شارك الخبر

إعداد: يارا انبيعة

دولة النفط والذهب. فنزويلا، الدولة الثائرة على الظلم الغربي. يصعب تفسير ما قد حدث لها، ربما تكون عبارات “الفشل الإقتصادي”، من خلال بعض السياسات الداخلية والضغوط الخارجية، غير كفيلة بوصف حال واحدة بعدما كانت اغنى دول العالم “على الورق”، وكيف بات شعبها يهرب منها لأن سعر كيلو الجبنة فيها اضحى بـ 8 ملايين بوليفار!!

أعداد مخيفة

تشهد فنزويلا منذ عدة سنوات ازمة اقتصادية شديدة، حيث توقع صندوق النقد الدولي ان يبلغ مستوى التضخم المالي فيها مليون بالمئة بحلول نهاية العام 2018، الأمر الذي يسمح بمقارنة الوضع الحالي في فنزويلا بما كان عليه في المانيا عام 1923، وزيمبابوي في بداية القرن الـ 21.

من هنا، اعلنت دائرة المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة الهجرة العالمية ان عدد المهاجرين من فنزويلا يبلغ 4 ملايين شخص في العالم، وتدل معلومات المنظمة على ان 2.4 مليون منهم يعيشون في بلدان امريكا اللاتينية والدول الكاريبية هرباً من الفقر والتضخم وافلاس الأجهزة الرسمية ونقص المواد الغذائية، وهو ما يزيد من اعباء دول القارة المثقلة اصلاً بالهموم.

في هذا الخصوص، افادت شركة “Consultores 21” للأبحاث بأن العدد الإجمالي للفنزوليين الذين غادروا وطنهم، بعد وصول الرئيس نيكولاس مادورو الى الحكم في ابريل/نيسان 2013، يتجاوز الـ 4 ملايين شخص. فيما ونقل موقع “El Nacional” عن تقرير الشركة نفسها ان عدد اللاجئين قد يتجاوز بحلول نهاية العام 2018 عدد 4.6 مليون شخص، فيما يبلغ عدد سكان فنزويلا 31 مليون شخص. من جهته قال منسق البحث، ماركوس ايرناندس، ان “فرار سكان فنزويلا يعد ازمة انسانية بسبب النمو الذي لا يمكن الإشراف عليه لسيل اللاجئين من فنزويلا والذي تعود بدايته الى عام 2016”.

بدورها قالت مصادر في الأمم المتحدة ان 1.6 مليون شخص هربوا، منذ العام 2015، من الأزمة الاقتصادية والسياسية العميقة التي تعصف ببلادهم، وقد لجأ حوالي 90% منهم إلى بلدان المنطقة، لكن ارقاماً اخرى تشير الى ان عددهم في الخارج اكبر بكثير حيث يقول مرصد الشتات الفنزويلي، في جامعة فنزويلا المركزية، ان 3.8 مليون شخص غادروا البلاد، منذ بداية عهد الرئيس الراحل هوغو تشافيز العام 1999.

بالتالي، ان نسبة الفنزويليين المقيمين في الخارج الموزعين في تسعين بلداً يشكل نسبة ما بين %10 و12% من اجمالي الشعب الفنزويلي الذي يبلغ عددهم بحدو الـ 31 مليون نسمة، حسب الإحصاء الأخير، واغلبهم يتوزع على دول كولومبيا، والإكوادور، والبيرو، وتشيلي، وهي الدول المعروفة بحيويتها الإقتصادية.

وجدير بالذكر ان عدد الفنزويليين الذين غادروا بلادهم في عهد رئاسة الراحل هوغو تشافيز (1999-2013) بلغ أقل من 800 ألف شخص.

تدهور حاد

بدأ كل شيء لدى انتخاب هوغو تشافيز، كما يقول توماس بيز، لكن التسارع الحقيقي لوتيرة الهجرة بدأ مع وصول نيكولاس مادورو الى الحكم في 2013. فهذا البلد الغني جداً والذي يمتلك اكبر احتياطات نفطية في العالم، شهد نضوب هذه الثروة المالية، عندما انهارت اسعار الذهب الأسود في 2014، حيث انها تعتمد على عائدات النفط التي تؤمن 96% من اجمالي دخلها.

