إعداد: يارا انبيعة

أمر نادر ما يحصل في يوم واحد وحول موضوع واحد. ثلاث عمليات تصويت شهدتها قاعة مجلس الأمن، 11أبريل/ نيسان2018، اثنتان منها على مشروعي قرارين روسيين والثالث على مشروع قرار أميركي، إلا أن أياً من هذه النصوص الثلاثة لم ينجح في أن يتحول إلى قرار.

استخدمت روسيا، حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع قرار أميركي يقضي بإنشاء آلية تحقيق حول استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، بينما أفشلت واشنطن وحلفاؤها مشروعي قرارين بديلين طرحتهما موسكو، لتتعمق بذلك الإنقسامات بين أعضاء المجلس حول النزاع السوري وترتسم أكثر فأكثر معالم ضربة عسكرية غربية وشيكة لدمشق.

الفيتو “الثاني عشر”

جرت عملية التصويت الأولى على مشروع القرار الأميركي الذي نص على تشكيل آلية تحقيق مستقلة تابعة للأمم المتحدة للتحقيق في استخدام أسلحة كيميائية في سوريا، وأيدت مشروع القرار الأميركي 12 دولة وعارضته روسيا وبوليفيا بينما امتنعت الصين عن التصويت. ولاعتماد أي قرار في مجلس الأمن، لا بد أن يحوز على تسعة أصوات على الأقل بشرط ألا تستخدم أي من الدول الخمس دائمة العضوية، الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا، حق النقض ضده وهو ما فعلته روسيا حيث اسقطت المشروع الأميركي بـ “الضربة القاضية”.

وهذا الفيتو هو الثاني عشر الذي تستخدمه روسيا في مجلس الأمن بشأن الملف السوري منذ بدء النزاع في سوريا العام 2011.

امتعاض دولي

أعرب السفير الهولندي في الأمم المتحدة، كاريل فان اوستيروم، عن أسفه لأن تكون ستة من هذه الفيتوهات الـ 12 التي استخدمتها روسيا ضد مشاريع قرارات تتعلق باستخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، ليرد عليه نظيره الروسي بالقول “لقد استخدمنا الفيتو للدفاع عن القانون الدولي، وعدم الزج بمجلس الأمن في مغامرات.”

من جهتها، قالت المندوبة الأميركية في مجلس الأمن، نيكي هايلي “إن مشروع قرارنا كان يضمن استقلالية آلية التحقيق، في حين أن مشروع القرار الروسي الذي عرض لاحقاً على التصويت وسقط لعدم حصوله على الأكثرية اللازمة يقضي بانتقاء المحققين.”

أما المندوب الفرنسي، فرنسوا ديلاتر، فقال “إن فرنسا ستبذل كل ما هو ممكن لتجنب الإفلات من العقاب، على استخدام السلاح الكيمياوي في سوريا”، مضيفاً أن نظام دمشق “لم يتخل أبدا عن استخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعبه، وفرنسا لن توافق على أي آلية شكلية أو منقوصة واستقلاليتها غير مضمونة.”

إلى ذلك، شنت المندوبة البريطانية، كارين بيرس، هجوماً لاذعاً ضد روسيا بسبب استخدامها حق الفيتو لتقويض سلطات الأمم المتحدة، مضيفة “مصداقية روسيا مشكوك فيها الآن ولن نبقى مكتوفي الأيدي.”

وأعلن البيت الأبيض إلغاء ترامب، زيارته إلى أميركا اللاتينية للإشراف على الرد الأميركي على سوريا، قبل أن يتخذ وزير الدفاع قرارا مماثلا، حسب ما أوردت قناة “فوكس نيوز” الأميركية.

“كباش” متبادل

لاحقاً، طرحت روسيا على التصويت مشروع قرار ثانٍ بشأن سوريا يكتفي بدعم إجراء منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تحقيقاً في الهجوم الكيميائي المفترض على دوما، ولا ينص على تشكيل آلية تحقيق لكشف المسؤولين عنه. وتعليقاً على هذا التصويت، أكد المندوب الروسي، فاسيلي نيبينزيا، أن الجانب الأمريكي وحلفاءه لا يريدون أي تحقيق حقيقي في مزاعم كيميائي سوريا، مضيفاً “إحباط مشروع القرار الروسي يدل على أشياء كثيرة تثير قلقنا البالغ.”

