حوار: سمر رضوان

تعتبر مسألة الجنوب السوري من المسائل المهمة، ليس فقط على سوريا وحدها بل على المنطقة ككل لما تحمله من دلالات استراتيجية قد تغير نمط العلاقات السائد حالياً، خصوصاً وأن العديد من الدول التي انتهجت موقفاً معادياً لدمشق، بدأت اليوم بالتخفيف منه أو حتى الانقلاب عليه نتيجة الأمر الواقع الذي فرضته الدولة السورية.

وللتعمق أكثر في هذه التحولات وتحليل أبعادها المستقبلية، سأل مركز “سيتا” الأستاذ خالد العبود، أمين سر مجلس الشعب السوري، عن التطورات التي يشهدها الجنوب السوري بعد إطلاق الجيش لعملية التحرير.

“الأندوف” واتفاق فض الاشتباك

إن ما وصلنا إليه هو ناتج اشتباك؛ فإما أن تتواجد الدولة السورية هناك ويتم تحجيم ومحاصرة كيان الاحتلال، أو لا تكون. في تقديري، أقول لا. لقد استعادت سوريا وحلفاؤها عناوين ومفاصل مهمة على المستوى العسكري، وبالتالي فشل الإسرائيلي، وحلفائه، في “استثمار القوة” لا سيما من حيث الحضور. وبالنظر إلى العدوان الثلاثي الأخير على سوريا والذي عوَّل عليه الإسرائيلي لتحقيق إنجاز ما لجهة لجم الجيش السوري وحلفائه. فماذا الذي حصل؟ النتيجة كانت سيطرة الجيش السوري، وحلفائه، شبه الكاملة على المنطقة وهذا ما يعد نقطة هامة في الاستراتيجيا.

هنا، يجب متابعة الإسرائيلي في ثلاث مراحل كي نصل إلى دعوته للعودة إلى شروط فض الاشتباك لعام 1974. بعد العامين 2011 – 2012، وقع أول عدوان إسرائيلي على سوريا وتذكروه جيداً. قلنا يومها بأن الاسرائيلي قد خرج على قواعد الاشتباك أي نصوص اتفاقية عام 1974، وبالتالي ليس أمام السوري إلا الخروج عليها ايضاً. وبعد فترة من الزمن، بدأ يبني حساباته على هذا الأساس، حيث خرج بعض قادته علينا بالقول “إن سوريا القديمة لم تعد موجودة، وتصرفوا على هذا الأساس.” لكن ومع بدء الجيش السوري لمعركة الجنوب، بدأ بالضغط على المجموعات المسلحة بالقرب من دير العدس وأخواتها التي انهارت أمام تقدم القوات المسلحة، مما شكل عنصراً من عناصر المفاجئة بأن الجيش السوري ما زال ممسكاً بزمام المبادرة، وبالتالي شكل صدمة قوية للمسؤولين الإسرائيليين.

“لحد” سوري

بعد سقوط مشروعهم، بدأوا بالعمل على خطة بديلة تتمثل في إيجاد منطقة عازلة، أي استعادة سيناريو الجنوب اللبناني. ومع الفشل الذي منيوا به مجدداً، انتقلوا إلى المرحلة الثالثة التي تتمثل في “الهروب” إلى الأمام والعودة إلى قواعد فض الاشتباك.

اليوم، يتواصل الإسرائيليون مع الروس والأمريكيين، يضغطون بقوة لجهة الإبقاء على اتفاقية العام 1974، غير أن الملاحظة الهامة أن السوري لم يرد بعد وهذه، في اعتقادي ملاحظة هامة جداً كون لديه أولويات الآن تتمثل في مواجهة الإرهاب وإنهاء الفوضى في المناطق الساخنة التي خرجت عن سيطرته لفترة، المستعملة من قبل الإسرائيلي وغيره.

“لا مبالاة” سوريّة

وأرى أننا اليوم أمام مرحلة جديدة يتمنى فها الإسرائيلي العودة إلى شروط اتفاقية 1974 مجدداً، غير أن السوري “لا يعطيه بالا” فهو تجاوز شروط الاتفاقية مثلما تجاوز الإسرائيلي سابقاً. فالاحتكاكات والاعتداءات، إن صح التعبير، المتتالية من قبل الإسرائيلي تجاوزت بحد ذاتها شروط الاتفاقية. أيضا السوري تجاوز أحكام الاتفاقية من خلال تواجد قوات عسكرية ضخمة جدا له في الجنوب، وبالتالي نحن أمام مشهد اعتقد انه سيفضي إلى شيء ما. هذا الشيء، اعتقد، سيكون “تسخين” ملف الجولان مجدداً ووضعه على طاولة اللقاء الأمريكي  – الروسي في قمة هلسنكي القادمة.

