إعداد: يارا انبيعة

على مدى يومين، احتضن مقر الحلف الأطلسي الجديد، 11 – 12 يوليو/تموز 2018 في بروكسل، القمة 28 للحلف بحضور 45 رئيس دولة وحكومة بينهم قادة الحلف الـ 29 إلى جانب ممثلين لشركاء الناتو وفق “مبادرة اسطنبول” أو “الشراكة مع المتوسط” وغيرها من دول أوروبا الشرقية السابقة التي تتطلع للانضمام للحلف، ووسط أجواء مشحونة بالتوتر وخاصة بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين على خلفية الخلافات حول التجارة والنفقات الدفاعية واتفاق إيران النووي.

إستياء أوروبي

مخاوف كثيرة سبقت انعقاد القمة، فبعد تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، التي انتقد خلالها تقاعس الدول الأوروبية، لا سيما فرنسا وألمانيا، بتسديد مساهماتها المالية، التي اعتبرها غير عادلة ومكلفة لدافعي الضرائب الأمريكيين، الأمر الذي دفع دونالد توسك، مسؤول الاتحاد الأوروبي في الحلف، أن يعتبر تصريحات الرئيس الأمريكي مهينة.

إلى ذلك، هاجم الرئيس ترامب كل من الصين وألمانيا، متحدثاً عن حرب تجارية “قذرة” مع الصين، وأن برلين أسيرة لروسيا، إلا أن ترامب قال إنه من الممكن للجميع أن يكون لديهم علاقات جيدة بروسيا، معتبرا أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، هو “منافس وليس عدواً، وكان طيبا جدا معي”، وقال “أسعى للحصول على معلومات بشأن التدخل في الانتخابات الأمريكية خلال لقاء بوتين.”

ترامب تفاخر بضغوطه التي مارسها على حلفائه في الحلف، قائلاً “هناك دفع للأموال من دول حلف الناتو كما لم يسبق من قبل وهم يفعلون ذلك بسرور”، مشيراً إلى أنه اطلع الحلف على عدم سروره بما يجري، معلناً عن زيادة الإنفاق الدفاعي ستصل إلى أكثر من 40 مليار دولار.

من جهة أخرى، حرص الأمين العام للحلف الأطلسي، هنس ستولتنبرغ، على التقليل من حجم الخلافات الأوروبية – الأمريكية بشأن الفاتورة التي سيتعين على أوروبا تحملها مستقبلاً، حيث أعلن أن الحلف يعمل حالياً في ظروف البيئة الأمنية المتغيرة، حيث تواجهه تحديات متعلقة بروسيا شرقاً، وأخرى متعلقة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا جنوباً، معرباً عن أن الحلف يواصل تعزيز قدراته بالرغم مما بين أعضائه من خلافات حول مسائل التجارة والمناخ والإنفاق العسكري، إضافة إلى اتفاق إيران النووي.

وعود وقلق

وافق  الشركاء الأوروبيون على مطالب الرئيس ترامب، مع أن وعودهم تبدو إما “مؤجلة” أو “مبهمة ومنقوصة” نوعاً ما، فقد أكد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن بلاده سترفع إنفاقها العسكري ليصل 2% من الناتج المحلي بحلول عام 2024، أي بعد 5 سنوات، مضيفاً أن هذا المؤشر سيبلغ 1.8% خلال العام الحالي (2018).

من جهتها، أكدت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أن على بلادها عمل المزيد فيما يتعلق بالإنفاق العسكري، مضيفة أن برلين تسير في هذا الطريق كونه “يتوافق مع مصالحنا الذاتية”، مشيرة إلى أن قمة بروكسل شهدت مناقشة حادة جداً بخصوص النفقات العسكرية بعد مطالبة ترامب بتقاسمها على نحو أكثر عدلاً، إلا أن الجميع أكدوا التزامهم الواضح بالحلف.

إلى ذلك، عبرت قمة الحلف عن القلق من “الأنشطة المزعزعة للاستقرار التي تقوم بها إيران في منطقة الشرق الأوسط”، ومن الاختبارات الصاروخية المكثفة التي تجريها طهران ومن مداها ودقتها، حيث أعلن قادة الحلف التزامهم الثابت بأهداف الإنفاق الدفاعي المتفق عليها وشددوا على مخاوفهم إزاء التهديدات التي تمثلها روسيا وإيران وكوريا الشمالية.