واتهم نيبينزيا الولايات المتحدة، بما في ذلك وفدها في مجلس الأمن، بإجادة توجيه التهديدات للدول الأخرى، معتبراً أن التصرفات الأمريكية تضع العالم على وشك أحداث محزنة ومأساوية، وجدد المندوب الروسي دعوته للولايات المتحدة للتخلي عن مخططاتها الحالية حول سوريا. كما أعرب نيبينزيا عن استغرابه من معارضة عدد من الدول لهذه الوثيقة، لافتاً إلى أنها تضم نفس المبادئ التي شملها مشروع قرار تقدمت به السويد وحظي بدعم أعضاء المجلس خلال مناقشه. 

من جانبها، قالت المندوبة الأمريكية، نيكي هايلي، إن مشروع القرار، الذي تقدمت به روسيا حول إجراء التحقيق في دوما يمنح موسكو فرصة لاختيار المحققين الأمر الذي سيجعل آلية التحقيق غير مستقلة.

صعوبة آلية تشكيل اللجنة

قال المندوب الروسي إن محققي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية سيصلون إلى سوريا في نهاية الأسبوع، مؤكداً أنهم في حال لم يصلوا فهذا الأمر سيثبت وجود ألاعيب جيو – سياسية بائسة وخطط عسكرية عدوانية.

من جهتها، أوضحت بريطانيا أنها صوتت ضد مشروع القرار الروسي لأن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لا يمكنها تحديد المسؤولين عن شن الهجوم الكيميائي، وبالتالي فإن هذا الأمر يعني إفلات هؤلاء من العقاب، في حين قال دبلوماسي غربي، في الأمم المتحدة، “ليست هناك حاجة إلى قرار من مجلس الأمن الدولي لدعم مهمة في سوريا لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية”، متسائلاً “كم من الوقت ستستغرق المنظمة لإرسال فريق إلى سوريا؟ أي مجال للتحرك سيتاح لها على الأرض؟ كيف يمكن التأكد من أن موقع الهجوم لن يخضع لعملية تنظيف تخفي آثار المواد الكيميائية التي استخدمت؟”

وبحسب دبلوماسي غربي ثانٍ، فإن مشروع القرار الروسي الذي كشف النقاب عنه للمرة الأولى وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في وقت سابق، هو نص “متسرع ولم يخضع لمشاورات في مجلس الأمن”. ومع فشل الجهود الدبلوماسية في مجلس الأمن، ترتسم أكثر فأكثر معالم ضربة عسكرية هدد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب.

في هذا المجال تحديداً، يجب التذكير بأن الأمم المتحدة لم يعد لها هيئة تحقيق خاصة بالهجمات الكيميائية في سوريا منذ وقف عمل آلية التحقيق المشتركة نهاية 2017 التي لم تجدد ولايتها بسبب استخدام روسيا للفيتو مراراً، ولم تؤيد مشروع القرار الروسي هذا إلا خمس دول، في حين صوتت ضده أربع دول وامتنعت الدول الست الباقية عن التصويت. ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، ومقرها لاهاي، مكلفة حصراً بتأكيد أو نفي استخدام أسلحة كيميائية من دون أن يكون بمقدورها تحديد الجهة التي استخدمت هذه الأسلحة.

وكانت المنظمة أعلنت في وقت سابق، أنها سترسل خلال فترة قصيرة، فريق تحقيق إلى مدينة دوما السورية للتحقيق في الهجوم المفترض بالسلاح الكيميائي الذي أوقع عشرات القتلى وأدى إلى موجة من ردود الفعل المستهجنة في العالم، وكانت المنظمة تلقت دعوة رسمية من دمشق لزيارة دوما والقيام بالتحقيق اللازم.