ورداً على ذلك، عمدت الحكومة الى طبع مزيد من الأوراق النقدية، والنتيجة مزيد من السيولة التي تتراجع قيمتها بسبب عدم وجود واردات، وقال بيز ان غياب الأمان وعدم امكانية التحكم بحياتهم هما السببان الرئيسيان اللذان يدفعان الفنزويليين الى الرحي.، وتابع، في الوقت التي تنهار فيه قيمة البوليفار يتحول الوضع الى “ازمة إنسانية”.

كما ويشهد الاقتصاد الفنزويلي سقوطاً حراً، منذ العام 2013، حيث تقلص حجم الإقتصاد الكلي بنسبة اكبر من 18% في عام 2016، وكان حجمه اصغر في 2014 بنسبة 35% عما كان عليه العام 2013، وانخفضت انتاجية الفرد بمعدل اقترب من النصف، اي انه وبشكل فعلي اسوأ من اقتصاد سوريا، بينما يصنف الإقتصاد الفنزويلي بأنه ضمن اقتصادات قليلة شهدت اعنف حالات تضخم او ارتفاع مستوى اسعار في التاريخ.

ففي يوليو/تموز 2018، كانت اعين المتابعين للشأن الإقتصادي العالمي عامة والفنزويلي خاصة معلقة في دهشة كبيرة على الأرجح على تقرير صندوق النقد الدولي الذي يتوقع فيه، بشكل دوري، معدلات النمو الإقتصادي والتضخم في بلدان اميركا اللاتينية، خلال العام 2018، اذ توقع ان يصل التضخم في فنزويلا خلال النصف الثاني الى مليون في المئة، ويعني هذا الرقم شديد الضخامة لمعدلات التضخم ان اسعار السلع والخدمات قد ارتفعت بمقدار مليون مرة عن العام 2017.

في مقابل هذا الرأي، يرى لعديد من المراقبين بأن التدهور الكبير في الوضع الإقتصادي تقف وراءه قوى عظمى، اي الولايات المتحدة، التي تناهض قيام نظام الحكم فيها اضافة الى الضغط على دول اوبك، الحليفة لها، بزيادة انتاج النفط بهدف ضرب فنزويلا، وروسيا ايضاً، من خلال تدني سعر البرميل وبالتالي تتضرر الإقتصادات التي يقوم عمادها على هذا المنتج مما يؤدي الى وضع مالي مزري يمكن استثماره من اجل تأليب قوى الشعب على النظام وقلبه اما سياسياً، بالإنتخابات، او بالقوة، عبر انقلابات عسكرية ليست غريبة على تلك المنطقة، والمجيء بنظام يواليها خصوصاً وانها تعتبر القارة اللاتينية “حديقتها الخلفية”.

وما يعزز هذا الراي قيام الولايات المتحدة بفرض عقوبات على صادرات فنزويلا من الذهب ايضاَ، وحظرت تعامل مواطنينها مع الشخصيات والمؤسسات المتورطة في مبيعات الذهب “الفاسدة او المخادعة”. وعلى إثر هذه العقوبات، ارسلت فنزويلا الى بنك إنجلترا تطلب اعادة احتياطاتها من الذهب البالغة نحو 15 طنا تبلغ قيمتها 550 مليون دولار كانت قد احتفظت بها سابقاً في خزائن البنك، فيما مددت اوروبا العقوبات على فنزويلا لعام كامل، وهي عقوبات تتضمن حظراً على مبيعات الأسلحة ومعدات تستخدم في القمع الحكومي الداخلي، مع تمديد حظر السفر وتجميد اصول 18 مسؤولاً فنزويلياً بسبب “انتهاكات حقوق الإنسان وتقويض الديمقراطية وحكم القانون”.

