هاني الظليفي*

هل ستكون رومانيا ثالث دولة في العالم وأول دولة أوروبية تنقل سفارتها إلى القدس؟

تناقض سياسي أحدث ضجة في رومانيا هذه الأيام بإعلان رئيس الحزب “الديموقراطي الاجتماعي” رجل رومانيا القوي والحاكم الفعلي غير الرسمي في رومانيا ليفيو دراغنيا، في تصريح له يوم الخميس 19 أبريل/ نيسان لقناة فضائية محلية عن قرار اتخذته الحكومة التي يسيطر هو على قراراتها بحكم نفوذه القوي في البلاد يقضي بنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس.

الإعلان المفاجئ أعقبه قيام الرئيس الروماني كلاوس يوهانس، بنفي نية بلاده نقل سفارتها إلى القدس مؤكدا عكس ذلك بأن موقف بلاده من هذه المسألة يتطابق مع قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة التابعين للأمم المتحدة التي تنص على الامتناع عن إقامة أي بعثات دبلوماسية في القدس، وتحث المجتمع الدولي على بذل جهوده في سبيل التوصل إلى سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط موضحا أن نقل السفارة يعد بمثابة “انتهاك للقانون الدولي”.

يأتي هذا التضارب في التصريحات ليضع علامات استفهام وتعجب على سير الأمور في الدولة العضو بالاتحاد الأوروبي، والذي يخالف الإجماع الأوروبي ويعكس حالة من الخلافات العميقة داخل أروقة صنع القرار السياسي فيها.

وبينما برر دراغنيا القرار التي تعد له الحكومة بأن “ذو قيمة رمزية هائلة” لأن لإسرائيل “تأثيرا قويا على المستوى الدولي” و”قيمة كبيرة جدا بالنسبة إلى الإدارة الأمريكية”، مضيفا: “أعتقد أنه ستكون لهذا القرار فوائد كبيرة لرومانيا”. مشيرا إلى أن “الأمر يتعلق أيضا بنهج براغماتي”، وقال: “على غرارنا جميعا، يحق لإسرائيل أيضا أن تقيم عاصمتها حيث تشاء”.

إنّ صفة الغرابة في هذا القرار تأتي كما بيّن كريستيان دياكونيسكو المتخصص في السياسة الخارجية والذي كان وزيرا للخارجية في رومانيا في الفترة 2008-2009 و2012، أنه كان ينبغي قبل اتخاذ مثل هذا القرار مراعاة أن قرار نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس يعد واحدا من أكثر المواضيع حساسية في العلاقات الدولية في جميع أنحاء العالم. وأن فكرة التمثيل الدبلوماسي في القدس يعد جزءا من محادثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. من هذا المنطلق، كان يجب الامتثال لفئتين من الإجراءات. أولا، إجراء مشاورات سياسية مع شركاء رومانيا الأوروبيين، لأن سياسة رومانيا الخارجية كدولة عضو في الاتحاد الأوروبي هي سياسة مشتركة تتخذها رئاسة الاتحاد الأوروبي، لذلك فمن الطبيعي التنسيق مع الشركاء، لأن هذه الفكرة مرفوضة بشكل قاطع من قبل الغالبية الساحقة من دول الاتحاد الأوروبي التي لديها مع رومانيا شراكة استراتيجية.

ثانيا، أنه كان يجب احترام جميع الإجراءات الداخلية، إنها مسألة شرعية وجدية ومهنية وكان يجب أن يكون هناك أولا تشاور مسبق مع الرئيس ورئيس الوزراء، ثانياً، لكون مذكرة الحكومة تحتاج توقيع رئيس الوزراء على الصفحة الأولى، ولكنها أيضاً تحتاج لرأي الرئيس، لأن له التزامات دستورية. وهو المعني دستوريا بصنع السياسة الخارجية والموافقة على إنشاء البعثات الدبلوماسية وإلغائها ونقلها.

وحيث أن أي تمثيل دبلوماسي من خلال السفارات يقع في عاصمة البلد. وعليه وبحكم الأمر الواقع، ومن خلال قرار النقل غير الحكيم هذا تعترف حكومة رومانيا تلقائيا بالقدس عاصمة لإسرائيل.

ما يعتبر انتهاكا للقانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة التي أنشأت قواعد وإجراءات رسمية تطبق على مسائل التمثيل، والعلاقات الدبلوماسية وإن هذا القرار يبدو أنه لا أساس له من الصحة ولا الحكمة، كونه يخالف الدستور ويتحدى صانع القرار الرئيسي في السياسة الخارجية وهو الرئيس. هذا القرار، وبطبيعة الحال، وكما هو متوقع مرحب به من قبل الدولة الإسرائيلية، ولكن كان ينبغي أن يستند مثل هذا القرار، إلى سبب وجيه وأن يكون قرارا وطنيا، لا صراعا بين المؤسسات، مؤكدا أنه هذا القرار دلالة على عدم الانضباط، ومن شأنه أن يؤدي إلى عواقب يصعب توقعها فيما يتعلق برومانيا ومصالحها الدولية.

وكان الرئيس كلاوس يوهانس قد اتهم مجلس الوزراء بانتهاك صلاحياته الدستورية، وحتى قرارات الأمم المتحدة. بقوله: “من هذه اللحظة، تكون رومانيا في الجانب الآخر من الاتحاد الأوروبي”، أود أن ألفت الانتباه، ومحللي السياسة الخارجية إلى أن الإعلان عن بدء رومانيا الانتقال إلى السفارة الإسرائيلية من تل أبيب، إلى القدس، صُنع بواسطة ليفيو دراغنيا، رئيس الحزب الديموقراطي الاجتماعي.