 

ما بعد الجنوب

هنا يجب الإشارة إلى أمر مهم جداً. باعتقادي، أن الإسرائيلي غير قادر على خوض حرب مفتوحة، لا سيما في ظل استثمار حلف المقاومة حالة الفوضى التي حصلت في المنطقة، أعاد اصطفافه، وأوجد “مفاتيح” أساسية على المستويين الجغرافي والميداني. على سبيل المثال، إن الطريق الرابط بين من دمشق وبيروت وصولاً إلى طهران، على المستوى العسكري بالتحديد، يعد إنجازاً مهماً جداً وهو أحد الأسباب الذي يمنع قيام إسرائيل بمغامرة مفتوحة غير محسوبة العواقب. لكن الورقة التي يستطيع بها الإسرائيلي مسْكنا بها “من اليد التي تؤلمنا” هي مسألة الوجود الروسي، الذي عطلنا في مرات عديدة من أن نبادر نحن بفتح معركة مع الإسرائيلي. بتقديري، لا نستطيع، في ظل هذا الوجود، أن نبادر وأن نورط بمواجهة مفتوحة مع الاحتلال أبداً مع العلم أن إسرائيل غير قادرة على معركة مفتوحة، لكننا سنضغط بعدة عناوين وأبرزها مسألة استعادة الجولان بطريقة أم أخرى.

مصير “التنف”

لننتبه إلى أمر مهم للغاية. لقد “ورّط” السوري، وحلفاءه، الأمريكي الذي دخل على الجغرافيا السورية ظنّاً منه بأنه سيؤسس لمرحلة وجود تمنحه “ورقة ضغط” مستقبلية خلال المفاوضات القادمة أو صرفها في عناوين سياسية قادمة. على سبيل المثال، ظن الأمريكيون أن تواجدهم سيحظى، بعد فترة من الزمن، بغطاء أممي يتمثل في عملية إخراج جميع القوى الأجنبية من سوريا، وبالتالي سيتوازى هذا الوجود غير الشرعي مع الوجود الروسي والإيراني الشرعي اللذين لهما دور إيجابي على عكس الوجود الأمريكي. فلقد استطاع الدور الروسي – السوري – الإيراني أن “يصفِّر” الدور الأمريكي داخلياً، حتى أن الأخير تواجه مع التركي في العنوان “الكردي”، إذ لم يبقَ بين يديه ملفاً يعمل عليه لتشريع وتثبيت وجوده العسكري.

بالتالي نحن نقول، الأمريكيون خسروا هذا الملف أيضاً. حتى استثماره في “داعش” وبعد هدم وتحريب المدن السورية وتشريد أهلها، لم يستطع، في السياسة، القول “إنني أنا من دافع عن داعش في يوم من الأيام”. إضافة إلى ذلك، استثمر الأمريكي علاقته مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد” إلى أبعد الحدود لكنه، وفي نهاية المطاف، حصد خلافاً مع الروسي والإيراني والتركي والسوري. من هنا وبرأيي الشخصي، إن الوجود العسكري على الأرض سيشكل “عبئاً” على الأمريكي بدلا من أن يوفر له شروطاً أفضل في المفاوضات، خصوصاً وأن السوري، يرتب له مجموعة من المراحل؛ فإن لم يخرج، سيواجه مقاومات وطنية تدعمها الدولة بطريقة مباشرة أم غير مباشرة ستلحق به هزيمة كبيرة جداً وبالتالي يكون قد فشل في جميع ما خطط له على المستوى الداخلي السوري.

العلاقات السورية – الأردنية

في هذا المجال، علينا أن ننتبه إلى أن الأردن لم يعد هو نفسه خلال العامين 2011 و2012، والسعودية اليوم ليست كما كانت عليه، وبالتالي فإن سورياً أيضاً ليست هي ذاتها في العامين 2014 و2015، خصوصاً وأنها باتت جزء من حلف انتصر ويريد الأمريكي إجهاض هذا النصر.

لقد أصبحت سوريا قوية بعلاقاتها وتأثيرها، قوية بتماسكها مع حلفائها. إن هذا الحلف، وأعني سوريا وروسيا وحزب الله وإيران والصين إلى حد ما، الذي واجه موجة التدمير يعتبر متماسكاً إلى درجة كبيرة نظراً لكونه يفتقر إلى الخلافات بين أعضائه وهذا سبب نجاحه وصلابته. أما الطرف المقابل، فيواجه مشاكل كبيرة فيه، وهنا أستطيع ذكر الخلافات السعودية – القطرية، والخلافات السعودية – التركية. بالنسبة إلى الأردن، يظهر بأنه تأثر كثيراً، وبطريقة سلبية، بتلك الخلافات حيث “تضعضع”، وهو الذي يعاني من أزمة اقتصادية كانت لتطيح به، وبات ينظر إلى مصالحه ومنها عائدات تقدر بما يقارب 3 مليار دولار سنوياً يجنيها من معبر “نصيب” الحدودي بدلاً من الوعود التي يقدمها له الأمريكي ومحوره. برأيي، سيسارع الأردن اليوم إلى فتح المعبر تحت عناوين اقتصادية، لا سياسية، وسيسعى إلى إقناع الحلفاء بذلك تحت عنوان “أنا ضد الإرهاب، ومعبر نصيب أمر مستقل”، وهو ما قد ينعكس إيجاباً على دول كثيرة في المنطقة منها لبنان وتركيا ودول الخليج.

مصدر الصور: العربي الجديد – سبوتنيك.