إعداد: يارا انبيعة
في محاولة للم شمل كل الجهات الفاعلة في ليبيا، ولتجنب تمديد مختلف الأزمات اللاحقة وللتوصل لحل شامل، استضافت باريس مؤتمرا دوليا حول ليبيا تحت رعاية الأمم المتحدة، نُظم في قصر الإليزيه بمشاركة 20 طرفا من دول ومنظمات دولية، ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى انعقاد هذا المؤتمر بعد فشل الاتفاق المبرم بين فايز السراج وخليفة حفتر خلال لقائهما التاريخي في باريس في 25يوليو/ تموز 2017، وتعدد الانتقادات من إيطاليا ودول الجوار لتفرد باريس بالملف وخوفهم من فرض أجندتها دون مشاركة المجتمع الدولي.
وحضر المؤتمر كل من رئيس الحكومة فايز السراج والمارشال خليفة حفتر وكذلك عقيلة صالح عيسى رئيس البرلمان المنتخب عام 2014 ورئيس مجلس الدولة خالد المشري.
اللقاء جمع بين ممثلي الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن الدولي ودول إفريقية، ودول أوروبية، وكذلك تركيا ودول عربية، وأربع منظمات دولية، والأمم المتحدة ورابطة الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي.
نتائج المؤتمر
على أثر اجتماع القمة الدولية قرأ الممثلون الليبيون الأربعة، خلال مؤتمر صحفي عقد تحت رئاسة الرئيس ماكرون وبمشاركة غسان سلامة المبعوث الأممي الخاص، نص الإعلان السياسي حول خارطة طريق تؤسس توجها نحو الخروج من الأزمة، وقال السراج في المؤتمر الصحفي المشترك: دعوت في اجتماع اليوم لوقف الاقتتال واللجوء للحوار ووقف القتال في مدينة درنة، وأضاف السراج، أكدت رفضنا للإرهاب والتطرف، ويجب أن يتوحد الموقف الدولي تجاه ليبيا.
وأكد نص الاتفاق على عمل الأطراف الليبية مع الأمم المتحدة بطريقة بناءة على تنظيم انتخابات نزيهة وسلمية وعلى احترام نتائج الانتخابات، وقال البيان المشترك: إن الوفود الأربعة أكدوا التزامهم بعقد الانتخابات في 10 ديسمبر/كانون أول2018، وأوضح: إلتزم الأطراف بوضع الأسس الدستورية للانتخابات واعتماد القوانين الانتخابية الضرورية بحلول 16 سبتمبر/أيلول 2018، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في موعدها.
وتم الاتفاق على نقل البرلمان المقيم في طبرق إلى طرابلس وحل الحكومة المنصبة في شرق البلاد على أن تقوم كل الأطراف البرلمانية بتوحيد البنك المركزي وباقي مؤسسات الدولة.
في شأن الجيش، تم الاتفاق على تشكيل قوات مسلحة وأمنية موحدة تحت إشراف أممي تضم بالخصوص الجيش الوطني الليبي التابع للمشير حفتر والميليشيات المتفرقة المناصرة لخارطة الطريق وأخذ كل التدابير للقضاء على الجماعات الإرهابية وتنظيم داعش التي تهدد استقرار البلاد.
واعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمبعوث الأممي غسان سلامة، هذه القمة تاريخية بكل المقاييس، وأوضح سلامة، نحن لا نعوض الليبيين، بل هم الذين اتفقوا فيما بينهم. وهذا أساسي، معبرا عن تفاؤل المجتمع الأممي بهذه الخطوة، لكن بعض الأصوات النشاز سمعت في ليبيا ضمن بعض النواب الذين بادروا بالتصريح بأن كل هذه القرارات لا بد للبرلمان الليبي أن يصادق عليها وأنها لا تعنيهم إلى حد الآن، وهو ما يشير إلى صعوبة تنفيذ هذه القرارات الحاسمة في غياب مشاركة الأطراف التي تتحكم في مفاصل المدن والدولة على الأرض وتفرض سيادتها على الشعب الليبي بمنطق السلاح.
عدم توحيد الموقف
لم تمض سوى ساعات قليلة على توقيع الأفرقاء الليبيين إعلان باريس لحل الأزمة في بلادهم، حتى ظهرت عدة تخوفات، وطرحت تساؤلات كثيرة حول كيفية تنفيذ الجدول الزمني لإجراء انتخابات قُبيل نهاية العام الجاري، وفي وقت رحب فيه نواب برلمانيون عن إقليم (برقة) بنتائج الإعلان، رأى آخرون أنه سيضع البلاد في منزلق خطير، وأنه أغفل تغوّل الميليشيات المسلحة في مناطق واسعة منها.
وقال الشيخ محمد المُبشر، رئيس مجلس أعيان ليبيا للمصالحة، إن أي جهود تُخرج ليبيا من أزمتها مرحب بها، ونأمل خيراً من ذلك، ولا أعتقد أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيغامر، ويضع تواريخ محددة لإجراء الانتخابات في ليبيا من دون العمل على تحقيقها.
