إعداد: يارا انبيعة

لا يترك رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، فرصة إلا ويستخدمها في حملته الإنتخابية وتغطية الإتهامات بالفساد التي تطاله وقد تدخله هو وعائلته إلى السجن، حتى ويستغلها ولو كانت تصب في مصلحة توتير علاقات كيانه بالدول الأخرى.

فبالرغم من الجهود التي تقوم بها الحكومة البولندية، بحسب مصادرها، من أجل نزع المسؤولية عن المحرقة أو ما سمي بـ “الهولوكوست”، إلا أن هذه الجهود يبدو أنها غير منتجة في ظل إثارة قادة هذا الكيان للموضوع في كل مناسبة سياسية، داخلية كانت أم خارجية.

تصريحات تطيح بالمؤتمر

خلال “مؤتمر وارسو للسلام في الشرق الأوسط” الذي عقد في بولندا ما بين 13 – 14 فبراير/شباط 2019، ألمح نتنياهو الى قانون مثير للجدل صوتت عليه الأغلبية المحافظة البولندية، في يناير/كانون الثاني 2018، يدين لائحة الإتهام الموجهة ضد الشعب البولندي بأسره أو للدولة بتهمة ارتكاب “جرائم ضد الإنسانية.

بعد تعيين نتنياهو كوزير للخارجية، أعاد إسرائيل كاتس إلى الواجهة تصريح رئيس وزراء الأسبق إسحق شامير الذي قال فيه، العام 1989، إن “البولنديين رضعوا معاداة السامية في لبن أمهاتهم، حيث إن معاداة السامية أمر متأصل في تقاليد البولنديين وعقلياتهم.” كاتس، الذين مات أهله في المحرقة، نأى بنفسه عن تطلعات نتنياهو، مصرحاً “لن يخبرنا أحد كيف نعبر عن وجهة نظرنا أو كيف نكرم أمواتنا”، حيث سبق وأن صرح أيضاً “نحن لن نغفر ولن ننسى”.

وغداة تصريح كاتس، قرر رئيس الوزراء البولندي، ماتيوش مورافيتسكي، عدم مشاركة بلاده في قمة مجموعة “فيشغراد”، معتبراً تلك التصاريح بمثابة “هجمة عنصرية”، معلناً أن شركاءه في مجموعة فيشغراد يتفهمون قراره، خصوصاً أن هناك حملة انتخابية في إسرائيل تفضي إلى رفع درجة حرارة الصراعات السياسية.

بعد تلك المواقف، وتحديداً في 19 فبراير/شباط 2019، تم الإعلان عن الغاء المؤتمر الذي كان من المقرر عقده في إسرائيل بسبب الأزمة بين وارسو وتل أبيب على خلفية المحرقة. فلقد سبق وأعلن رئيس الوزراء البولندي، ماتيوش مورافيتسكي، أن بلاده لن تحضر المؤتمر بسبب تصريحات نتنياهو وكاتس، ليعود بعدها ويقرر عدم مشاركة بلاده فيه، ليتم إلغاؤه بالمرة سبق هذا الموقف استدعاء سفيرة إسرائيل في بولندا وتوبيخها.

تلك المواقف، من المحتل ان تخلق توتراً آخراً بين الطرفين حيث اعلن وزير الثقافة البولندي، بيوتر غلينسكي، عن مسابقة لإدارة متحف تاريخ اليهود البولنديين، وفسرت هذه الخطوة على أنها محاولة من جانب اليمين للتخلص من مديره الحالي، المؤرخ المعترف به داريوس ستولا. لكن أغلبية حزب “العدالة والقانون” البولندي تعتبر ستولا أقرب للمعارضة الليبرالية، كما أنه ما زال يلقى دعماً من المعهد التاريخي اليهودي، أحد الكيانات الثلاثة التي تشترك في إدارة المتحف بالإضافة إلى بلدية وارسو ووزارة الثقافة.

بين مصالح كاتس وغرور نتنياهو

يعتبر كاتس من الرموز المحنكة في حزب الليكود، حيث يبدو بأنه يتطلع الى ترشيح نفسه خلفاً لنتنياهو، حيث يرى بعض المراقبين بأنه قد “وزن” خطواته وكلماته التي تسببت في خروج قمة فيشغراد عن مسارها، لإستخدامها في مصالحه السياسية. في ترجمة لما سبق، يبدو بأن العديد من القيادات تتبنى وجهة نظر كاتس الرامية الى تعريض نتنياهو لمصاعب في السياسة الخارجية، اضافة الى ما حدث يكشف بوضوح حالة عدم الإنضباط في الحكومة وداخل حزب الليكود ذاته.

