عبد العزيز بدر القطان*

إن الإستبداد الملكي قد أصبح هدفاً لنقد كثير، كعدم المساوة الإجتماعية التي أخذت هي الأخرى تثير النقد أيضاً. فكان لا بد من خروج فئات من الناس لترفع الصوت وتقف في وجه الطغيان، لأن الظلم واحد في أوروبا وغيرها.

يقول نيكولا بوالو (1636 – 1711)، بكل جرأة قبيل مئات السنين، مهاجماً طبقة الأشراف “يظنون أنهم قد عجنوا من طين غير الذي عجن منه بقية الناس”، أما موليير (1622 – 1673) فيقول “إن الميلاد ليس شيئاً ما دامت فضيلة النفس معدومة”؛ بالتالي، فرضت البرجوازيةـ؟ التي مورست على الناس في تلك الحقبة خاصة تلك الغنية من جامعي الثروات في جشع كبير، يقابلها أصحاب النفوس الجميلة المحملة بالمجد والفضيلة.

هذا الأمر، مهد لمجيء القرن الثامن عشر مليئاً بالأفكار الحرة وبالمجهودات البارزة التي توجت بإعلان حقوق الإنسان، والشواهد على ذلك كثيرة، خاصة في فرنسا، فكان فيها الكثير من الأعلام الذين كان لهم الأثر الكبير في التمهيد لحقوق الإنسان، مثل مونتسكيو (1689 – 1755)، الذي رأى في عدم التسامح “حالة دوار للروح البشرية لا يمكن أن ينظر على إستفحالها إلا أنه إغماء أصاب العقل البشري”، فيما عبر دنيس ديدرو (1713- 1784) بالقول “إن أشد خصوم الدولة قسوة هم وحدهم الذين يستطيعون أن يوحوا إلى الملوك بأن من لا يرى من رعاياهم ما يرون، يصبحون ضحايا جديرة بالإعدام وغير جديرة بأن تشاطر في مزايا المجتمع.”

كانت هذه الأصوات مهمة جداً لأنها رسمت التغيير الحقيقي للتطور الذي حدث فيما يعد وترسخ في بعض جوانبه العريضة في صورته الحالية. فلقد ظل فولتير (1694 – 1778) أكثر من نصف قرن وهو يبشر برسالة التسامح ويندد بآثار الحروب الدينية رغم تواضعه من الناحية السياسية، بل كان ثائراً من الناحية الأخلاقية بتقبل الجميع بعضهم بعضاً مهما كانت معتقداتهم ومن أقواله الجميلة في هذا الخصوص “ثم ماذا؟ التركي أخ لي، والصيني واليهودي والسيامي، .. ولم لا؟”. فلقد كان في أوروبا أكثر من 4 ملايين من السكان لا ينتمون لكنيسة روما فهل يُقضى عليهم!

لم يدع الفلاسفة إلى الحرية في المسائل الدينية فحسب، بل ألحوا في المطالبة بحرية التفكير من كل جوانبه، فيكون للإنسان الحق بأن يعتنق الديانة التي يريد، أو لا يعتنق أي دين، وأن يكون له الحق في الدفاع عن آرائه علناً بالقلم واللسان؛ بالتالي، إن حرية التفكير والتعبير في القرن الثامن عشر سوَّقت لفكرة الحرية الفردية من بابها العريض، حيث بات يحق لأي إنسان أن يحاكم فقط تبعاً لنصوص القانون الدقيقة.

ومن الحرية إلى المساواة، كانت حملة فلاسفة الأنوار في نطاق المساواة كما في الحرية. فلقد خصص جان جاك روسو (1712 – 1778) أهم مقالة له لدراسة مصدر عدم المساواة، خاصة تلك الحالة الواقعية التي يضطر فيها الضعيف لخدمة القوي والفقير لطاعة الغني؛ بالتالي، تتشابك النظريات وتتنامى في تلك الفترة حول الحقوق وإحترامها ومنع الظلم ومقاومته والجهة التي تختص بالتشريع.

لقد شهد القرن السابع عشر في أوروبا معركة صراع بين القديم والجديد، لكن القرن الثامن عشر هو الذي تم فيه إنتصار أنصار الحديث والتجدد والإندفاع نحو العقل والعلم والتطبيق بكل جرأة، وقد تواصل التقدم في هذا القرن.

أخيراً، إن كل دعاة الحرية والمساواة نظرياً حققوا الكثير، لكن في الواقع العملي لا يزال الظلم متربعاً على عرش البشرية. فالتجرد من المصالح ليس إلا ألفاظاً، والفضيلة ليست إلا رذيلة متنكرة، وهذا تترجم على المسرح السياسي منذ الساعات الأولى للثورة الفرنسية.

إن الإنسانيات في القرن الثامن عشر، أخذت تدعو إلى إعلان حقوق الإنسان، فأُرسل فولتير إلى سجن الباستيل، وديدرو إلى سجن فانسين، ومن تثبت إدانته في مهاجمة الدين أو المساس بسلطة الملك أو تكدير النظام والسلام بحسب أوامر الملك تقع عليه عقوبة الإعدام، فهكذا كان شكل حقوق الإنسان في ذاك الزمان.

*كاتب ومفكر – الكويت.

مصدر الصورة: دي دبليو.

موضوع ذا صلة: حقوق الإنسان.. قديماً