إعداد: مركز سيتا
على الرغم من تجريمها في كل دول العالم، أصبحت عملية الإتجار بالأعضاء البشرية رائجة في ظل إزدياد بؤر النزاعات والحروب، إلى جانب إرتفاع معدلات الفقر، إذ لم يقتصر الأمر فيها على الأموات، بل على الأحياء أيضاً.
جريمة موصوفة
إن الإتجار بالأعضاء البشرية هو عمل غير قانوني ومُدان على نطاق واسع من قبل الحكومات والمنظمات الصحية الدولية. لكن الغريب في الأمر أنه ينمو بسرعة فائقة حول العالم، ويحظى بقبول متزايد من قبل العديد من الجراحين المتخصصين حيث تنطوي هذه التجارة، يمكن القول بأنها تعتبر “تجارة مركبة” لوجود العديد من العناصر فيها، كإزالة الأعضاء، وبيع أجزاء من أجساد المتوفين، وبيع كلى الفقراء، وسرقة أعضاء الأسرى والسجناء واللاجئين والمهاجرين، وشراء الأعضاء من قبل المرضى في السوق السوداء، والإعلان عن بيع الأعضاء عبر الإنترنت.
هذا فضلاً عما بات يُعرف باسم “سياحة زراعة الأعضاء” حيث تسهيل السفر والخدمات الراقية للمانحين والمتلقين حول العالم.
شبكات عملاقة
هذه الظاهرة باتت أكثر تعقيداً، على الصعيدين الإخلاقي والقانوني، مما يمكن تصويره في الإتفاقيات الدولية، كإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة، لعام 2004، والإعلانات العالمية، مثل إعلان إسطنبول بشأن الإتجار بالأعضاء وسياحة زراعة الأعضاء لعام 2008.
ويرجع سبب تعقيدها الكبير هذا إلى ارتباطها الوثيق بسياسات إدارة السكان في ظل الأنظمة الإقتصادية العالمية، وأولها الرأسمالية المتأخرة والنيوليبرالية الإجتماعية والإقتصادية المعاصرة.
لم تعد تجارة الأعضاء البشرية تقتصر على صفقات تجري في مناطق نائية من دول العالم الفقير، بل تحولت إلى إمبراطورية عملاقة تديرها شبكات من المافيات، تضم أطباء وأساتذة جامعات وحتى سياسيين وعسكريين في حكومات دول متقدمة، لتخرج عن نطاقها المحدود إلى العالمية، إذ تجري سنوياً عشرات الآلاف من عمليات بيع الأعضاء البشرية في السوق السوداء مدرة لأرباح سنوية تصل إلى ما يربو على الـ 8 مليارات دولار، ولا ينال أصحاب الأعضاء المباعة منها سوى الفتات.
طرق الإتجار
أصدرت اللجنة الأممية لمنع الجريمة والعدالة الجنائية، في مايو/أيار من العام 2014، قراراً يمنع ويوصي بمكافحة الإتجار بالأعضاء وبالبشر. وبحسب تصنيفات الأمم المتحدة، يتم توفير الأعضاء بثلاث طرق: الطريقة الأولى، إجبار التجار الضحايا أو خداعهم من أجل التخلي عن أحد الأعضاء. الطريقة الثانية، تمثل في الإتفاق مع الضحايا، بشكل رسمي أو غير رسمي، على بيع عضو معين حيث يتم خداعهم ولا يدفعون لهم ثمن العضو، أو يدفعون مبالغ زهيدة تكون أقل بكثير من السعر المتفق عليه مسبقاً. أما الطريقة الثالثة، يحصل من خلال ادعاء علاج الأشخاص الضعفاء (الفقراء أو المهاجرين أو المشردين أو الأشخاص الأميين) بسبب مرض قد يكون موجوداً أو غير موجود، وتتم إزالة الأعضاء من دون معرفة الضحية.
وفي حالات أخرى، تجند منظمات إرهابية، مثل تنظيم “داعش” الإرهابي، أطباء في مناطق الصراع التي يعملون فيها؛ لإستئصال الأعضاء الداخلية من جثث القتلى أو المصابين، أو حتى الأفراد الأحياء الذين يتم اختطافهم. كما يحصل تجار الأعضاء على سلعهم من خلال تشكيل عصابات تختطف الأطفال وتقتلهم قبل سرقة أعضائهم، وكثيراً ما تم العثور على جثث العديد من الأطفال بعد فترة وجيزة من اختفائهم من دون أعضائهم الأساسية.
