ميرنا عجيب*

من قال إن الصحافة هي “مهنة البحث عن المتاعب”، لم يخبر صحافيي فلسطين أن المتاعب هي من ستلاحقهم أثناء عملهم لأن إسرائيل تخشى الحقيقة وافتضاح ممارسات جيشها، وكشف عورتها المغطاة بمزاعم الديمقراطية، فتقوم باستهداف الصحافيين مع سبق الإصرار والعمد.

هاجر حرب، صحافية فلسطينية، روت لمركز “سيتا” بعضاً من هذه المتاعب والانتهاكات التي كانت إحدى ضحاياها عبر ما تعرضت له على يد الجنود الإسرائيليون خلال “مسيرات العودة”.

كمٌّ للأفواه

أثناء تغطية فعاليات مسيرات العودة، كنت مع مجموعة من الزملاء الصحافيين في منطقة تسمى “ملكة”، عند الحدود الشرقية لمدينة غزة وهي الساحة التي جرت العادة أن يتواجد فيها الشبان بعد صلاة العصر مباشرة، ودائماً ما تكون هناك مواجهات بين الشبان الفلسطينيين الثائرين وبين جنود الاحتلال الإسرائيلي. هنا، بدأت طائرات كيان الاحتلال بدون طيار تحلق في السماء بشكل دائري وتطلق قنابل الغاز بشكل هستيري، بالإضافة إلى الدبابات ايضاً، حيث كان هناك استهداف للكوادر الصحافية حيث دخلنا بحالة من الإغماء، أنا وعدد من الزملاء، نتيجة استنشاق هذا الغاز الملقى علينا بشكل مباشر، وتلقينا الإسعافات الأولية من قبل الطواقم الطبية وجهاز الدفاع المدني الذي يتواجد هناك بشكل دائم.

جرائم متعمدة

عدد كبير من الزملاء تعرضوا لمثل هذه الاعتداءات بشكل شبه لحظي، فالاحصائيات تتحدث عن 146 حالة بين الكوادر الصحافية ما بين حالة استشهاد، عبر الاستهداف بالأعيرة النارية في أماكن خطيرة كالجسم والقلب والرقبة والبطن، أو تتسبب في بتر للاطراف.

خلال تغطية المواجهات مع كيان الاحتلال، نتعرض لكثير من الاعتداءات بين الحين والآخر، فالتجربة التاريخية مع هذا العدو تؤكد أنها ليست المرة الأولى التي يعتدي فيها بل خلال كل فترة النضال كان الصحافي الفلسطيني، كما غيره من المواطنين، في مواجهة آلة القمع الإسرائيلية وبالتالي هو عرضة لكثير من الانتهاكات. لقد أصبح الصحافي عرضة للاستشهاد أو الإصابة، كما أن بعضهم، في مناطق أخرى كالضفة والقدس، قد اعتقل على خلفية عملهم الإعلامي وما يتبعها من عمليات مصادرة لأدوات التصوير بطريقة عنيفة.

نريد حصانة

يعيش الصحافي الفلسطيني تحت خطر كبير وشديد لأنه يواجه عدواً لا يحترم أي قوانين أو مواثيق دولية. للأسف، لا أحد في العالم ينظر إلى معاناة الصحفيين الفلسطينيين الذين هم دائماً بحاجة الىنوع من الحصانة كونه يمثل “السلطة الرابعة”، ويمثل صوت الحقيقة، بالتالي يجب أن يكون لديه ما يمكنه من أن يكون صوت الحقيقة الذي ينقل معاناة شعبه، ولكن هذه الحماية للأسف مفقودة لدينا.

عدالة القضية

ما يدفعنا لذلك هو إيماننا بعدالة قضيتنا الفلسطينية، إيماننا بأحقيتنا كبشر في أن نعيش ونحيا ويكون لنا كرامة ووطن. كذلك، فإن رسائلنا الإعلامية تستند في الدرجة الأولى على كشف حقائق وجرائم الاحتلال، والكشف عن طبيعة ما يرتكبه بحق الفلسطينيين في كل مكان، بالتالي الرسالة لن تتوقف، ودماء الصحافيين من الأسرة الإعلامية هي من “تعبد الطريق” للآخرين ليبني جسراً من الحقيقة ويفضح هذا العدو المجرم، وليقول للعالم أجمع أن الصحافي الفلسطيني يقف جنباً الى جنب مع أبناء شعبه وعدالة قضيته، وهو الصوت الصادح للحق في هذا البقعة التي تسمى فلسطين.

العالم بدأ يتغير

لأنه يخشى من كشف الحقيقة، هذا هو المبرر الرئيسي، لأنه يرتكب ممارسات النازية بأبشع صورها ضده، فهو يعتقل، ويصادر الأراضي، ويقتل ويستوطن، ويعدي على الحق، ويحاصر ويرتكب كافة أشكال القتل التي تندرج تحت مسمى الإجرام بكل أشكاله. لذلك، فهو يخاف من منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي ومن الملاحقة، على الرغم من أن العالم لا يعطي أهمية كبيرة لما يفعله كيان الاحتلال في فلسطين ولكن هي تضع في حساباتها أن العالم اليوم بدأ يتغير، وأن الحكومات، سواء كانت عربية ام غير العربية، تصطف إلى جانب الحكومة الصهيونية وممارساتها، إلا ان هناك إيمان بأن الشعوب لا زالت يقظة ولا يزال لديها الوعي الكافي لتدافع عن القضية الفلسطينية وتؤمن بأحقيتها، كذلك فإن كيان العدو يخشى من ثورة الشعوب على الأرجح.

معاناة مزدوجة

الشعب الفلسطيني يعاني الأمرين، يعاني من الاحتلال ومن المؤامرات ومن تكالب الجميع عليه، هو بحاجة إلى من يسانده ويقف إلى جانبه، فهو يعاني من الاضطهاد والعنصرية والفاشية الصهيونية، ويعاني من الحرمان والحصار والهمجية والعنف. كل الفلسطينيين يعانون في القدس، في الضفة الغربية، في الداخل المحتل، في قطاع غزة وللأسف الأوضاع آخذة في التراجع يوماً بعد يوم.

*صحفية سورية زميلة

مصدر الصورة: موقع الرأي.