إعداد: يارا انبيعة

عقب افتتاح السلطات التركية، بملء سد “أليسو، في 1 يونيو/حزيران 2018، تصاعدت حدة أزمة انخفاض منسوب نهر دجلة فى العراق، بعد انخفاض حجم المياه العابرة إليه من الجانب التركي بمليارات الأمتار المكعبة، الأمر الذي أثار رعب المواطنين من جفاف سيضرب مناطقهم ومحاصيلهم الزراعية.

وفور بدء الحكومة التركية بملء بحيرة السد وقطع إيران لتدفق مياه نهر الزاب الأسفل بإتجاه أطراف قضاء قلعة دزة شمال السليمانية، انخفضت حصة العراق الحالية من مياه دجلة من 20.95 مليار متر مكعب في السنة، إلى 9.5  مليارات متر مكعب، أي ما يزيد على النصف، حيث سيؤدي هذا التخفيض إلى جفاف وتصحر أكثر من 7 ملايين دونم (691  ألف هكتار)، من الأراضي الزراعية في مختلف المحافظات العراقية التي يمر بها نهر دجلة.

التنصل من إتفقاقات مسبقة

اتهمت وزارة الموارد المائية العراقية تركيا بالتنصل من اتفاق مسبق يقضي بتأجيل ملء سدودها إلا بعد إبرام اتفاق مع العراق، وفيما طالبت أطراف سياسية بتدويل أزمة المياه التي تواجه العراق بسبب إقدام تركيا على ملء سد “أليسو”، وأعطى زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، الحكومة فرصة بضعة أيام لإنهاء أزمتي الماء والكهرباء في البلاد قبل التحرك احتجاجًا على هذه الأزمة.

وعقدت رئاسة البرلمان العراقي اجتماعاً تشاورياً بحضور وزيري الزراعة والموارد المائية ووفد من وزارة الخارجية لمناقشة أزمة المياه، فيما أعلن وزير الموارد المائية، حسن الجنابي خلال الجلسة، ان تركيا تنصلت من اتفاق مسبق يقضي بتأجيل ملء السدود إلا بعد الاتفاق مع العراق، وبدأت بملء السدود مع بداية شهر مارس /آذار2018، مضيفاً أن وزارته ستعمل على تقليل الأضرار وإنجاز اتفاق مع تركيا لمساعدة العراق وتزويده بحصة كافية.

وأكد رئيس البرلمان، سليم الجبوري خلال استقباله السفير التركي في العراق فاتح يلدز، ضرورة التحرك السريع لحل أزمة شح المياه في البلاد. ووفقاً لبيان مكتب الجبوري، فإن اللقاء بحث في مستجدات الأوضاع السياسية والأمنية في العراق والمنطقة، كما تم التطرق إلى ملف أزمة المياه وسبل تنسيق الجهود بما يضمن مصالح البلدين الصديقين. وشدد على أن أزمة المياه التي بدأت آثارها واضحة على العراق تتطلب تدخلاً وتحركاً سريعاً من قبل كل الجهات الحكومية المعنية والمنظمات الدولية، لإيجاد الحلول التي تساهم في ضمان حصة البلاد من المياه.

أما السفير يلدز فقال إن بلاده ستستمر بالوقوفِ إلى جانب العراق بخصوص مياه دجلة والفرات وإدارتها في شكل صحيح، مضيفاً في تغريدة عبر “تويتر” بـ “أن تركيا تعتبر مياه دجلة والفرات مشتركة”، مشيراً إلى أن أنقرة لن تقوم بأي خطوة أحادية الجانب، وأنها استشارت وعرضت فكرتها في شأن التعاون عندما أجلت تخزين المياه في سد “أليسو”.

من جهة أخرى، قال النائب عن تحالف القوى العراقية “السني”، رعد الدهلكي، إن العراق وشعبه وقعا ضحية سلسلة من المؤامرات الداخلية والخارجية، متهماً تركيا وإيران بقطع الأنهر وفروعه المشتركة مع العراق لإحداث فوضى بين أبناء هذا البلد، وحمل دول الجوار مسؤولية الكارثة الإنسانية التي سيتعرض لها العراق إزاء قطع مناسيب الأنهر، فيما حمل الحكومة ووزارة الخارجية مسؤولية عدم إبرام المعاهدات وبما يضمن الحفاظ على حصة العراق من نهري دجلة والفرات وفروعه المرتبطة مع دول الجوار.

ودعا الدهلكي إلى تشكيل وفد رئاسي لإنهاء أزمة المياه وعدم السماح بإنشاء السدود لتخزين المياه والالتزام بالاتفاقيات والقوانين الدولية التي تحفظ حقوق الجميع، مطالباً الحكومة بتدويل قضية قطع المياه عن العراق خصوصاً أن الإحصاءات التي ذكرت تفيد بأن مخزون المياه من نهر دجلة انخفض إلى النصف بسبب تأثيره بتشغيل سد “أليسو” التركي، إضافة إلى قيام إيران بقطع منسوب المياه المتجه إلى كردستان.