أسباب أخرى

اجبر نقص الغذاء والدواء والإنقطاع المستمر في التيار الكهربائي والمياه مئات الآلاف من الفنزويليين على الفرار من البلاد إلى الدول المجاورة، وهو ما دفع بعضها الى اعلان حالة الطوارئ، بينما تحول اغلب الفنزويليين الى كسب المال بطرق غير مشروعة، حيث ارتفعت نسب انتشار العنف والجريمة بشدكل كبير. على سبيل المثال وفي العام 2014، كان معدل جرائم القتل، المبلغ عنها، يعادل الضحايا المدنيين في العراق، العام 2004، عقب الغزو الأميركي. لذا، تتبوأ فنزويلا ثاني اعلى معدل للقتل في العالم حالياً وربما، ومع ما هو قادم، تنتقل للصدارة .

إجراءات إقتصادية مرحلية

اعلن نائب الرئيس الفنزويلي، طارق العيسمي، ان بلاده قررت استبدال عملات اخرى بالدولار خلال تعاملاتها في السوق المالية الوطنية ضمن اطار برنامج التعافي والإرتقاء الإقتصادي لمواجهة الأزمة حيث اشار الى ان بلاده “تستبدل اليورو واليوان وعملات صعبة اخرى بالدولار في جميع التعاملات بسوق صرف العملات الوطنية”، لافتاً الى ان الدولار الأمريكي استخدم كـ “سلاح” في الهجمات الاقتصادية على كراكاس.

واضاف العيسمي ان الحكومة قررت توفير ملياري يورو لسوق الصرف الوطنية بواسطة الآليات المالية القائمة، وذكر كذلك ان السلطات التنفيذية ستطلب من الجمعية التأسيسية اصدار تشريعات تعاقب من خلالها المنظمات او الأشخاص المسؤولين عن تهريب العملة الى الخارج.

مستقبل الأزمة

تعاني بعض المدن الحدودية، في شمال البرازيل تواجه، “سيلاً” من المهاجرين الفنزويليين يفوق طاقتها، وقد حصلت صدامات عنيفة فيها بين المهاجرين والسكان المحليين، اذ حذر بعض المحللين بأن ذلك “ليس سوى رأس جبل الجليد”. هذا الأمر، ينذر بمشكلة كبيرة مع دول الجوار، بالتحديد، خصوصاً اذا ما تهدهور الوضع الإقتصادي الى ناحية ابعد مما هو عليه اليوم.

من هنل، يقول ألفونسو يانوتشي، المقيم في مدريد ومؤسس الموقع الإلكتروني “دياسبورا فنزويلا” الذي يجمع شهادات المهاجرين، انه “في البداية، كانت الهجرة خاصة بأشخاص يمتلكون رأسمال، وقد حصلوا تعليماً جامعيا”، واضاف “ثم جاء دور الطبقة الوسطى خصوصاً في قطاع التعليم.”

ويقول توماس بيريز برافو، العضو في مرصد الشتات والمقيم في مدريد ايضاً، انه لا تتوافر سوى صورة واحدة للمهاجرين هي “الفقراء”، لأن “الجميع فقراء”، مضيفاً انهم يهربون سيراً على الأقدام ليس لأنهم ليسوا كيميائيين او علماء اجتماع او مهندسين، بل لأنهم يحتاجون الى ثلاثين عام لتوفير المبلغ الذي يكفي لشراء بطاقة طائرة.

ورأى كارلوس مالامود، من معهد “الكانو” للبحوث في مدريد، انه “على الأمد القصير ومن اجل المصالح الفورية للحكومة، تعني (هذه المغادرات الضخمة) ضغطاً اقل على الصعيد السكاني وعلى الموارد المتاحة، لكن في المستقبل ولإنعاش الاقتصاد انها خسارة لا تعوض.”

في العموم، لا يمكن الجزم بنهاية “المباراة” بين النظام الفنزويلي والغرب رغم فوارق القوة الشاسعة. وبالرغم من ضعف الإقتصاد، بشكل لا شك فيه، الا ان كاراكاس تراهن على حلفائها في الشرق خصوصاً وان ملامح النظام العالمي الجديد بدات بالظهور، لكن المشكلة الكبرى تقع في عامل الوقت. فهل يستطيع الشعب الفنزويلي تحمل هذا العبء الى ان تتشكل معالم هذا النظام؟ السؤال يبقى رهينة الأيام.

مصدر الأخبار: وكالات.

مصدر الصور: الشرق الأوسط – يورو نبيوز.


شارك الخبر
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •