إعداد: يارا انبيعة
مرت العلاقات بين مصر والاتحاد السوفياتي، بعد ثورة العام 52 بمراحل عدة، ففي عهد الرئيس جمال عبد الناصر كانت الصداقة المصرية – الروسية وتحديداً بعد أزمة بناء السد العالي حيث سحبت واشنطن تمويلها، وهذا حذا بالرئيس عبد الناصر الى تأميم قناة السويس لتمويل المشروع، والانتقال بسياسة مصر الى الجانب الآخر من العالم، حيث فتح علاقات مميزة مع الاتحاد السوفياتي والدول الشيوعية.
في المقابل، توترت العلاقات بين البلدين ابان حكم الرئيس محمد انور السادات، الذي قاطع السوفييت بطرده للخبراء الروس في العام 1972، كما اتبع ما عرف بـ “سياسة الإنفتاح”، والانتقال نوعاً ما، من النظام الإشتراكي الذي ثبته الرئيس عبد الناصر الى النظام الليبرالي، اضافة الى توقيعه لإتفاقية “كامب ديفيد” مع اسرائيل في العام 1979، وهو ما قربته كثيراً من المحور الأمريكي.
ظلت القطيعة مستمرة مع موسكو الى ان تولى الرئيس الأسبق، محمد حسني مبارك، الحكم واتبع سياسة “المواربة” في العلاقات معها، واضعاً في اعتباره وجود الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تنظر له على انه “الحليف القوي” لها في المنطقة، حيث استمرت العلاقات متلازمة مع جانب من الحساسية الى ان جاء الرئيس عبد الفتاح السيسي الى سدة الحكم والذي جعل من روسيا “الحليف الأقوى” لمصر.
تأرجح بين “الدب” و”النسر”
بين “الدب” الروسي وأبناء “العم سام”، تبدو سياسات الرئيس عبد الفتاح السيسي متأرجحة بين القوتين الأكبر عالمياً، ما يدفع للتساؤل حول مدى مكسب او خسارة مصر من ذلك التأرجح، وهل السيسي حائر بينهما بالفعل ام انه يتبع سياسة التوازن.
في هذا الخصوص، اعرب الكاتب الصحافي المصري، انور الهواري، عن مخاوفه من ان يؤدي تقلب سياسات السيسي بين موسكو وواشنطن الى خسارتهما معاً، مشيراً الى ان تنقلاته السياسية المباغتة من شأنها ان تفقد مصر ثقة البلدين، واصفاً الرئيس السيسي بأنه “ملاح تائه، فاقد للبوصلة، في بحار اقليمية ودولية هائجة ومضطربة.”
إستثمارات حيوية روسية
بدت علاقات القاهرة وموسكو في اوجها اثر زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لمصر ولقاءه بالرئيس السيسي، مدشنين معاً عدداً من المشروعات الروسية الحيوية في بمصر، على غرار توقيع عقد انشاء محطة الضبعة النووية بقدرة 4800 ميجاوات بإستثمارات 25 مليار دولار، وبالتعاون مع شركة “روس اتوم” الروسية، حيث اعلنت روسيا، ايضاً، عن بناء مستودع لتخزين الوقود النووي المستنفد المنوي استخدامه في محطة “الضبعة” النووية.
وشهد ايضا لقاء الرئيسين الإعلان عن انشاء اول منطقة صناعية روسية في محور قناة السويس، بمساحة 5 كلم2، واستثمارات بلغت حد الـ 7 مليارات دولار في شرق بورسعيد، كما تم الحديث عن درس مشاريع انشاء منطقة لوجستية للصادرات المصرية في روسيا.
وفي 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، كشفت الحكومة الروسية عن اتفاق مع مصر يسمح للطائرات العسكرية للدولتين بتبادل استخدام المجال الجوي والقواعد الجوية، وذلك استكمالاً لما اورده موقع “برافادا” الروسي، في اكتوبر/تشرين الأول 2016، من ان روسيا استأجرت قاعدة عسكرية بمدينة “سيدي براني” بمطروح، شمال غرب البلاد في اتفاق يتم تنفيذه بداية 2019، مقابل تحديث روسيا للمنشآت العسكرية المصرية على البحر المتوسط.
جاء ذلك بعد ان شاب التذبذب العلاقات المشتركة على خلفية تفجير الطائرة الروسية، 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، والتي انسحبت سلباً على علاقة البلدين وبخاصة السياحة الروسية لمصر.
وخلال كلمته امام منتدى “فالداي” الدولي للحوار، عبر الرئيس بوتين عن اهتمامه البالغ بالتعاون مع مصر في المجال العسكري، حيث قال ان “روسيا تتعاون بنشاط مع مصر في مجال التعاون العسكري والتقني العسكري، ونجري تدريبات مشتركة منتظمة”، واضاف “لقد طورنا وسنواصل تطوير علاقاتنا، وشركاؤنا (المصريون) مهتمون بذلك”.
