو حزب الله، تحديداً، في هذا الأمر خصوصاً بعدما تم أخذ عينات للحمض النووي من موقع التفجير.

السفير الدكتور هشام حمدان

رغم أنني علماني ولا أؤيد توجهات حزب الله على المستوى الشخصي لتوجهاته الطائفية، لكن بموضوع تفجير السفارة هذا ظلم ويقع ضمن الاتهامات السياسية. هنا سأذكر واقعة حصلت معي شخصياً. في إحدى المرات، دعوت وزير الداخلية الأرجنتيني، الذي حصلت الجريمة في عهده وهو بالمناسبة يهودي، إضافة إلى عدد من الشخصيات وبالفعل فتح لي الباب للحديث إلى الصحافة. وخلال وجودي في البارغواي للحديث عن المثلث الحدودي، ضمن جولة مع قناة “ال.بي.سي” اللبنانية، تصفحت إحدى الصحف ورأيت صورة أحد المتهمين بالإرهاب وقد كان الشخص ذاته الجالس بجواري وهو مواطن لبناني وأعرفه جيداً. مباشرة، اتصلت برئيس التحرير وسألته عن مصدر معلوماته بالنسبة لهذا الشخص وأقمت مؤتمراً صحافياً لأجل هذه الغاية. كذلك، تحدثت مع السفير الأمريكي، في البارغواي حينها وهو نفس السفير الذي كان قبلاً في قبرص والذي مثل واشنطن في الاجتماع بعد التفاهم في نيسان عام 1996، عن معاناة الناس بسبب ذلك.

حالياً، أنا بصدد تحضير كتاب حول هذا الموضوع ولدي وثائق، فأحد المحامين من عائلة لبكي تولى القضية وللأمانة كان شجاعاً حيث أشار إلى أن الموضوع هو محض سياسي كون حقيقة التفجير تكمن في وجود وجود صاروخ داخل السفارة. هنا أود أن أشير إلى أن الرئيسية الأرجنتينية، الدكتورة كريستينا كيرنشر، كانت قوية جداً في هذا الموضوع واتخذت مواقف مهمة جداً من على منبر الأمم المتحدة وقالت بوضوح أنها إذا قتلت فستتهم المخابرات الأمريكية بقتلها أمام كل المجتمع الدولي. كما أنها قالت لي شخصياً، في العام 2007 وكنت حينها عميد السلك العربي، “سعادة السفير كانوا يستطيعون الكذب علينا لكن الآن لم يعد باستطاعتهم ذلك. الآن أصبح بمقدورنا معرفة الحقائق.”

للعلم، لقد قاتل وزير الخارجية الأجنتيني، في فترة حكم الرئيس خوان بيرون، لحوالي 7 سنوات مع منظمة التحرير الفلسطينية، فلقد كان الرئيس جمال عبد الناصر شخصية كبيرة ومقدرة لديهم على الرغم أنه ومن المفترض أن تكون الأرجنتين هي “الولايات المتحدة الثانية” بالنسبة لـ “الأنغلو-ساكسون”، وأنتم تعرفون جيداً أن بريطانيا لا تزال تحتل جزر أرجنتينية محتلة يسمونها “الفوكلاند” بينما الاسم الحقيقي لها هو “مالفيناس”. هذه الجزر هي بمثابة “مسمار جحا” كونهم سعوا إلى تحويل الأرجنتين إلى ولايات متحدة ثانية، لكن نسبة المهاجرين إليها لا تتجاوز الـ 1% من السكان الأرجنتين، وبالتالي فشلوا كون الكنيسة الرومانية الكاثوليكية لم تقبل بأي دور للكنيسة الأنغلكانية يخدم الولايات المتحدة. هذا هو السبب الوحيد الذي جعل أمريكا اللاتينية خارج منظومة “الأنغلو-ساكسون”.

هناك الكثير من الأشياء المشتركة بيننا كالأفكار السياسية والنضالية والتحررية، فما يجمعنا بهم حقيقة الكثير من الأمور من الثقافة إلى المصالح.

الصحافي كمال ذبيان

كيف استفادت إيران من الأرجنتين؟ والدول اللاتينية بشكل عام.