لكن المُبشر عبّر أيضا عن تخوفه من فشل إعلان باريس بالقول: هناك مخاوف من ذلك بسبب وجود تجاذبات كثيرة بين بعض الدول على مصالحها في ليبيا، مما يجعل احتمال فشل هذا اللقاء واردا، وهناك أيضا عدم توحيد الموقف الدولي ضد المُعرقلين داخل وخارج البلاد، وربما تسعى بعض الدول إلى عرقلة الإعلان.
وأضاف المُبشر، موضحا من المخاوف الكبيرة التي تدعو للقلق انتشار السلاح بشكل واسع في ليبيا، بالإضافة إلى وجود عدد من المجموعات المسلحة، التي لا ترغب في توحيد الجيش، أو قيام جهاز أمني قوي وموحد، فضلاً عن عدم اتفاق الأطراف المشاركة في فرنسا على الآليات اللازمة لتنفيذ الاتفاق، لافتاً إلى أن الإعلان لم يتطرق للقاعدة الدستورية للانتخابات، مما يدع الباب مفتوحاً لاستمرار الخلافات الجذرية حول الفترة الانتقالية ومدتها، ومهام الرئيس المقبل، وهل سيعدل الإعلان الدستوري، أم سيتم الاستفتاء على الدستور، وغيرها من القضايا التي كانت وما زالت أحد أسباب الخلاف.
أول موقف أميركي من اجتماع باريس
عبرت القائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة الأميركية لدى ليبيا السفيرة ستيفاني ويليامز، عن ترحيب الولايات المتحدة بلقاء باريس ودعمها لكل جهد يصب في صالح استقرار وأمن ليبيا، مؤكدة أهمية الإعداد الجيد وتوفير أرضية صلبة لإنجاح كافة الاستحقاقات بتنسيق مباشر مع الأمم المتحدة من خلال المبعوث الخاص غسان سلامة.
جاء ذلك خلال استقبال رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج الجنرال توماس والدهاوسير قائد القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا (أفريكوم) والقائمة بالأعمال الأميركية وعدد من مسؤولي السفارة.
واعتبر السراج أن الزيارة تترجم العلاقات الاستراتيجية بين البلدين الصديقين وتتيح الفرصة لتبادل الآراء، بما تحقق من خلال التعاون الاستراتيجي بين البلدين الصديقين.
وتطرق إلى لقاء باريس مؤكدا أهمية هذا الحدث وسط زخم دولي مؤيد وداعم لمسار التوافق، وقال إنها بداية نبني عليها، مشيراً إلى أن تنفيذ بنود البيان الذي تم الاتفاق عليه ليس سهلاً فهناك تحديات تحتاج إلى جهد وصدق جميع الأطراف وموقف دولي موحد يدعمها.
على بعد 3ساعات
صحيفة لا ستامبا الإيطالية أرادت تذكير أطراف الاتفاق الباريسي ورعاته من خلال مقال للكاتب الإيطالي جيوردانو ستابيلي، بأن هناك لاعبين في ليبيا لا يمكن تجاهل تأثيرهم حيث وقعت أقوى الميليشيات في إقليم طرابلس، وثيقة ترفض فيها قمة باريس التي دعا إليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والتي شهدت اجتماعًا بين رئيس الوزراء فايز السراج والرجل القوي في شرق البلاد، المشير خليفة حفتر.
وأكد جيوردانو ستابيلي أن الوثيقة تتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ضمنا بالرغبة في إعادة تأسيس حكومة عسكرية في ليبيا.
بدورها صحيفة الواشنطن بوست قالت: إن مسودة الاتفاق رغم ما جاء فيها لا تتناول أكبر تحدٍ في ليبيا والمتمثل في الشبكة واسعة النطاق من الميليشيات التي تتقاتل سعيًا للسيطرة وبسط نفوذها في البلد.
فيما نقلت صحيفة لا كروا الفرنسية عن بليغ نابلى مدير مركز أبحاث إيريس، أن هناك مصالح وأسباب عديدة دعت باريس لاستضافة مؤتمر حول الأزمة الليبية، منها على المستوى الاستراتيجي، ورغبة فرنسا في تصعيد القتال ضد تهريب الأسلحة في منطقة الساحل، وهي المنطقة التي ينتشر فيها الجيش الفرنسي ويطلق عليها عملية بركان منذ أغسطس/آب 2014.
وأضافت الصحيفة نقلا عن نابلى، أما على الصعيد الأمني، فإن استقرار ليبيا يجعل من الممكن القضاء على تهديد تنظيم داعش الإرهابي، وهي مجموعة، كما يقول خبراء: على بعد ثلاث ساعات فقط من أوروبا.
الصحف العالمية وأراء بعض كتابها لا تخفي انعكاس مصالح دولها في الرسالة التي أرادت إيصالها من خلال هذه التقارير، لكن الواضح أن قاسما مشتركا بين هذه الصحف، هو أن الوضع في ليبيا معقد ومحفوف بالمخاطر، وتحديات الوصول لحل عبر الانتخابات يواجه تحديات داخلية وخارجية جديدة.
مصدر الأخبار: وكالات
مصدر الصور: مونت كارلو