آراء مختلفة

قال الدكتور إياد عبد المحسن “إن الصراع الرئيسي في موضوع المياه هو صراع سياسي، ونحن في هذه المرحلة ضحية صراعات دولية وإقليمية على الموارد بدرجة كبيرة، والسياسة هي عبارة عن اقتصاد مكثف، فكل دولة تسعى لتقوية اقتصادها، ومن ضمن إجراءات تقوية الاقتصاد التركي هي القيام بعملية الضغط على العراق بعدة أساليب وطرق، ومنها قضية المياه، التي لا يستطيع أحد الاستغناء عنها. ومع الإجراءات التي تتخذها تركيا، فإن على الحكومة إتخاذ إجراءات سريعة من جانبها، حيث العراق يمتلك مخازن مياه طبيعية كبحيرات دربندخان ودوكان وسد الموصل، وهي تعتبر مخازن استراتيجية للمياه، إضافة إلى الروافد الطبيعية الأخرى كأنهر ديالى والعظيم الزاب الأعلى والزاب الأسفل والخابور، وهذه الأنهار لها مصادر من الدول المجاورة، إضافة إلى أننا نمتلك مخزون كبير من المياه الجوفية، وهي مياه كبيرة وتفتقد للمسح الكامل، كوننا نعتمد على المياه السطحية، وهي بمجموعها تعتبر مخزون استراتيجي نستطيع من خلاله إدارة الأزمة لحين ما تتوصل الحكومة العراقية إلى اتفاق مع الجانب التركي.”

أما الكاتب الصحفي، محمود المفرجي، فعلق بوجهة نظر مختلفة  قائلاً “سد اليسو التركي الذي اوقع العراق في كارثة بيئية نتج عنه تجفيف نهر دجلة بشكل لم يسبق له مثيل، لم يكن بناءه سهلاً على تركيا، ولم يبنى من فترة قليلة حتى يتفاجيء العراق ويقع في الكارثة، بل درست تركيا بناء السد في عام 1954، واضيف المشروع إلى الخطة الوطنية عام 1997، وتم وضع حجر الأساس للسد والبدء بإنشاءه عام 2006 (اي قبل 12 عاماً من الان)، وكان هذا السد مثار جدل اوروبي كبير وتوقفات متكررة لاسباب بيئية نتج عنها سحب الدعم من بعض الدول وتراجع شركات عن الاستمرار امتثالا لاوروبا.”

وأكمل المفرجي “إن اصرار تركيا ببناء السد لم يكن نوع من انواع الترف، او نوع من انواع الاستهداف للعراق، كما يقول البعض ليغطوا على فشل الحكومة وتجاهلها لهذه الكارثة، بل يهدف لتوليد الطاقة الهيدروليكية والتحكم في الفيضانات وتخزين المياه، وتوفير طاقة مقدارها 1.200 متر مكعب بسعة 10.4 بليون متر مكعب. وانا اؤكد ان العراق كان يعلم بهذه الازمة، وكان يشارك بمؤتمرات كلها تدل على الثروة المقبلة في المنطقة والتي ستتفوق على النفط، هي ثروة المياه، لكن إيماننا  كعرب (بنظرية المؤامرة)، هي التي تجعلنا نتهم هذه الدول والحكومات التي تستغل اي ثروة او مورد طبيعي في ارضها من اجل العمل لشعوبها ولمستقبل اجيالها وتوفر لها الرفاهية، فهذه الدول يجب ان ندخلها في نظريتنا السخيفة (المؤامرة) اذا عملت اي شيء ايجابي لشعبها، ونخرجها من هذه النظرية في حال تنازلت عن تقدمها وتركع لتخلفنا وفشلنا وضعفنا الذي لا نتحدث عنه في مواجهة هذه الكوارث، ونتحدث عن مؤامرة تركية من بناء سد يوفر لشعبها طاقة كهربائية سنوية متوقع أن تصل إلى 3.833 كيلو واط في الساعة، وكان فشلنا.”

وقفات إحتجاجية

نظم العشرات من الأشخاص، وقفة احتجاجية أمام مبنى السفارة التركية في منطقة الوزيرية وسط بغداد احتجاجاً على بدء ملء سد “أليسو” التركي وتسببه بإنخفاض مناسيب المياه في نهر دجلة. ورفع المحتجون لافتات كُتب عليها “قطعكم لمياه نهر دجلة جريمة إبادة للشعب العراقي”، و”لن تقتلوا دجلة والفرات بلاد النهرين الخالدة”، و”أردوغان إلزم حدودك أردوغان افتح سدودك”.

فيما ذهب آخرون الى اطلاق حملة دعوا خلالها إلى مقاطعة البضائع التركية والايرانية التي تغرق الأسواق المحلية في العراق، مطلقين هاشتاغ  #خلوها_تخيس، #العراق_عطشان، #دجلة_تحتضر، #الماء_مقابل_الاستيراد.

مصدر الأخبار: وكالات.

مصدر الصور: دي دبليو.