خلال مؤتمر “وارسو”، حظي نتنياهو بإهتمام وسائل الإعلام والساسة في مختلف الدول، لا سيما بعد نجاحه بعد إحداثه خرقاً على ملف اللقاءات مع الدولة العربية. هذا الشعور ولد لديه مزيدًاً من “الغرور والزهو”، الأمر الذي دفعه الى ارتكاب حماقة لم يكن يعلم مدى تأثيرها وخطورتها عبر تصريحه بأن البولنديين تعاونوا مع النازية مما أثار غضب الحكومة البولندية، ونتج عن ذلك الغاء للقمة ما شكل له طعنة بالغة التأثير حيث كان يأمل بأن يسجل انجازاً سياسياً جديداً هو بأمس الحاجة إليه على ابواب الحملة الانتخابية.

إلا أن الكثير من المراقبين يرون ان دعوة نتنياهو لعقد القمة، في القدس المحتلة، تتجاوز في الواقع دوافعه الإنتخابية، فهو كان يسعى من وراء ذلك إلى إقامة علاقات قوية مع دول وسط أوروبا لإحداث انقسام في الإتحاد الأوروبي، خصوصاً وان هذه الدول تقودها سياسات يمينية أو يسار متطرف وشعبوية إلى درجة كبيرة، اذ يعول عليها احداث انقسام ضمن الإتحاد الذي يتخذ موقفاً يتعارض في كثير من الأحيان مع المواقف الإسرائيلية – الأمريكية، خاصة لدى التصويت في المنظمة الدولية. لكن ما حدث كان العكس. فقد وجه هذا اليمين “صفع” سياسية قوية لنتنياهو بإلغائه للقمة.

ما هو حلف “فيشغراد”؟

تعرف قمة “فيشغراد” بـ “Visegrád Group” أو “Visegrad Four” واختصاراً تعرف بمجموعة “V4” وتتكون من هنغاريا وبولندا وسلوفاكيا والتشيك، وهو تحالف سياسي وعسكري وثقافي بين الدول لدول أوروبا الوسطى الأربعة، خاصة أن تلك الدول تحظى بثقافات شبه متقاربة.

أطلقت التسمية على التجمع نسبة إلى مدينة “فيشغراد” الواقعة في شمال العاصمة المجرية بوادبست، على الضفة اليمنى من نهر الدانوب، تلك التي اجتمع فيها زعماء التحالف للمرة الأولى في 15 فبراير/شباط 1991. وبعد نحو 13 عاماً من تأسيس الحلف، انضم كل أعضائه إلى الإتحاد الأوروبي، وتحديداً في 1 أبريل/نيسان 2004، ليصبح واحداً من أقوى التحالفات الثقافية والإقتصادية والعسكرية والسياسية في أوروبا.

وفي 12 مايو/أيار العام 2011، قال بوغدان كليش، وزير الدفاع البولندي السابق، ان بلاده سوف تقود مجموعة جديدة من مجموعات الاتحاد الأوروبي التابعة لمجموعة Visegrád. وقد تم اتخاذ القرار في اجتماع وزراء الدفاع الـ V4 في مدينة ليفوزا بسلوفاكيا، وأصبحت مجموعة القتال جاهزة للعمل وتم وضعها على أهبة الإستعداد في النصف الأول من العام 2016. كما واتفق الوزراء أيضاً على ضرورة أن تجري الجيوش الـ V4 تدريبات منتظمة تحت رعاية قوة الرد التابعة لمنظمة حلف شمال الأطلسي، مع أول ممارسة من هذا القبيل ستعقد في بولندا في العام 2013، تضمنت مجموعة المعارك أعضاء V4 وأوكرانيا. ولكي تصبح نجاحاً استراتيجياً، يجب اختبار تجربة مجموعة القتال لفتح الباب أمام المزيد من أشكال التعاون الدائم في المنطقة.

في 14 مارس/آذار من العام 2014، تم توقيع اتفاقية حول هيئة عسكرية مشتركة داخل الإتحاد الأوروبي، وذلك استجابة لما سمي بالتدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، العام 2014، تتضمن الصفقة تدريبات عسكرية مشتركة، وتنسيق المشتريات والتنمية الدفاعية المشتركة. 

مصدر الأخبار: وكالات.

مصدر الصور: railwaypro – العين – Visegrad Youth Forum.