السفير الدكتور هشام حمدان

إيران استفادت جداً من الرئيسة كيرشنر. إن الأنظمة اليسارية بأمريكا اللاتينية، ابتداء من الرئيس البرازيلي لولا العام 2002 ووصول قيادات من السكان الأصليين إلى الحكم كالرئيس البوليفي ايفو موراليس، ساعدت كثيراً في التوجه للنظام اليساري.الموضوع نفسه في المكسيك التي يشكل السكان الأصليين فيها ما نسبته 57% مقارنة مع 3% من البيض، والأرجنتين لا توجد فيها أكثرية من البيض فباب الهجرة فتح العام 1920 تقريباً خاصة لشمال أوروبا من “الأنغلو-ساكسون”والشرق حيث كانت مقصداً بسبب قوة عملتها البيزوس وثرواتها، حيث يوجد فيها ما لا يقل عن 3 مليون من أصل سوري ولبناني ولديهم إمكانيات هائلة في كل الولايات لكنهم ليسوا منظمين مع الأسف بسبب خلافات تغذيها الأحزاب المحلية في الوطن الأم. في العام 2014، طالبت بوضع خطة وطنية للتواصل معهم كونهم يمثلون ثروة وطنية.

الأستاذة هيام رومية

هل من مصلحة لبنان أن يثق بأمريكا؟ وهل تعتقد بأن علاقات أمريكا مع الدول العربية هي علاقات فاعلة لتحرير الشعوب أم أنها تسعى لإنحدارها والسيطرة عليها تحت عنوان تعاون اقتصادي مالي أو مادي؟ في الإحصاءات التي وردت عن أمريكا، هي أولا تعاني من ضعف في الاقتصاد وهناك أزمة مالية، وثانياً لديها أكثر نسبة من حيث الجرائم والمخدرات، وثالثاً تعتمد في أغلب مكاسبها على شن الحروب وإشعال فتيل الأزمات، ورابعاً تعمل مخابراتها على زعزعة الأمن والاستقرارفي الدول العربية. إلى متى ستبقى حماقة الحكام العرب سبباً في تدفيع الشعب؟ وبرأيك من سيحرر فلسطين المقاومة أم السياسيين؟

السفير الدكتور هشام حمدان

بداية سألفت النظر إلى أنني تحدثت عن أمريكا اللاتينية وليس عن الولايات المتحدة أو القارة الأمريكية ككل، فالأولى تمتلك حضارة وتاريخاً ضارباً لمئات السنوات، أما الولايات المتحدة فنشأت منذ 300 عاماً وهي نتيجة لـ “الأنغلو-ساكسون” المكون من بريطانيا والدول الإسكندنافية أو دول البيض بالأحرى. نحن نخطئ كثيراً كوننا لا نميز بين نظام الحكم الولايات المتحدة وبين الرأي العام، فالشعب الامريكي جاهل ومغرر به وإذا عرف الحقائق سيغير مواقفه. على سبيل المثال، خلال فترة ثورة الحجارة عام 1987 تم نقل صورة لجندي إسرائيلي يكسر يد طفل فلسطيني بالحجر. هذا المشهد، قلب الرأي العام في أمريكا مما دفع “إسرائيل” بمنع دخول الإعلاميين إلى مواقع الاشتباك.

أما الحكام العرب فقد دفعوا الملايين التي يدفعوها للبقاء على كراسيهم، بينما لو استطاعوا الإستفادة من هذه الأموال في إنشاء مراكز أبحاث ولوبيات للصداقة بين العالم العربي وأمريكا لتغير الوضع كثيراً، على غرار ما تقوم به “إسرائيل”هناك حيث تستفيد من هذا الغياب وتوظفه لصالحها.

أما بالنسبة لموضوع تحرير فلسطين، فإنني اعتبر المقاومة أجمل عمل وأشرف خيار ممكن أن يأخذه الإنسان في حياته، إنما للمقاومة تعريف في القانون الدولي ومن الخطأ أن يكون للمقاومة بُعد سياسي. فحين يتحقق هذا البعد تفشل المقاومة طالما هي فاقدة لأي غطاء قانوني. نحن نريد الوصول إلى العالم وندافع عن قضيتنا ونعود لفلسطين، وحتى نستطيع الدفاع يجب أن نعمل مع العالم بالحقل الحضاري خصوصاً مع وجود قواعد للعلاقات الدولية تبلورت ضمن ميثاق الأمم المتحدة العام 1945، وعلينا استغلال تلك القواعد.