كما عبروا عن مخاوفهم من الأنشطة التي انتهجتها روسيا في الآونة الأخيرة قائلين إنها تؤثر على الاستقرار والأمن وأضافوا أنهم “يتضامنون” مع التقييمات البريطانية بأن روسيا هي المسؤولة عن هجوم غاز الأعصاب في مدينة “سالزبري” البريطانية.

“تمدد جيو – سياسي”

جددت وزارة الخارجية الروسية، موقفها المعارض لتوسيع حلف الناتو، خصوصاً بعد الحديث عن وجود خطوات ترمي إلى تسريع عملية انضمام مقدونيا إليه، إذ اعتبرت المتحدثة باسم الوزارة، ماريا زاخاروفا، أن “توسيع الناتو يقود إلى تعميق خطوط التقسيم في القارة الأوروبية”، مضيفة “أن الجهود التي تبذل لجر مقدونيا إلى حلف شمال الأطلسي تدل على أن سياسة الانفتاح تحولت إلى أداة للسيطرة على المجال الجيوسياسي.”

بالإضافة إلى مقدونيا، صرح ستولتنبرغ، بحضور الرئيس الجورجي، بأن زعماء الدول الأعضاء في الحلف يعملون ما بوسعهم لضم جورجيا إلى صفوف هذه المنظمة، وقال “اليوم مرت 10 سنوات على إجراء أول جلسة للجنة الناتو – جورجيا، تم فيها تحديد الأهداف الكبيرة لعضوية جورجيا في الناتو. جورجيا ستصبح بحكم المؤكد عضواً في حلفنا، ويسهم زعماؤنا بقسطهم لتحقيق ذلك بأسرع ما يمكن.”

من جهتها، أكدت روز غوتيمولر، نائبة الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، أن قطر “دولة حليفة” للناتو وطرف فعال فيه وجزء مهم لمستقبل الناتو الذي يواجه تحديات كبيرة لا سيما في مجال مكافحة الإرهاب، حيث رحب أعضاء الحلف بحضور الدوحة وانخراطها الناجع في التحالف بسبب مساهمتها في مجال مكافحة الإرهاب لا سيما خلال العامين الماضيين.

“قمم قبل القمة”

قمة الحلف تأتي في خضم تفاقم الهواجس الأوروبية من “مزاجية” الرئيس ترامب بعد انتقاداته اللاذعة للمساهمات الأوروبية الدفاعية وتصريحاته التي اعتبر فيها، أن الحلف “سيئ” مثل اتفاق “نافتا”، كما يخشى الأوروبيون من اتفاقات مع الرئيس الروسي.

لكن الأهم أنها تأتي قبل “قمة هلسنكي” المرتقبة في العاصمة الفنلندية بين الرئيس الأمريكي والروسي، وما يمكن أن يتمخض عنه خاصة بعد الجدل المثير بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الامريكية.

القمة تأتي أيضا قبل القمة الأمريكية – البريطانية واللقاء المرتقب للرئيس الأمريكي مع رئيسة الحكومة البريطانية، تيريزا ماي، التي تواجه الكثير من التحديات بشأن “البريكست” سيما بعد انسحاب خمسة وزراء من الحكومة البريطانية، علماً ان الرئيس الأمريكي كان ومنذ حملته الانتخابية مشجعاً بريطانيا على البريكست.

الحوار مع “الخصوم”

وفيما يتعلق بعلاقات الناتو مع روسيا، قال ستوربورغ إنه لا يعلم متى ستشهد تحسناً، معرباً عن ثقته بإمكانية إقامة علاقة أفضل بين الطرفين، مشيراً إلى عدم رغبة الحلف بعزل موسكو.

أما بالنسبة إلى العلاقات مع بكين، دعا ستولتنبرغ إلى تنشيط الحوار السياسي بين الطرفين قائلاً “لدينا بعض الاتصالات مع الصين، لكنني أود أن تتحسن وأن يتوسع حوارنا السياسي معها “، مضيفاً “نعمل بالطبع على تعزيز الناتو كي يكون جاهزاً لمواجهة أي تهديدات وتحديات محتملة، لكننا في نفس الوقت نسعى لخفض التوتر لا لتصعيده.”

مصدر الأخبار: وكالات.

مصدر الصورة: العربية نت.