عقود وعروض تسليح مغرية
كشف السفير الروسي في القاهرة، سيرغي كيربيتشينكو، عن تفاصيل تزويد روسيا الجيش المصري بأحدث الأسلحة بما في ذلك انظمة الدفاع الجوي المتطورة. واوضح كيربيتشينكو ان احد الدوافع لتطوير التعاون العسكري التقني بين البلدين مصدره الحرب على الإرهاب، مضيفاً “استطيع ان اقول ان حجم الإمدادات الروسية من الأسلحة الى مصر كبير جداً، والنطاق واسع، فهو يغطي كلا من القوات الجوية والدفاع الجوي والقوات البحرية والبرية”
اما بخصوص شراء مصر لأنظمة الدفاع الجوي الروسية “أس.400، فقد اكد كيربيتشينكو “ان التفاصيل المتعلقة بهذا الأمر يعتبرها الجانب المصري ملكاً لوزارة الدفاع المصرية، ويحترم الجانب الروسي حقوق الشركاء المصريين”، منوهاً بأن التعاون العسكري التقني المشترك يتوافق مع جميع المعايير الدولية.
اما على صعيد الصناعات العسكرية، فلقد تقدمت روسيا لمصر بعرض عسكري – مدني، يعد الأول من نوعه لهذا البلد، وهو عبارة عن بناء منشآت متحركة او محمولة تستخدمها القوات المسلحة في تخزين الطائرات الكبيرة لغرض الإصلاح والصيانة، بالإضافة الى تصنيع اغطية للدبابات والمعدات العسكرية بهدف الحفاظ عليها.
روسيا والمطارات العسكرية المصرية
قال رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية الخاصة بالشرق الأوسط، فلاديمير فيتين، ان روسيا قد تستخدم المطارات العسكرية المصرية ضمن اتفاق قد يتم ابرامه بين البلدين في هذا الشأن، مضيفاً ان تلك المطارات سوف تمنح روسيا ميزات كثيرة؛ على رأسها تزويد المقاتلات والطائرات العسكرية بالوقود، واعتبارها نقطة دعم لوجستية اضافية تساعد القوات الروسية في العملية العسكرية الناجحة في سوريا خصوصاً مع وجود تطابق بين موقفي روسيا ومصر حول الوضع في سوريا، بحسب فيتين، سيما وان موقف القاهرة مما يحدث في دمشق يعتبر متقدماً على الكثير من الدول الإقليمية والعربية الأخرى.
كما اوضح فيتين ان مصر تأمل في تحقيق تقدم ضمن مجال التعاون العسكري الفني مع روسيا، وانه نظرا للعلاقات المستقرة والودية المشتركة، فأنه يعتقد ان مثل هذه الأعمال، كإستخدام روسيا للمجال الجوي المصري، هو “امر منطقي جداً وممكن”.
السيسي وترامب
انه “ذو شخصية مميزة ومتفردة جعلته يحقق المستحيل”. هذا ما قاله الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن نظيره المصري خلال لقائهما في الرياض، مايو/ايار 2017.
فمع قدوم الرئيس ترامب الى رأس السلطة في بلاده، بدت العلاقات المصرية متقاربة، الى حدٍ ما، مع التوجهات الأمريكية في ملفات وموضوعات اقليمية ودولية عديدة، مثل ملف “صفقة القرن” الذي خرج للعلن لأول مرة اثناء لقاء الرئيسين في واشنطن، ابريل/نيسان2017. الا ان الرئيس السيسي قد عاد واكد ان “صفقة القرن” ليست سوى “تعبير اعلامي” اكثر منه سياسي، وان موقف مصر معروف ومعلن منذ البداية، وهو انها تقف مع “اعلان دولة فلسطينية مستقلة” والتطبيق الكامل لكافة قرارات الشرعية الدولية.
تصنيع الأسلحة الأمريكية
تعتبر دبابة “أبرامز” الأمريكية من ابرز الأسلحة التي تقوم مصر بإنتاجها واستخدامها اذ يتركز العمل على استقبال مكونات الأجزاء المنتجة محلياً وتلك المشحونة من شركة جنرال ديناميكس”(General Dynamics) الأمريكية، حيث تتم بعد ذلك عملية التجميع والتصنيع لكامل الدبابات الثقيلة من طراز M1A1.
في بداية الثمانينات من القرن الماضي، قامت مصر بإجراء اختبارات ميدانية لإختيار دبابة المعركة الرئيسة لقواتهم البرية، وكبديل للمنظومات السوفييتية المتقادمة لديهم، من بين عدد من الدبابات العسكرية الموجودة في العالم الى ان تدخلت الولايات المتحدة وقدمت عرضاً مغرياً لانتاج هذا الطراز، خصوصاً وان تمويل انتاجها سيكون من خلال المساعدات الأمريكية المجانية التي بدأ المصريين في تحصيلها من العام 1987 (بحدود الـ 1.3 مليار دولار سنوياً).