وبموجب المادة 80 من الدستور، فإن رئيس رومانيا يمثل الدولة الرومانية، وله أيضا بموجب المادة 91، اختصاص إنشاء، الصفة الرسمية والتغيير في تشكيل البعثات الدبلوماسية والمراكز القنصلية.

واعتبر الرئيس يوهانس أن مصالح رومانيا يمكن أن تخدم بطريقة أفضل وأنه يجب أن يتم التوقيع على مذكرة الحكومة من قبل رئيس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية.

وبذلك، فإن رومانيا تكون إذا ما تم القرار ثالث دولة في العالم بعد الولايات المتحدة وغواتيمالا، التي من أعلنت نيتها نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، وهي الوحيدة في الاتحاد الأوروبي. ولكن بدون موافقة الرئيس كلاوس يوهانس، لن يكون من الممكن نقل السفارة.

وبحسب بيان الرئاسة الذي أكد أن هذا القرار لا يستند إلى تقييمات سليمة وشاملة. ولا يمكن اتباع نهج كهذا إلا بتحليل معمق يأخذ في الاعتبار جميع عواقبه وآثاره السياسية الخارجية.

كما يعتقد الرئيس كلاوس يوهانس أن مبادرة الحكومة الرومانية قد ربما لا تزيد عن كونها بداية عملية تقييم لا يمكن أن تكتمل إلا عند اختتام المفاوضات حول عملية السلام في الشرق الأوسط، حيث وضع القدس هو موضوعها الرئيسي. ولا يمكن تحديد هذا الوضع إلا بعد إبرام اتفاق مباشر ونهائي بين الطرفين.

وبصفته الرئيس، وصاحب قرارات السياسة الخارجية رومانيا وممثلا لرومانيا في الخارج، وفقا للدستور فإنه يؤكد أن موقف رومانيا في عملية السلام في الشرق الأوسط ثابت ولم يتغير. كما يؤكد الرئيس كلاوس يوهانس مرة أخرى ضرورة حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني العادل والدائم من خلال تنفيذ “حل الدولتين”، إسرائيل وفلسطين، تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن كخيار الوحيد القابل للتطبيق والقادرة على ضمان وفاء تطلعات جميع الأطراف.

الخلاف والتوتر بين رئيس رومانيا الذي ينتمي إلى الأقلية الألمانية في رومانيا ورئيس الحزب الديمقراطي الاشتراكي والذي يعد الاقوى في رومانيا ليس جديدا، ففي الأيام الأخيرة، سبق ان انتقد الرئيس يوهانس مقترحات السياسات الاقتصادية للحكومة وكذلك نية الحكومة تعديل قانون العقوبات لخدمة مصالح زعماء الائتلاف الحاكم المهمين وعلى رأسهم دراغنيا رئيس الحزب الديمقراطي الاشتراكي المتهم بقضايا فساد، وكذلك نية الحكومة لتغيير قانون الأمن الوطني، دون حوار مع الرئاسة والمخابرات.

لكن دراغنيا رد بقوله إن الرئيس يوهانس يتهمه بناء على معلومات كاذبة، واتهم يوهانس أنه يتحالف مع الحزب الوطني الليبرالي والبنك المركزي الروماني لتخريب التدابير الاقتصادية التي أعدها حزبه الذي يرأسه والذي يحكم رومانيا بائتلاف مع حزب تحالف الديمقراطيين والليبراليين كما سخر من علاقة الرئيس يوهانس التي تربطه بالرئيس الفرنسي ماكرون، وألمح إلى أنهما ليسا قادة قادرين بما فيه الكفاية لأن يكون لهما دور في لعب دور كبير، وقد كان الرئيس الروماني يوهانس في خريف عام 2016، قد أعلن فجأة موقفه الثابت والمبدئي أن لا أحد ولا شيء يتطلب منه ترشيح ليفيو دراغنيا المتهم بالفساد كرئيس للوزراء، على الرغم من أنه كان من الواضح أن حزبه سوف يفوز في الانتخابات، كما تم تأكيد قراره بعد ذلك برفضه تعيين سيفيل شهايده والتي تنتمي للأقلية التترية المسلمة في رومانيا كرئيسة للوزراء والتي كان يدفع لتعيينها دراغنيا بقوة، ليتم تعيين تودوزه بدلا منها، و لكن سرعان ما حدث خلاف بين الأخير والسيد دراغنيا الرئيس القوي، فعمل على إزالته من رعاية الحكومة و جاء بالسيدة فيوريكا دانتشيلي لتصبح رئيسة للوزراء وفرض أيضا إرادته في الحزب. وأقصى زملائه الذين دعموا تودوزه، وكافأ الذين ساعدوه لهم واشترى ولاء الآخرين.

ويحتفظ دراغنيا بعلاقة مميزة مع الإسرائيليين وكان قد استعان بحملته الانتخابية بخبراء حملات انتخابية إسرائيليين كما زار إسرائيل عدة مرات. ويأتي قرار نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس على قاعدة العلاقة الوطيدة والمتنامية بينه وبين القيادة الإسرائيلية وتقربا من الإدارة الأمريكية على حساب علاقة رومانيا بالاتحاد الأوروبي.

باحث سياسي أردني*

 

مصدر الصور: الخبر_ بغداد بوست