أمجد إسماعيل الآغا*

لا شك بأن فشل الخطط الإستراتيجية لا تقتصر نتائجها على عدم تحقيق الأهداف المرسومة فحسب، بل يؤدي فشلها إلى رسم واقع جديد يحمل أبعاداً سياسية وميدانية مختلفة كلياً عما تم التخطيط له، فضلاً عن استحالة العودة إلى نقطة البداية التي انطلقت منها تلك لخطط لنكون أمام فشل استراتيجي لا يمكن إحصاء نتائجه وتداعياته.

هذا حقيقة ما وصلت إليه إسرائيل في سوريا، خاصة بعد تساقط أوراق العدوان وفشل طموحات القوى الإقليمية والدولية التي أرادت إخراج سوريا من دائرة التأثير الإقليمي، وإبعادها عن محورها المقاوم. ففي بداية الحرب، سعت تل أبيب لإضعاف الدولة السورية بكل الطرق المتاحة، ومن بينها محاولة إشعال حرب أهلية من خلال دعم الجماعات الإرهابية، الأمر الذي ثبت فشله بفضل صمود الشعب السوري وقيادته وقواه الوطنية، ودعم الدول الحليفة لهم وفي مقدمتهم إيران وروسيا وقوى المقاومة وفي طليعتها حزب الله.

من هنا، تخشى إسرائيل تعاظم قوة محور المقاومة بعد فشل ما تم التخطيط له في أروقة الإستخبارات الإقليمية والدولية، لتكون إسرائيل اليوم أمام معادلة استراتيجية جديدة تبدأ من التموضع الإقليمي الجديد الذي فرضه حلفاء سوريا، مروراً بتعاظم قوة حزب الله وتراكم الخبرات القتالية لديه، والتي ستكون حاضرة وبقوة في أية مواجهة مقبلة مع دولة الكيان، وانتهاء باصطفاف موسكو إلى جانب دمشق سياسياَ وعسكرياً، الأمر الذي سيخرج تل أبيب من دائرة التأثير في المنظومة التي أنتجتها الدولة السورية، والتي ستشكل واقعاً إقليمياً ودولياً جديداً في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة.

مأزق يبحث عن حلول

إن الواقع الإقليمي الجديد، أدخل إسرائيل في دوامة البحث عن مخارج وحلول لإحتواء مفاعيل الإنتصار السوري ونتائجه المستقبلية، فباتت تل أبيب أمام خيارين؛ الأول، ابتلاع الهزيمة والإنكسار. والثاني، شن حرب على سوريا ومحورها المقاوم. كلا الخيارين يحملان نتائج كارثية على دولة الكيان، حيث أن البيئة الإقليمية الجديدة التي شكلها الصمود السوري ومعادلات الردع، إضافة إلى تشكيل منظومة المقاومة دمشق – طهران –  بغداد – حزب الله، هي معطيات لا يمكن أن يبددها أي خيار يدرس في إسرائيل.

واستناداً إلى نتائج الإنتصار السوري وتداعياته، تحاول إسرائيل إخراج إيران وحزب الله من سوريا كخيار استراتيجي بديل، لذلك فهي تخوض حرباً دبلوماسية وسياسية هدفها الضغط على عواصم القرار الدولي لتعفيل الخيار الإسرائيلي الجديد. فالذي يؤرق دولة الكيان أنه بدلاً من إسقاط البعد الإقليمي المؤثر للدولة السورية، باتت سوريا، اليوم، وجيشها ومنظومة المقاومة أكثر قوة وخبرة قتالية، ما يؤدي إلى تشكيل رادع لأي دور وظيفي لإسرائيل وتقييده في المستقبل.

أما البعد الإستراتيجي الآخر الذي يؤرق إسرائيل، يكمن في أن روسيا، وانطلاقاً من نتائج وتداعيات هذا الإنتصار، أصبحت طرفاً أساسياً في المعادلات الإقليمية الجديدة، وبات من المفروض على إسرائيل التعامل مع هذا الواقع السياسي العسكري الجديد؛ صحيح أن هناك علاقات بين تل أبيب وموسكو، لكن الأخيرة ترفض المساس بسوريا قيادة وجيشاً وشعباً، لأن القيادة الروسية تدرك تماماً أن إضعاف الحليف الإستراتيجي سيكون في مصلحة المشروع الأمريكي في المنطقة. وعليه، لا يمكن مساومة الروسي على أي ورقة من شأنها تحجيم ما تم تحقيقه من نتائج في سوريا.

إذاً، لا حلول ناجعة في يد تل أبيب، فالمصالح الإستراتيجية التي تجمع دمشق ومحيطها كفيلة بتبديد أي رهان إسرائيلي من شأنه الحد من نتائج الإنتصار السوري. وقد يذهب البعض إلى فرضية إخراج إيران وحزب الله كمطلب إسرائيلي، لكن هذا الأمر حدده الرئيس السوري، بشار الأسد، في إحدى مقابلاته حيث قال “أما بالنسبة لموضوع إيران تحديداً، ولكي أكونَ واضحاً العلاقة السورية – الإيرانية هي علاقة استراتيجية، ولا تخضع للتسوية في الجنوب ولا في الشمال، وهذه العلاقة بمضمونها ونتائجها على الأرض مرتبطة بحاضر المنطقة ومستقبلها، وبالتالي هي ليست خاضعة لأسعار البازار الدولي، ولا سوريا ولا إيران لن تطرح هذه العلاقة في البازار السياسي الدولي لكي تكون مكاناً للمساومة، فكل ما طرح هو طرح إسرائيلي، الهدف منه استفزاز إيران وإحراجها، وبنفس هذا الوقت يتوافق مع البروباغاندا الدولية الآن ضد إيران”، مضيفاً “أما بالنسبة لنا في سوريا، فالقرار بالنسبة لأراضينا هو قرار سوري حصراً، ونحن نخوض معركة واحدة، وعندما يكون لدينا قرار بالنسبة لإيران سوف نتحدث به مع الإيرانيين ولن نتحدث به مع أي طرف آخر”، وعليه فأي طرح إسرائيلي في هذا الشأن سيكون بلا جدوى.

ختاماً، إن ما يصدر من مواقف لقادة دولة الكيان الإسرائيلي، يؤكد أن تل أبيب تعيش حالة من التخبط السياسي والإستراتيجي، بل أكثر من ذلك، فهي تعيش في مأزق حقيقي نتيجة الإنتصار السوري، فالحسابات والمعادلات الإقليمية تغيرت لصالحها بالرغم من تصريحات رئيس وزراء الكيان، بنيامين  نتنياهو، “الخرقاء” لجهة مواصلة استهداف العمق السوري، سيما وأن سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، كان قد سبق وأعلن صراحة بأن بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي إذا تعرضت سوريا، حليفة موسكو الإستراتيجي، إلى أي نوع من العدوان من قبل إسرائيل.

إن المتغيرات الدولية، وموازين القوى في سوريا وهزيمة الإرهابيين، وضعت إسرائيل في مأزق استراتيجي كبير لن تخرج منه في المستقبل المنظور ولفترة طويلة على الأرجح.

*كاتب وإعلامي سوري

مصدر الصورة: رصيف 22 – إرم نيوز.