في الذكرى السادسة والسبعين لاستقلال باكستان، أي في 14 آب الماضي، أدى أنوار الحق كاكر اليمين الدستورية كثامن رئيس وزراء مؤقت للبلاد، ليتسلّم قيادة البلاد في واحدة من أصعب المراحل التي مرت عليها، نتيجة الأزمات السياسية التي تعيشها في الوقت الراهن.

وإن كان دور الحكومة المؤقتة -وفق الدستور الباكستاني- منوطٌ بشكل رئيسي بإجراء انتخابات عادلة وشفافة ونزيهة، إلا أن الظروف الحالية تفرض على حكومة كاكر ممارسة مهام هي في الواقع أكبر مما قد يوكل لحكومة مؤقتة، حيث تبرز عدة ملفات أساسية تشكل المعضلة الأكبر في المرحلة المقبلة.

أولها أزمة تحديد موعد الانتخابات، فعلى الرغم من أن موعد الانتخابات يجب أن لا يتجاوز التسعين يوماً -وفق الدستور الباكستاني- إلا أن حكومة شهباز شريف السابقة سارعت لتمرير مرسوم إجراء الانتخابات وفق الإحصاء السكاني الآلي الأخير، وبالتالي فإن الإحصاء الجديد الذي بيّن زيادة عدد السكان ليصل إلى حوالي 250 مليون نسمة، يفرض بطبيعة الحال ترسيماً جديداً للدوائر الانتخابية في الأقاليم الأربعة (البنجاب، خيبر بختون خوا، السند، وبلوشستان) وبالتالي سيزداد عدد المقاعد التمثيلية للأقاليم في الجمعية الوطنية (البرلمان الفيدرالي) في عملية تحتاج لمدة أربعة أو ستة أشهر (وفق مفوضية الانتخابات الباكستانية المسؤولة عن هذه العملية الإدارية) لتصبح الحكومة المؤقتة قادرة على إجراء انتخابات عامة، وعليه فإن الانتخابات لا يمكن إجراؤها قبل شهر شباط أو آذار من العام المقبل.

طبعاً والهدف من هذه الخطوة التي “اختلستها على عجالة” الحكومة السابقة لا يقتصر على الرغبة في تعزيز شفافية وعدالة الانتخابات كما يتم الترويج له إعلامياً، بل هو تمهيد زمني من قبل حزب الرابطة الإسلامية جناح نواز شريف لضمان تحصيل المكاسب في القضيتين اللتين تشكلان المعضلتين السياسيتين المتبقيتين في وجه حكومة “كاكر” لتصريف الأعمال المتمثلة بملف عودة رئيس الوزراء السابق الفارّ من العدالة نواز شريف من لندن إلى باكستان، وقضية سجن عمران خان.

كان نواز شريف قد غادر السجن في تشرين الثاني من العام 2019 لتلقي العلاج في لندن بعد إدانته في قضية فساد بناءً على “تسريبات بنما”، ولم يعد رئيس الوزراء السابق الذي تولى الحكم ثلاث مرات منذ ذلك الحين إلى البلاد رغم إنتهاء مهلة العلاج التي منحها القضاء الباكستاني له وخرج على أساسها شريف من السجن، ليعتبر بعد ذلك مجرماً فاراً من العدالة.

والآن يُجري حزب الرابطة الإسلامية الترويج الإعلامي اللازم لعودة نواز شريف المرتقبة إلى باكستان خلال الشهر المقبل، وفي ذلك تأكيد على “اتفاق مبهم” أُبرم من تحت الطاولة مع القضاء الباكستاني وأصحاب اليد الطولى في إدارة البلاد (المؤسسة العسكرية) بهدف تمكين شريف من قيادة حملة حزبه الانتخابية بل وتولي منصب رئيس الوزراء للمرة الرابعة إذا خرج الحزب منتصراً من السباق الانتخابي المقبل، وعلى هذا النحو يشكل ضمان تطبيق العدالة بحق نواز شريف تحدياً بارزاً لحكومة كاكر المؤقتة، فكيف سيتم التعاطي مع ملف شريف القضائي؟ وهو الذي من المفترض -من الناحية القانونية- أن يتم اعتقاله بمجرد وصوله إلى مطار لاهور، عاصمة إقليم البنجاب.

وعلى نحو مماثل، شكلت قضية سجن عمران خان مؤخراً حالة اضطراب عام في البلاد، حتى باتت قضية “رأي عام”، وفيما رفض القضاء الباكستاني الطعن بقرار السجن بدايةً، في طابعٍ عكس تسييس الحكومة السابقة لملف عمران خان القضائي، يبقى التحدي الأكبر للحكومة المؤقتة الحالية هو مدى قدرتها على التعامل مع كافة الأطراف السياسية بحياد تام، خاصةً عندما يتعلق الأمر بملف سجن عمران خان، الشخصية السياسية الأكثر شعبية في البلاد، وذلك بعيداً عن التسييس واستغلال المركز الرسمي لمصالح حزبية خاصةً في هذه الفترة الحساسة، وفي إطارٍ لا ينتقص من حق أي من الأطراف السياسية.

وما يزيد الطين بلة هو الوضع الاقتصادي المتأرجح على شفا الانهيار، في ظلّ أزمة الطاقة التي تعرقل عمليات الإنتاج وبالتالي تجبر الصادرات الباكستانية على التراجع، الأمر الذي يؤثر سلباً بطبيعة الحال على الميزان التجاري المنكسر أساساً.

كما باتت خدمة الديون تشكل تحدياً كبيراً للبلاد في ظل ارتفاع مخاطر عدم السداد وارتفاع الفائدة، فضلاً عن أزمة تراجع الروبية أمام الدولار، التي تعمق بدورها الأزمة الاقتصادية، كما سيكون على حكومة كاكر المؤقتة إجراء محادثات مع وفد صندوق النقد الدولي الذي سيزور باكستان خلال شهر تشرين الثاني المقبل لإجراء مراجعة اقتصادية للترتيب الاحتياطي البالغ 3 مليارات دولار الذي مُنح لباكستان سابقاً، وفشل هذه المحادثات سيمنع باكستان من الحصول على شريحة مالية قدرها 700 مليون دولار، وبالتالي فإن آمالاً كبيرة تُعلّق على الأداء الاقتصادي للحكومة المؤقتة، وهذا بحد ذاته سابقة تاريخية في باكستان.

وعلى هذا النحو، تعيش البلاد ظروفاً استثنائية بكل ما للكلمة من معنى، وتبقى الحكومة المؤقتة الحالية بطلة السيناريو الذي سيرسم للبلاد في المستقبل القريب، والذي سيرسم على أساسه مستقبل باكستان في السنوات الخمس المقبلة انطلاقاً من نتائج الانتخابات المقبلة.

مصدر الصور: سكاي نيوز – getty.

إقرأ أيضاً: الإنتخابات الباكستانية: بين الترحيب والتنديد

علي حسين

إعلامي مختص بالشؤون الآسيوية – باكستان