الشيخ كامل العريضي*

من حسنات فيروس “كورونا” والحجر الصحي أنه سمح لي صباح اليوم بمشاهدة مباشرة عبر موقع “ناسا” إطلاق أول صاروخ “Soyuz2.1a” بطاقم مؤلف من رائدي الفضاء الروسيين، أناتولي إيفانيشين وإيفان فاجنر، من الوكالة الروسية، والأمريكي، كريس كاسيدي، من وكالة ناسا الأمريكية، من قاعدة بايكونور الفضائية في كازاخستان، إذ أنه ومن المتوقع أن يلتحموا بوحدة خدمة “Zvezda” في المختبر المداري، تمام الساعة 10:16 صباحاً بتوقيت شرق الولايات المتحدة، وسيعمل الرواد، كاسيدي وإيفانيشين وفاجنر، بعد ذلك كطاقم من أفراد الرحلة “إكسبيديشن – 63″، المكون من ثلاثة أشخاص حتى رحيلهم المقرر في أكتوبر/تشرين الأول 2020.

إنطلاقا مما سبق، نجد أن فيروس “كورونا” عجز عن تحطيم طموح الإنسان، وما أعجزَه عن تحقيق مخططاته على الرغم من أن كل ما فعل على هذا الكوكب، حتى الآن، من أمور عجز عن فعلها أسلافه من الأوبئة التي فاقت العشرين. ومع ذلك، كانت الرسالة اليوم من محطة الفضاء الكازاخستانية أن العالم لن يتوقف، وأن العلم والتطور سوف يعالجان هذا الوباء كما عالجا ما سبقه، وذلك بفضل الله سبحانه الذي لا يصيب الخليقة ما يصيبها إلا بإرادته، والذي سوف يمن بلطفه وعفوه على العلماء بما يهديهم إلى صناعة علاج ناجع للفيروس، كما كان يحصل في الماضي.

وقد من علي هذا المشهد، وما واكبه من عملية الإطلاق وما سبقها من تجهيز وتحضير وإعداد، أن أتذكر إنجازاً تاريخياً كان بصمةً مشرفة في تاريخ لبنان العلمي، حيث إرتسم أمامي مشهد النادي اللبناني للصواريخ 1960 – 1967 عندما كان لبنان أول دولة شرق أوسطية تعلن عن تجارب صاروخية لغزو الفضاء بعقول لبنانية ودعم محلي. ترافق هذا الإنجاز اللبناني مع السباق الحاد الذي كان بين روسيا وأمريكا لإرسال أول رجل إلى سطح القمر.

بدأ هذا العمل في جامعة هايكازيان في بيروت حيث تألقت هذه المجموعة المؤلفة من ستة طلاب، تحت إشراف أستاذ الرياضيات في الجامعة مانوغ مانوغيان، في إطلاق صاروخ إلى الفضاء هو الأول من نوعه في المنطقة. ونتيجة لهذا النجاح، نال النادي دعم الحكومة والجيش اللبناني الذي عمل على التعاون وتقديم ما يلزم لتحقيق الحلم الكبير وهو إطلاق قمر صناعي لبناني إلى مدار الكرة الأرضية. وبين عامي 1960 و1967، نجحت هذه المجموعة في تصميم وإنتاج وإطلاق أكثر من عشرة صواريخ فضائية، وحملت كلها اسم “صاروخ أرز”، حيث استطاعت بعض هذه الصواريخ قطع مسافة وصلت إلى حدود الـ 600 كلم في الفضاء.

لكن المؤسف أن صاروخ “Cedar 8” الناجح، في 4 أغسطس/آب 1967، حمل معه نهاية سلسلة رحلات لبنان الفضائية، والتي سرعان ما أصبحت طي النسيان لأسباب ما زالت مجهولة أو مكتومة. ويبقى السؤال هنا: هل يمكن لأدمغة وطاقات الشباب اللبناني أن تحقق الحلم الذي بدأ منذ أكثر من نصف قرن؟ وهل يكون للدولة مخطط ما لإستئناف ما تبنته منذ عشرات السنين؟ وهل لهذا الحلم أن يصبح حقيقة؟

تبقى الأجوبة رهناً بالمستقبل، على أمل أن تتغير الظروف بشكل إيجابي لما فيها مصلحة لبنان وشعبه.

*مدير ثانوية “الإشراق” فرع المتن – لبنان

المراجع:

1. أميرة شحاتة. مركبة “سويوز” تطلق 3 رواد فضاء إلى المحطة الدولية اليوم وسط أزمة كورونا. 9 أبريل/نيسان 2020. اليوم السابع.
2. إطلاق مركبة “سويوز” الروسية نحو المحطة الفضائية الدولية. 9 أبريل/نيسان 2020. روسيا بالعربي.
3. موقع وكالة الفضاء الأمريكية ناسا الرسمي على الفايسبوك: بث مباشر لعملية إطلاق الصاروخ Soyuz2.1a الفضائي.
4. محمد العس. صاروخ أرز.. أول صاروخ بالستي في الشرق الأوسط صنعه لبنان. جريدة الديار.
5. نتالي روزا بوخر. “النادي اللبناني للصواريخ”: يوم دخل لبنان سباق الفضاء. أبريل/نيسان 2013. موقع now mmedia.
6. ريتشارد هوبر. كيف سعى لبنان لغزو الفضاء؟ نوفمبر/تشرين الثاني 2013. بي.بي.سي عربية.
7. “النادي اللبناني للصواريخ”: إجهاض مشروع لاكتشاف الفضاء؛ 3 أبريل/نيسان 2018. عمان – العربي الجديد.

مصدر الصور: مونتي كارلو الدولية.

موضوع ذا صلة: المحاولات الفضائية.. بين الطموح الإيراني والتوجس الأمريكي