إعداد: يارا انبيعة
بعد موجة من أعمال العنف العنصري، وفي خضم تصاعد موجة احتجاجات يقودها اليمين المتطرف ضد سياسات الهجرة في البلاد إثر مقتل مواطن ألماني طعنا على أيدي مهاجرين، وما تركته الجريمة من أصداء، تشهد مدينة كيمنتس في ولاية ساكسونيا شرقي ألمانيا، توترا حادا، حيث أعلنت شرطة ولاية ساكسونيا الألمانية أن 20 شخصا أصيبوا جراء أعمال شغب رافقت مظاهرات لعناصر أقصى اليمين وأخرى لأفراد اليسار نظمت في مدينة شيمنيتس.
فيما وصفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، حادث طعن الألماني في مدينة كيمنتس الشرقية بالحادث المروّع، وقالت إن الاحتجاجات عقب الحادث غير مقبولة ولا مكان لها في دولة تحت حكم القانون.
تغيير سياسة الهجرة
شهدت مدينة كيمنتس عدة مظاهرات لعناصر أقصى اليمين، على خلفية مقتل رجل طعنا بالسلاح الأبيض جراء شجار مع أجانب، ودعا الوطنيون الأوروبيون ضد أسلمة الغرب “بيغيدا”، المعادون للمهاجرين والمسلمين، وحزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني إلى تنظيم تجمع جديد في المكان الذي وقع فيه الشجار بين حوالي عشرة أشخاص.
وطالبت “بيغيدا” الحكومة بتعزيز أمن المواطنين وتغيير سياستها إزاء مسألة الهجرة، مدعية أن القتيل البالغ من العمر 35 عاما تعرض للطعن وهو يقوم بحماية زوجته، وعقب الحادث، تظاهر نحو مائة شخص في المدينة تلبية لدعوة من الحركات اليمينية، مرددين شعارات مثل “الأجانب إلى الخارج” و”هذه مدينتنا” و”نحن الشعب”.
وأكدت الشرطة حصول احتدام مع هؤلاء المحتجين، إذ رشق بعضهم أفراد الأمن بزجاجات، ويتحدث شهود عيان عن مهاجمة المتظاهرين على طول الطريق للأجانب من خلال مطاردتهم.
مواقف حازمة
وردأ على هذه الإحتجاجات، أطلقت السياسية اليسارية سارة فاغنكنيخت، حركة جديدة في ألمانيا تدعى “انهضوا” (أوفشتيهن) متخذة من حملات السيناتور الأميركي بيرني ساندرز وزعيم حزب العمال البريطاني جيريمي كوربن نموذجاً لها.
وذكرت فاغنكنيخت، أن هدفها هو مواجهة السياسات الليبرالية الجديدة التي تتبعها حكومة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الائتلافية الوسطية، خصوصاً في ملف الهجرة، في حين يسجل اليمين المتطرف تقدماً على الخريطة السياسية في البلاد.
كما تهدف إلى الكفاح من أجل تأمين الوظائف والمعاشات التقاعدية وحماية البيئة والوصول إلى ديمقراطية حقيقية لا تحكمها المصارف والشركات وجماعات الضغط، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية، ويأمل مؤسسو الحركة بأن ينشطوا ويجمعوا في حركة شعبية واحدة أتباع أحزاب اليسار الثلاثة في ألمانيا، وأن يستعيدوا أصوات الناخبين من الطبقة العاملة الذين دفعتهم خيبة أملهم إلى دعم حزب البديل لألمانيا اليميني المتشدد.
وأطلقت فاغنكنيخت (49 عاماً) من حزب «دي لينكي» المشروع برفقة وزوجها أوسكار لافونتين (74 عاماً)، وهو وزير المالية السابق الذي انشق عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي (يسار وسط).
وبما أن “انهضوا” لا تزال على حركة أكثر منها حزباً سياسياً مسجلاً، فبإمكان أي شخص الانضمام إليها بما في ذلك اليساريون من “الخضر” المدافعون عن البيئة.
وأطلق موقع الحركة الإلكتروني في منتصف أغسطس/آب2018، معلناً لن يتمكن أي سياسي أو حزب من حل مشكلاتنا إذا لم نقم نحن أنفسنا بذلك، وفي موقف غير مستغرب، يرفض قادة الأحزاب اليسارية الثلاثة خطة فاغنكنيخت – لافونتين وسط انقسام الآراء بشأن أهدافها وفرص نجاحها، ويرى بعض المراقبين أن الحركة ليست أكثر من تحالف متأخر كثيراً للقوى اليسارية التي خسرت الأصوات وثقتها خلال حكم ميركل، التي وصلت إلى السلطة قبل 13 عاماً، حتى أن البعض لقّبها بـ”المستشارة الأبدية”.
