ستيفن صهيوني*
تعلّمنا جميعاً عندما كُّنا صغاراً أنَ فلسطين هي القضية، والقدس بوصلتنا، ولكن اليوم على ما يبدو تغيرت البوصلة والاهتمام العربي، فقد تم تحويل البوصلة من القدس إلى دمشق والقضية تبدلت من تحرير فلسطين إلى “تحرير سوريا” كما يحاول الإعلام العربي المأجور بأموال بعض الأنظمة “الخليجية” أن يروج للعالم أجمع.
دمشق التي لطالما كانت الداعم الأكبر لكل فصائل المقاومة في كل العالم العربي من فلسطين إلى العراق وصولاً إلى لبنان واليمن، تواجه اليوم معركة وجودية، حرب يعتبرها الجميع من أشرس الحروب في تاريخ البشرية. فالعرب الذين كانت سوريا الداعم الأكبر لهم، وكانت تساندهم في أزماتهم جميعهم غدروا بها وشاركوا في الحرب عليها.
لن أدخل بتفاصيل الحرب على سوريا منذ اليوم الأول، وكيف بدأت وكيف تم إرسال السلاح والمال من قبل بعض الأنظمة العربية، والدعم اللوجستي من قبل أميركا والعدو الإسرائيلي. سوف أبدأ بما حصل منذ أيام في الغوطة الشرقية من دمشق:
“أعلن الجيش العربي السوري عملية تحرير الغوطة الشرقية من رجس المجموعات الإرهابية المسلحة المدعومة من الأنظمة الخليجية، وعندما وصل الجيش لنقطة بات يبسط بها سيطرته على 95% من مساحة الغوطة الشرقية، يخرج على الإعلام العربي والعالمي أنّ الجيش استخدم السلاح الكيميائي في دوما.”
نعم مسرحية الكيميائي تعود من جديد إلى العلن، والغريب في الأمر أن الجيش السوري لا يستخدم الكيميائي إلا عندما يكون منتصراً، وفي توقيت سيء جداً، واليوم هناك حملة شرسة يشنها العالم على سوريا. وأمريكا بقيادة “المعتوه”، دونالد ترامب، الذي يهدد بضرب سوريا رداً على استخدام سوريا للسلاح الكيميائي. الأمر لا يحتاج إلى خبير عسكري ولا محلل سياسيّ لا أحد في العالم يستخدم السلاح الكيميائي عندما يكون منتصراً، أو ماهي إلا ساعات فقط تفصله عن السيطرة على أكبر معقل للإرهاب في ريف دمشق.
السبب لهذه المسرحية -التي أخرجها الإعلام العالمي والغربي ونفذها تلامذة الاحتلال الإسرائيلي، والعدو الأميركي- أنهم تلقوا صفعة قوية من التقدم السريع للجيش السوري وليس من مصلحة أحد، لا واشنطن ولا كيان الاحتلال الإسرائيلي، أن يتم تأمين العاصمة دمشق فهذا يشكل خطراً عليهم جمعياً.
في كل انتصار وتقدم يحققه الجيش العربي السوري على الإرهاب، يعزفون السيمفونية ذاتها وهي السلاح الكيميائي، وفي كل مرة ينتصر الجيش ويطهر منطقة في سوريا يكتشف في مخازن المجموعات الإرهابية المسلحة أسلحة كيميائية، وهذا إن دل على شيء يدل على أن من يستخدم هذا السلاح هو مرتزقة أمريكا والخليج العربي في سوريا.
سرعان ما حركت فرنسا وواشنطن أساطيلهم بإتجاه الأراضي السورية، والتصريحات بضرب سوريا تخرج من فرنسا وبريطانيا وأمريكا وألمانيا وغيرها، ولكن هذه المرة مختلفة كلياً عن جميع المرات السابقة، وإن فكر الغرب بضرب سوريا فعليهم أن يحسبوا جيدا أنه سيكون هناك رد سوري – روسي عليهم، وقد أتى هذا الكلام على لسان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
في الساعات القادمة، سيحدث واحد من هذه السيناريوهات:
الأول: أن كل ما يحصل هو فقط تصعيد كلامي فقط من قبل واشنطن وباريس وحلفائهم ولن يحصل شيء، وسيتم تشكيل لجنة للتحقيق وسيجتمع مجلس الأمن لعدة مرات وسيتم حل الموضوع بهذا الشكل.
الثاني: أن تشن أمريكا ضربة عسكرية ويتم الرد عليها من قبل السوريين والروس من خلال إسقاط صواريخ “التوما هوك” ويمكن أكثر من هذا وحسب ما تحدث عدد من وسائل إعلام غربية أن الولايات المتحدة وجهة مدمراتها نحو الشواطئ السورية، وقد تم طلب من شركات الطيران المدني تغيير مساراتها في الشرق الأوسط، وتعمل واشنطن على حشد أكبر عدد من الدول ليشاركوها في هذه العملية. ولكن حسب ما ذكرت وسائل إعلام تركية أن مقاتلات روسية حلقت على علو منخفض فوق السفن الأمريكية، وهو ما يعتبر رسالة شديدة اللهجة من موسكو إلى واشنطن. ان التصعيد مستمر من كل الأطراف ولكن في حال استمرار التصعيد وتحولت الحرب الباردة إلى حرب عسكرية فستتحول إلى حرب إقليمية شاملة.
الشرق الأوسط اليوم على شفير حرب كبرى وقد تتحول إلى حرب إقليمية بين تهور ترامب وحكمة الأسد وبوتين. والسؤال المهم: هل سيتجرأ ترامب على ضرب سورية وتحويل المنطقة إلى حرب مشتعلة لا أحد يعلم متى تنتهي؟ والجدير بالذكر أنه عبر التاريخ من المعروف أن أمريكا ترتكب حماقة كهذه، وتشن الحروب عندما تكون في مأزق اقتصادي لتحريك الاقتصاد الأمريكي وخاصة أن السعودية تمول كل الحروب في المنطقة.
*صحافي سوري-أمريكي وكاتب سياسي
مصدر الصورة: الجزيرة نت.