لا “تجارب” أميركية في سوريا

أكد مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة، الدكتور بشار الجعفري، أن تهديدات الدول الغربية بالعدوان على سوريا ومناوراتها وتضليلها وكذبها وإرهابها لن يحيد بلاده عن الحفاظ على سيادتها ووحدة أراضيها وصد أي عدوان مهما كان مصدره وهي لن تسمح لأحد كبيراً كان أم صغيراً دائم العضوية أو غير دائم العضوية أن يكرر في سوريا ما فعلوه في العراق وليبيا.

وأضاف الجعفري، أن انتهاك نظام عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل هو اختصاص تفردت به هذه الدول الغربية فالولايات المتحدة الأمريكية استخدمت السلاح النووي في اليابان والبيولوجي والكيميائي في فيتنام واليورانيوم المنضب في العراق. وتابع، أن ما تشهده سوريا منذ سبع سنوات وحتى اليوم هو مثال صارخ على استمرار شهية تكرار الأكاذيب والتضليل والقصص الملفقة التي كانت مارستها الولايات المتحدة وبريطانيا في هذه القاعة لتدمير العراق واحتلاله تحت ذريعة كذبة كبرى هي أسلحة الدمار الشامل.

تأهب إسرائيلي

ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن جيش الاحتلال رفع مستوى التأهب تحسبا لرد إيراني على الغارة التي استهدفت مطار “التيفور” العسكري السوري لا سيما بعد إشارة دمشق وموسكو إلى وقوف إسرائيل خلف الهجوم الذي أسفر عن مقتل 14 شخصاً، من بينهم 7 عسكريين إيرانيين.

هذا التأهب العسكري، خاصة على الجبهة الشمالية، يأتي بينما تتوقع أوساط قيام الولايات المتحدة بشن ضربات ضد مواقع في سوريا. في هذا السياق، قالت القناة العاشرة الإسرائيلية إن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، كشف خلال اجتماع أمني أن واشنطن ستوجه ضربة عسكرية للنظام السوري رداً على الهجوم الكيماوي.

 أميركا تستعد

ذكرت صحيفتان أمريكيتان، أن مدمرة حربية أمريكية مجهزة بصواريخ تتجه نحو السواحل السورية. وقالت وول ستريت جورنال، إن هذا التحرك يأتي ضمن رد عسكري محتمل على مقتل 78 مدنياً، في هجوم كيميائي شنته الحكومة السورية على مدينة دوما الخاضعة لسيطرة المعارضة في منطقة الغوطة الشرقية بمحافظة ريف دمشق، ولم تحدد الصحيفة اسم السفينة ولا النقطة التي تحركت منها.

 في المقابل، نقلت صحيفة “واشنطن إكزامينر” نقلت عن مصدر عسكري في البحرية الأمريكية قوله إن عدداً من السفن المجهزة بصواريخ “توما هوك” تحركت من قبرص باتجاه شرق البحر الأبيض المتوسط، قاصدة السواحل السورية، وأضافت أن من بين تلك السفن السفينة الحربية “يو إس إس دونالد كوك” المجهزة بصواريخ موجهة.

السعودية مشاركة 

قال ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، إن المملكة العربية السعودية قد تشارك في ضربات للنظام السوري إذا لزم الأمر، وذلك بعد ساعات من تصريح وزير الخارجية، عادل الجبير، بأن المملكة تدرس رداً على الهجمات الكيمياوية في دوما بسوريا. وقال الوزير الجبير إن موقف السعودية واضح في وجوب محاسبة المسؤولين وتقديمهم للعدالة، وعندما سئل إن كانت السعودية ستشارك في أي رد عسكري أشار الجبير أن المناقشات جارية بشأن كيفية الرد.

 ومن جانبه، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن بلاده ستعلن “خلال الأيام المقبلة” ردها على الهجوم الكيمياوي المفترض في سوريا، وفي حال قررت شن ضربات عسكرية فستستهدف القدرات الكيمياوية للنظام من غير أن تطال حليفيه الروسي والإيراني.

مصدر الصور: روسيا اليوم – العالم.