إبراهيم ناصر*
بين الحين والآخر ينشغل الرأي العالمي والإسلامي والعربي بقضية ما، تكثر فيها السجلات والجدالات بين العديد من الباحثين دون علم بحقيقة حيثيات وملابسات القضية، منجرين وراء الشائعات والتصريحات التي لا اساس لها، والتي في الغالب ما تؤدي الى قراءت خاطئة للأحداث الجارية وهذا ما نسميه بـ “الوقوع في فخ تصدع الحقيقة”. وعليه، في هذا التحليل سنقوم بسرد اسباب هذا التصدع وتداعياته على المجتمعات العربية والعلاقات بين دولها التي يكمن ابرزه في:
– الإنحياز المعرفي: ونعني بذلك بأن المحلل السياسي او الناشط الميديائي يستقي معلوماته من جهه او مصدر منحاز، وعليه يبني مواقفه وارائه السياسية. وبالتالي، بالرغم بروز الحقيقة كسطوع الشمس في وضح النهار، الا ان المنطلق الفكري والمصلحه الشخصية والوظيفية تجبر الناشط الميديائي بأن يدلي برأي مغايراً للحقيقة، او برأي يشكك بها. وفي الوقت ذاته يقدم قناعاته وتجربته الشخصية على حساب البيانات والحقائق، وهذه الميول دائماً ما يسهم في طمس الفارق بين الرأي والحقيقة وتسمح بتداخل الرأي في الحقيقة في بعض الحالات.
– التحول في نظام المعلومات: نقصد بذلك بأن ظهور وسائل التواصل الإجتماعية زاد من عملية تدفق وتناقل المعلومات بصورة فائقة، حتى اصبح الإعلام الالكتروني في حالة مواجهة مع الصحف الورقية التقليدية، وادى الى تقليل انتشارها بجانب نشر المعلومات المضلله والمغرضة والمتحيزة والتى يهدف منها تضليل الرأي العام من اجل توجيه الأحداث في مسار يخدم مصالح سياسات بعض الدول والكيانات، وهذا ما يجعل النخبة الميديائية محدودة التفكير والرأي لإستقراء بعض الأحداث السياسية. على سبيل المثال، الحدث الذي يشغل الجميع وهو حدث اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي، في بداية الشهر اكتوبر/تشرين الأول 2018، اذ اثار لغط اعلامي منقطع النظيرعبر نشر الكثير من المعلومات المضللة، ما دفع بعض المحللين لإستقراء الحادث بصورة خاطئة دون التريث في المعلومات والمعطيات المتوافرة، متأثرين بالإستقطاب السياسي الذي تتبعه بعض وسائل الإعلام بمختلف انواعها.
– الإستقطاب السياسي المنظم الذي تتبعه وسائل الإعلام: من اجل غنم المصالح السياسية والإقتصادية، تقوم بعض الجهات الإعلامية بنشر معلومات مضلله ومتحيزة، او استقاء الإستشارات والأخبار بالإستناد الى الرأي بدلاً من الوقائع، وهذا ما يؤدي الى تصدع الحقيقة، ما تسبب في تقليل فرص المحللين في قراءة المتغيرات بصورة دقيقة.
على سبيل المثال هناك قطبان اعلاميان في الوطن العربي، اي قناة الجزيرة والعربية. وكما هو معروف لدى الجميع ان كلتاهما تتبعان لدولتين متعارضتين في المصالح والرؤى السياسية، ويروجان لمشاريع وسياسة بصورة تخدم مصالح مالكيهما.
وتأسيساً على ما تقدم يمكن القول بأن تصدع الحقيقة، وتطويعها لأهداف الدول المتعارض مصلحياً، تضلل الكثيرين، ما يتسبب في احتقانات مجتمعية وشعبية بين مواطني الدول المتجاورة. وفي الوقت عينه، يؤثر على علاقات شعوب المتشاركة ثقافياً ولغوياً، ودينياً، وبالتالي يمكن لنا ان نوصي النخب الميديائية الحذر من الوقوع في فخ تصدع الحقيقة.
*باحث بمركز أنقرة لدراسة الأزمات والسياسات – “أنكاسام”
مصدر الصورة: بي بي سي.