هنا أود الإشارة إلى مسألة مهمة. عام 1995 من بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، كانت الولايات المتحدة أول من حاول وضع مفهوم جديد لميثاق الأمم المتحدة، الذي نشأ بعد انتهاء الحرب العالمية في محاولة لتشكيل هيئة حكومية متعددة تدير سياسة العالم وتشرف عليهاالجهة المنتصرة في الحرب وهو ما حصل أيضاً بعد الحرب العالمية الأولى بإنشاء “عصبة الأمم” مع أنها كانت من اقتراح الرئيس الأمريكي ويلسن والغريب أنها بقيت خارجها لأن بريطانيا لم تردها فيها حتى تبقى قوة استعمارية كما فعلت من خلال اتفاقية “سايكس-بيكو” وقسمت منطقتنا. بعد الحرب العالمية “الثالثة” أي العام 1990، لم يكن هناك استطاعة لخلق هيئة كالأمم المتحدة لعدم وجود بديل أفضل، فكانت محاولة واشنطن لتعريف ميثاق الأمم المتحدة، العام 1995، حيث أخذ الموضوع ضجة كبيرة ووقفنا، بشكل خاص وبصفتي حينها ممثل لبنان ومع سبع دول لا أكثر، موقفاً عنيداًحيث كان لدينا حق “الفيتو”، وأصرينا على استعادة حق الشعوب في مقاومة الاحتلال وبتقرير المصير ومقاومة الاحتلال بكافة الوسائل والسبل.

العميد نبيل نصر

ألم يكن تفاهم نيسان العام 1996 غطاء شرعياً دولياً بحق المقاومة ونحن استبدلناه بالقرار 1701؟

السفير الدكتور هشام حمدان

القرار 1701 أتى ضمن ظروف مختلفة، أما تفاهم نيسان فقد أتى توقيته بوجود احتلال إسرائيلي للأرضي اللبنانية إذ حاولت “إسرائيل”، كل ما استطاعت من قوة، ضرب المقاومة متذرعة بالإرهاب، في حين أن الولايات المتحدة نفسها، في العام 2000، تحاشت اتهام حزب الله بالإرهاب بينما اتهمته بعض الدول العربية بذلك وأبرزها الجزائر التي كانت تحارب الجماعات الإسلامية حينها، أوائل تسعينيات القرن الماضي، وذلك خلال وجودي كممثل ومفاوض للبنان في اتفاقيات الإرهاب وإنشاء المحكمة الجنائية الدولية.ما قبل العام 2000، كان كل لبنان مع المقاومة وبعده اختلفت الصورة وأصبح هناك خلاف عربي – عربي بين سوريا والسعودية بعد الانسحاب الإسرائيلي.

الصحافي نبيل المقدم

تحدثت بإسهاب عن اللوبي اليهود ودور ما لمواجهته. هل هناك خطط منظمة ضمن أمريكا اللاتينية أو من قبيل ردود الفعل؟ وما مستقبل الصراع مع اليهود وتأثيراته هناك على الجاليتين اللبنانية والعربية؟

السفير الدكتور هشام حمدان

شكراً على السؤال. سأقدم لك نموذجان للإجابة على سؤالك؛ الأول، نموذج الأرجنتين. والثاني، نموذج المكسيك. في الأرجنتين هناك مشاكل بين اليهود والجالية العربية.إن السبب الأساسي يعود إلى وجود نشاطات لأحزاب ناشطة وفاعلة، فمؤسس الحزب القومي، أنطون سعادة، كان موجوداً في الأرجنتين ولا زال لغاية اليوم هناك حركة قومية مهمة. وأخيراً، دخلت إيران إليها بسبب وجود عدد من الطوائف الإسلامية، وخاصة من الطائفة الشيعية، إضافة إلى وجود “الحلم الكبير” لـ “إسرائيل”في منطقة “البتاغونيا”. إن الأرجنتين هي هدف أساسي لإسرائيل فـ “ثالث” عاصمة للوبي اليهودي في العالم، بعد تل أبيب ونيويورك، هي بيونيس آيريس.

أما في المكسيك، لا يوجد أي مشكلة بسبب غياب التدخلات السياسية بل نشاط اقتصادي عادي جداً. فاللبنانيون المكسيكيون يتعاملون مع اليهود كمكسيكيين بشكل عادي وليس من خلال إيديولوجيات معينة للتفكير بنفس المنطق الموجود لدينا هنا، بل أكثر من ذلك فهم لا يعرفون شيئاً عن لبنان.

بالعودة إلى الموضوع، يجب الإعتراف بأن لدينا غياباً عربياً كاملاً في تلك القارة، كما في الولايات المتحدة وكندا وغيرها، لا سيما مع غياب وسائل الإعلام العربية الأساسية. فالقنوات الموجودة هناك يديرها أناس مقيمين في تلك المنطقة وهم لا يعرفون شيئاً عن قضايانا وهو ما يعتبر مسألة في غاية الأهمية.

الدكتور علوان أمين الدين

شكراً سعادة السفير على حضورك وعلى المعلومات القيمة جداً التي أثرتها وكانت محل نقاش عميق ومفيد على أمل اللقاء في ندوات وحلقات نقاش أخرى. الشكر موصول لكل من شرفنا بحضوره أيضاَ.