صدر عن اتحاد الكتّاب العرب، كتاب بعنوان “تجليات الحرب على سورية”، للدكتور شاهر إسماعيل الشاهر، أستاذ العلاقات الدولية، وكتب الدكتور فيصل المقداد، نائب وزير الخارجية والمغتربين، مقدمة تتحدث عن الأزمة السورية.
يجهد الكاتب الشاهر بين دفتي هذا الكتاب للقراءة في الحرب الظالمة التي عصفت ببلدنا سورية وكلّفت الوطن والشعب والدولة، خسارات لا تعوّض في الأرواح والعمران والثقافة والاقتصاد والتعليم والصحة، كما يبينّها في الفصل الأخير من الكتاب، فيقع على مخططات للهيمنة والتقسيم والحروب المتعددة الوجوه التي تمليها مصالح استعمارية عدوانية، كانت سورية عقدة مستعصية بوجهها.
ويستعرض مؤلف الكتاب هذه المخططات ومنطلقاتها، ليضع بين يدي القارئ صورة عن المسرح الدولي عشية الحرب على سورية.
ويواكب الدكتور الشاهر تفاعل اللاعبين الأساسيين على مسرح الحرب، وكيف غيرت في حساباتهم وغيروا في مسارها.
ويقف المؤلف في كثير من الأحيان في نقاط للحياد الافتراضي من أجل تقديم صورة أكثر دقّة للأحداث وهو يراقب تطوّرها، من مبادرات سياسية وأحلاف وحروب ويوميات دفع السوريون خلالها أغلى ما لديهم لحماية بلدهم، وتجنيبه خطر السقوط والتقسيم والتحوّل إلى ساحةٍ يتقابل فيها اللاعبون إلى ما لا نهاية، فنجحت سورية بأن تبقى اللاعب الأول في ملعبها، الذي انقسم فيه وحوله العالم بين حلفاءٍ لهم يميّزهم صدق التزامهم بسورية الموحدة والسيّدة والقوية، كشريك في مفهوم دولة الاستقلال والسيادة، وبالمقابل حلف الحرب والاستباحة والتقسيم والفوضى والعدوان الذي تقوم علاقات أطرافه على الاستتباع والاستلحاق.
يتناول الشاهر في كتابه عن استهداف سورية كونها دولة عربية مقاومة ومواجهة للمشاريع العدوانية، إضافة لموقعها الجغرافي الهام في المنطقة والعالم، وامتلاكها إمكانات هامة في الاقتصاد والصناعة العالمية.
تدفع سورية الثمن الباهظ بشرياً ومادياً واقتصادياً وسياسياً، وما يلحق بها من دمار وخراب وبأيدٍ إرهابية، عربية وأجنبية مدعومة من أنظمة عربية وإقليمية.
ويوضح أن محاولة إسقاط الدولة السورية إنما يعني تحقيق أهداف العدو الأمريكي– الصهيوني والدول الاستعمارية، وتمرير مشاريعهم الهادفة إلى إسقاط الأمة والهيمنة على مساحاتها الجغرافية وثرواتها النفطية بشكل خاص، وكذلك إسقاط المشروع المقاوم للهيمنة الاستعمارية، وأحلام أردوغان الوهمية المستندة إلى تحقيق أطماعه، لأن يصبح سلطان العصر والزمان.
ويشير الدكتور الشاهر إلى أن مواجهة الإرهاب في سورية والقضاء عليه مرتبط بالأمن الدولي ويخدمه، ذلك لأن العصابات الإرهابية التي تسفك الدماء وتنزل الخراب والدمار في القطر العربي السوري تستهدف أيضاً العديد من دول المنطقة والعالم والشواهد كثيرة، من أبرزها ما أصاب فرنسا وروسيا وبلجيكا وبريطانيا وإسبانيا وألمانيا ودول أخرى في هذا العالم، كما تجدر الإشارة، في هذا الصدد إلى أنّ ما واجهته الدول الشرق أوسطية، والمنطقة العربية بدولها كافة هو مجرد انعكاسات للنظام الدولي الجديد منذ انهيار الاتحاد السوفييتي وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالزعامة الدولية، حيث تحول الصراع بين الشرق والغرب إلى صراع بين الشمال والجنوب، إضافة إلى مساعي السيطرة على خيرات دول العالم الثالث وإضعاف المنظمات التي تجمع بين دول العالم الثالث، وتكوين كتلة دولية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة أي تكتل دولي معارض للنظام الدولي الجديد، رغم بروز بعض الدول المؤهلة مستقبلاً لأن تكون أقطاب موازية للولايات المتحدة الأمريكية، وزيادة هيمنة الدول الكبرى على ثروات الشعوب المستضعفة بحجة تشجيع الاستثمار وحرية التجارة، وزيادة التدخل في الشؤون الداخلية للدول الصغرى تحت غطاء نشر الديموقراطية وحقوق الإنسان، علاوة على العمل على سحق الدول التي تقف بوجه السياسات والاستراتيجيات الأمريكية، وتتبنى أيديولوجيا معادية لتوجهاتها، ليتضح بذلك محورية الاستهداف الصهيوني الأمريكي لسورية الدولة العربية الشرق أوسطية.
ويؤكد المؤلف أنه وعلى الرغم من أنّ ثبات سورية على مبادئها ودفاعها عن المصالح الوطنية والقومية أضحى تقليداً وعنواناً أساسياً لهذا البلد. إلا أنّ ما شهدته السنوات الأخيرة من ظروف وتطورات نوعية وجديدة على الساحة الإقليمية والدولية، جعلت من ثباتها على مواقفها شيئاً أشبه بالمعجزة، أي أنّه أخذ شكل التحول النوعي، أو التطور النوعي.
لقد أكّدت سورية قدرتها على الذهاب حتى النهاية عند اشتداد الضغوط والتهديدات، ما جعل قوى الهيمنة تشعر بقوة الموقف السوري وثباته، وتتراجع أمام هذا الموقف.
لقد شكّلت السنوات الماضية بداية مرحلة جديدة حافلة بالأحداث الدولية والإقليمية التي تأثرت بها سورية والمنطقة العربية، ومع ذلك كان لسورية فيها موقف محدد، وهي مرحلة تحتاج بالفعل إلى دراسة متعمقة لا تتسع لها الصفحات المتاحة في هذا الكتاب.
ويختم الدكتور الشاهر كتابه بالحديث عن أن أحد أهم التحديات التي ستواجه سورية في المرحلة القادمة هو كيفية تدعيم سياستها الخارجية بسياسة داخلية أكثر كفاءة، فسورية تعاني من ضعف مزمن في هذا المجال، فالحكومات المتعاقبة كانت تستنزف دوماً في الداخل النجاحات التي تتحقق في السياسة الخارجية، فأداء الحكومات في السنوات الأخيرة لم يشذ عن هذه القاعدة، وهذا يدل على خلل بنيوي في الأداء الحكومي لابد من معالجته بجدية، وهو ما دفع السيد الرئيس بشار الأسد إلى طرح مشروع الإصلاح الإداري كمدخل للإصلاح ككل.