وحول ذلك، في تقرير قدمه الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بان كي مون العام 2004، يقول فيه إن الدول الأعضاء بالمنظمة الدولية لا تقدم معلومات كافية بشأن قضية الإتجار بالبشر، ما يجعل هذه التجارة غير مستكشفة إلى حد بعيد، وتعمل بسرية فائقة.
فتش عن إسرائيل
بحسب العشرات من الدراسات والتقارير الحقوقية والإعلامية الدولية، تعتبر إسرائيل عاصمة هذه التجارة، فهي المشتري الأكثر إستهلاكاً، إذ لها خطوط إنتاج للكلى فتحتها في ملودوفا، شرقي أوروبا، حيث يعيش معظم الرجال هناك بكلية واحدة، مستغلة دخلهم المحدود للغاية، فمعظم سكان البلاد يعيشون على أقل من دولارين يومياً. أما لجهة التبرع، فإن إسرائيل بها أقل عدد متبرعين في العالم، ويرجع ذلك إلى معتقد يهودي يرى أن التبرع بالأعضاء فيه “تدنيس للجسد البشري”.
ضمن تحقيق استقصائي نشرته القناة الثانية الإسرائيلية، كشف عن شبكات مافيا كبيرة تعمل بتجارة الأعضاء البشرية في الدولة العبرية، إضافة إلى حجم الأموال التي يتم تدويرها سنوياً في مجال هذه التجارة ضمن إسرائيل نفسها حيث يبلغ نحو ربع مليار شيكل، أي ما قيمته 71.4 مليون دولار. على سبيل المثال، يتراوح سعر الكلية ما بين 700 ألف ومليون شيكل، 200 – 286 ألف دولار، تأخذ منها شبكة تجارة الأعضاء ما بين 350 – 500 ألف شيكل، 100 – 140 ألف دولار، ويأخذ بائع الكلية ما بين 80 – 120 ألف شيكل، 22 – 34 ألف دولار.
وبحسب التحقيق ذاته، يعمل في هذه التجارة نحو 280 إسرائيلياً، في الداخل والخارج، بينهم أطباء ووسطاء، كما تتم عمليات زراعة الأعضاء، التي يتم الإتجار بها في كل من إسرائيل، وتركيا، والفلبين، وبلغاريا، وتايلاند، والصين، وكولومبيا.
الحكم الديني
أجمع الفقهاء بعدم جواز بيع الإنسان لأي عضو من أعضائه، مشيراً إلى أن جسد الإنسان ملك لله، وأمانة لا بد أن يحافظ عليها ويصونها. فالشريعة الإسلامية، كرمت جسد الإنسان في حياته وحتى بعد مماته، ولكن يجوز في حالة إذا أوصى المتوفى بنقل أحد أعضائه للغير. وإذا رأى الطبيب المختص، بأن عضو من جسده سوف يساعد في إحياء غيره ويبعث فيه الروح، وفي حالة عدم وجود وصية فيترك الأمر للسلطات المختصة لتحدد الأمر.
أما كنسياً، لا تجد الكنيسة أي تشويه للجسد أو خدش لكرامته، بل تعتبره عملاً إنسانياً، حيث يدعو المسيح إلى المحبة والتضحية وبذل الذات من أجل القريب والغريب، وعملية التبرع بالأعضاء هي تجسيد لتعاليمه.
أخيراً، إن التبرع بالأعضاء بالتراضي قد يبعث على الحياة مجدداً. لكن إن إقتطع عنوة دون إذن المتبرع أو موافقته، هو جريمة ضد الإنسان والإنسانية خصوصاً إذا ما تمت مقابل المال. إن كل ما يتم بعيداً عن مفهوم الرضى والقبول، في هذا الشأن، يتم إدراجه في خانة جرائم الدرجة الأولى، وعلى الحكومات أجمع أن تدرس هذه الظاهرة وتحد منها من خلال إفتتاح مراكز لوهب الأعضاء للراغبين في ذلك، سواء كان المتبرع حياً (ما لم يشكل التبرع خطراً على حياته) أو ميتاً، مع تشديد المراقبة عليها لمنع وصول الفساد إليها وإستغلالها.
فمن خلال تلك المراكز، سيجد كل محتاج ضالته. أما ترك الأمور دون تشريعات وتقنين، فستبقى هذه الظاهرة تجارة رابحة وسلاحاً بيد المافيات، إذ لم يعد أحد منا بمأمن منهم، خصوصاً وأننا نعيش في عصر التقدم التكنولوجي.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: CAPX – Getty.