توقيع إتفاقية “CISMOA“
تشير المعلومات الى قيام مصر بالتوقيع على اتفاقية “CISMOA”، تعتبر اختصاراً لـ “Communication Interoperability and Security Memorandum Agreement” اي “اتفاقية مذكرة التشغيل التبادلي للاتصالات وامنها”، في مطلع العام 2018 بعدما عارضت ذلك لأكثر من ثلاثة عقود، بحسب ما قاله قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال جوزيف فوتيل.
من خلال تلك الإتفاقية، فإن الدولة الموقعة عليها ان تقوم بربط انظمتها واجهزة اتصالاتها العسكرية مع تلك الأمريكية، في مقابل هذا تتيح واشنطن للدولة الموقعة عليها الحصول على احدث النظم التسليحية المتاحة بكامل إمكانياتها. كما اشارت بعض المعلومات الى ان تلك الإتفاقية ستسمح للولايات المتحدة بالتفتيش الدوري على الأسلحة التي ستحصل عليها مصر، للتأكد من عدم نقل التكنولوجيا لطرف ثالث، والحقيقة ان CISMOA ليس لها علاقة مباشرة بالسماح لواشنطن بالتفتيش على اسلحتها بمصر، فتفتيشها على أسلحتها المباعة للقاهرة اجراء متبع منذ بدء حصول مصر على اسلحة أمريكية، هذا يدلل على برقية سرية نشرتها ويكيليكس، يعود تاريخها الى مارس/آذار 2009، تتحدث عن التحقيق في ارتكاب مصر لإنتهاكات متعلقة باستخدام الأسلحة الأميركية، من بينها السماح لمسؤول عسكري صيني بزيارة طائرة F-16 داخل منشأة تابعة لسلاح الجو المصري، وهو ما يؤكد وجود تفتيشات دورية.
“المعونة الأمريكية”
اكد تقرير نشره موقع “جلوبال بوست” الأمريكي ان من يملك قرار المعونة الأمريكية للجيش المصري في واقع الأمر ليس ادارة واشنطن بل شركات السلاح الأمريكية المستفيدة اقتصادياً من هذه المعونة. ونشر الموقع قائمة بأكبر عشر شركات امريكية التي تقدم السلاح لمصر، منذ العام 2009 وحتى العام 2012، وهي نفس الشركات التي تمارس ضغوطها على الإدارة الأمريكية لكيلا يلحق بها ضرر ما.
من هنا، يعتبر العديد من المراقبين بأن هذه المعونة تعتبر “إدارة ابتزاز” امريكية في يد واشنطن تستخدما بوجه القاهرة عند كل منعطف سياسي او مطلب استراتيجي من اجل الضغط عليها لتنفيذ مطالبها.
اللاعب المتلون؟!
يبدو ان الرئيس السيسي يقف على مفترق طرق، ويحاول المشي “بين الأفخاخ” خصوصاً وان تشابك العلاقات المصرية مع العديد من الدول الإقليمية، على سبيل المثال تجمعه علاقات متوترة مع تركيا منذ استلامه السلطة اذ ان تركيا تستضيف ما يقارب على 3000 معارض مصري اضافة الى دعم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لحكومة الإخوان المسلمين السابقة.
الى ذلك، دخلت مصر على خط الخلاف الخليجي – الخليجي من خلال مقاطعة قطر التي اتهمتها القاهرة بدعمها للإرهاب، خصوصاً في ليبيا التي تعتبر مجال امن قومي، لتأتي قبلها الأزمة السورية فتثقل كاهل الحكم في مصر بعد القرارات التي اتخذتها ادارة الرئيس السابق، محمد مرسي، وما نتج عنها من اخراج دمشق من الجامعة العربية.
لكن مفترق الطرق الاساس كان احداث 3 يوليو/تموز 2013، عندما تمت الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي وحكومته المدعومة من قبل واشنطن حينها وتحديداً وزير الخارجية السابقة هيلاري كلنتون. ومع استمرار هذا “الفتور” عند تولي الرئيس السيسي لمقاليد الحكم، يرى العديد من المراقبين انه اضطر الى ان يستند على حليف آخر مخافة تدهور العلاقات بين القاهرة وواشنطن، فكان التقرب الى موسكو، وقليلاً الى بكين، هو الحل الأمثل.
من هنا، نرى موافقة روسيا على بيع فرنسا لحاملتي الطائرات “مسيترال”، بحسب بنود العقد الذي فُسخ على اثر العقوبات ضد موسكو نتيجة ضمها لشبه جزيرة القرم، وقيامها بتسليحها بمقاتلات “التمساح” المروحية الروسية. هذا الموقف وغيره، دعا عدداً من مستشاري البيت الأبيض الى التدخل لإعادة المعونات العسكرية الى مصر من اجل “إبقائها تحت السيطرة”.
قد يُظن ان لعب دور “المتلون” قد يكون مناسباً للرئيس السيسي ومصر، لكن بلا شك فإن هذا الدور هو الأصعب في منطقة تعيش يومها بحاضرها ومساءها، فهي لعبة خطرة جداً خصوصاً ان “الدببة” الروس و”المجنون” ترامب لا يمزحون.
مصدر الأخبار: وكالات.
مصدر الصور: نون بوست – موقع رام الله الإخباري.