مظاهرات مضادة
خرج آلاف الألمان في مدينة “كمنتس” في مظاهرة حاشدة ضد اليمين المتطرف والدعوات العنصرية التي ينادي بها ضد الأجانب، ورفضا لأعمال الشغب والعنف، ودفاعا عن اللاجئين والمهاجرين في ألمانيا.
وقدر المنظمون عدد المتظاهرين بحوالي 65000 ألف متظاهر توجهوا إلى مدينة “كمنتس” من مختلف المدن الألمانية تلبية للدعوة و(الوسم) الذي أطلق على مواقع التواصل الاجتماعي “wirsindmehr” وتعني (نحن أكثر) في إشارة إلى التفوق العددي على المتطرفين واليمينين، وهو “وسم” أطلقته إحدى الفرق الموسيقية الألمانية الشهيرة معلنة عن عزمها إقامة حفل فني كبير في “كمنتس” ردا على احتجاجات وأعمال الشعب التي جرت في المدينة الأسبوع الفائت من قبل أنصار وموالي اليمين المتطرف عقب مقتل مواطن ألماني من أصل كوبي.
مظاهرات “نحن أكثر” لم يغب عنها تفاعل وتضامن اللاجئين السوريين في ألمانيا إن كان من خلال مشاركة البعض منهم في التظاهرة أو من خلال نشر “الوسم” والتضامن مع الحملة التي ترفض التمييز والعنصرية الممارسة ضدهم من قبل أتباع اليمين المتطرف.
وأكد الناشط السوري في ألمانيا “يوسف الزيتون” الذي يشرف مع نشطاء آخرين على إدارة أكبر مجموعة للتواصل الاجتماعي في ألمانيا (البيت السوري في ألمانيا)، أن الكثير من اللاجئين السوريين تفاعلوا مع الوسم الذي وجدو فيه دعوة من قبل الغالبية العظمى من الألمان للتضامن معهم ضد موجات التطرف والعنصرية التي تنامت بعد أحداث “كمنتس” الأخيرة.
وأضاف الزيتون، أن تظاهرة “نحن أكثر” الرافضة لليمين المتطرف في “كمنتس”، أعادت الطمأنينة الى نفوس اللاجئين السوريين وغيرهم من الأجانب، بعد أن تعمد هؤلاء المتطرفين إلى زرع الخوف والقلق على صفحات التواصل الاجتماعي، وهو ما أثر سلبا على الحياة اليومية للكثير من اللاجئين وانعكست على دراستهم وأعمالهم.
ودعا الزيتون بعض مواطني الجالية العربية القديمة في ألمانيا إلى الوقوف بصف اللاجئين وليس بصف أحزاب اليمين التي تدعو إلى طرد اللاجئين والأجانب.
تنديد وتضامن
وفي ذات السياق، تدفق عشرات الآلاف من الأشخاص إلى حفل موسيقي مناهض للعنصرية في مدينة كيمنتس، ويهدف إلى مواجهة احتجاجات اليمين المتطرف والعنف اللذين شهدتهما المدينة الواقعة شرقي ألمانيا مؤخراً.
وبحسب سلطات المدينة، تجمّع نحو 50 ألف شخص تحت شعا wirsindmehr# (“هناك المزيد منَّا” لمواجهة موجة احتجاجات اليمين المتطرف والنازية الجديدة التي أُثيرت على خلفية واقعة طعن مميتة اشتُبه في عراقي وسوري بارتكابها منذ أكثر من أسبوعٍ مضى.
وعقب الوقوف دقيقة حداداً على ضحية حادثة الطعن الألماني من أصل كوبي، دانييل إتش، بدأ المتحدثون في مخاطبة الحشود التي جاءت إلى الحفل رافعة لافتات تندد بالعنصرية، وقالت رولا صالح، العضوة بمجموعة شبابية في كيمنتس: ليت هناك هذا القدر من التضامن كل يوم، وليس فقط في كيمنتس، بل في أرجاء البلد كلها.
كما ناشدت المستشارة أنجيلا ميركل شعب ألمانيا الاحتشاد ضد الكراهية، وقال ستيفن سيبرت، المتحدث باسم ميركل: ؤلاء الأشخاص الذين يتظاهرون ويميلون للعنف -وأظهر بعضهم كذلك دون خجل قربهم من النازية- لا يمثلون كيمنتس ولا ساكسونيا بأكملها، وهم ليسوا (الشعب) أيضاً، في إشارة إلى هتاف: “نحن الشعب” الذي ردده اليمينيون المتطرفون ومؤيدو النازية الجديدة خلال احتجاجاتهم على مدار الأيام الماضية.
مصدر الأخبار: وكالات.
مصدر الصورة: روسيا اليوم.