إعداد: يارا انبيعة

عقد من الزمن هو فترة حكم الشيخة حسينة واجد، رئيسة وزراء بنغلاديش، حيث فازت بالإنتخابات الأخيرة وسط توترات وإتهامات بالتزوير. صناديق الإقتراع مالت كفتها إلى جانب الشيخة، التي ينسب لها تعزيز النمو الإقتصادي في الدولة الآسيوية الفقيرة، حيث يعتبرها الكثيرون “أمل البلاد”، بينما ينظر لها آخرون بأنها غير جديرة بالحكم، إذ تتهم المعارضة الحكومة بتزوير الإنتخابات وتطالب بإعادتها بإشراف لجنة محايدة.

إنسحاب من السباق

رافقت فترة الإنتخابات موجة من أعمال العنف أسفرت عن سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى وذلك إثر حملة انتخابية دامية خيمت عليها اتهامات بقمع المعارضة، حيث اندلعت الإشتباكات بين نشطاء من حزب “رابطة عوامي” الحاكم وأنصار حزب “بنغلاديش القومي” المعارض، كما رافقتها إجراءات أمنية مشددة حيث نشرت السلطات نحو 600 ألف عنصر أمن في أنحاء البلاد، بينهم 40 ألفاً عند مراكز الإقتراع.

من هنا، أمرت السلطات المحلية مشغلي الهواتف الخليوية بوقف خدمات الجيلين الثالث والرابع من تقنيات الإتصال لمنع انتشار شائعات التي يمكن أن تثير أعمال عنف، وتوقف كذلك بث قناة مستقلة، أما مفوضية الإنتخابات فقد أكدت أنها تحقق في مزاعم وردت من مختلف أنحاء البلاد بحدوث تلاعب في التصويت، وذلك إثر انسحاب ما يزيد على 40 مرشحاً من تحالف المعارضة أثناء التصويت بزعم حدوث تلاعب في الأصوات.

إلى ذلك، أكدت المعارضة أن أكثر من خمسة عشر ألفاً من ناشطيها اعتقلوا خلال الحملة الإنتخابية التي استمرت لأسابيع، ما قوض قدرتها على حشد قاعدة أنصارها، فيما تحدث المسؤولون في مراكز الإقتراع بالعاصمة دكا عن نسب مشاركة منخفضة، وسط تنديد من منظمات حقوقية بحدوث عمليات قمع من قبل السلطات وأضافوا أنها أشاعت جواً من الخوف قد يثني أنصار أحزاب المعارضة عن الإدلاء بأصواتهم.

دعوة للتحقيق

دعا الإتحاد الأوروبي بنغلاديش إلى التحقيق في ادعاءات بشأن ارتكاب انتهاكات خلال عملية التصويت في الإنتخابات البرلمانية، وقالت مايا كوجيجانيتش، المتحدثة بإسم الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، في بيان أن “أعمال العنف شابت يوم الإنتخابات وظلت عقبات كبيرة أمام توفر ساحة متكافئة طوال العملية ولطخت الحملة الإنتخابية والتصويت.”

من جهتها، دعت السلطات الوطنية المعنية إلى ضمان إجراء تحقيق “مناسب” في الإدعاءات بشأن ارتكاب انتهاكات والإلتزام بالشفافية الكاملة في حلها، إلا أنها أعربت عن ترحيب الإتحاد الأوروبي بتعبئة الناخبين ومشاركة المعارضة في الإنتخابات في بنغلاديش لأول مرة منذ عشر سنوات قائلة “إنها تجسد تطلعات شعب بنغلاديش نحو الديمقراطية.” وأضاف بيان الأتحاد الاوروبي بأنه “يتوقع أن تتحرك البلاد قدماً نحو الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، سنواصل دعم العمل في هذا السياق لمصلحة شعب بنغلاديش.”

بدورها، عبرت الولايات المتحدة، أكبر مستثمر أجنبي في البلاد، عن قلقها إزاء تقارير موثوقة عن مضايقات وترهيب وعنف في فترة ما قبل الإنتخابات جعلت من الصعب على العديد من مرشحي المعارضة وأنصارهم الإجتماع وتنظيم التجمعات والحملات الإنتخابية بحرية، معتبرة أنه “يساورنا القلق من أن المخالفات التي وقعت يوم الإنتخابات منعت البعض من التصويت وهو ما يقوض مصداقية العملية الإنتخابية.”

وقال ميرزا فخر الإسلام، الأمين العام لحزب بنغلاديش الوطني المعارض، أنه يجمع تقارير عن التزوير لتقديمها إلى مفوضية الإنتخابات للمطالبة بإعادة التصويت، متسائلاً “ما هو البديل أمامنا؟”

قصص نجاح

أصبحت بنغلاديش، التي تم تصنيفها يوماً من بين أفقر دول العالم والأكثر كثافة سكانية على مستوى العالم ورابع أكبر دولة من حيث عدد السكان المسلمين، مثالاً لقصة نجاح اقتصادي كبيرة. وقد حققت أكبر نمو لإجمالي الناتج المحلي خلال عامي 2017 – 2018 ونسبته 7.86%، متخطية النمو التقديري البالغ 7.65%، مما ساعد على انتشال 50 مليون شخص من الفقر المدقع، بحسب نتقرير لصندوق النقد الدولي.

ويكافئ عدد سكان بنغلاديش، البالغ 160 مليوناً، عدد سكان كل من فرنسا وألمانيا وهولندا مجتمعة، وبالنظر إلى حجم وعمق جذور فقرها، يجب تصنيف الإزدهار الإقتصادي الذي شهدته البلاد مؤخراً بإعتباره أفضل قصة نجاح اقتصادي في العالم.

وفي بداية العام 2019، احتفت بنغلاديش حين انطبقت عليها معايير الأمم المتحدة، لتخرج من مجموعة “الدول الأقل تطوراً وتنمية” بحلول العام 2024، إذ من المتوقع أن يتحول الوضع الإقتصادي، في تلك الدولة التي كانت تشتهر بحالتها الفقيرة والتي كانت دوماً ضحية للمجاعات والفيضانات، إلى وضع يشبه وضع المكسيك وتركيا، على حد تصريح الأمم المتحدة.

وقالت شيخة حسينة، التي حظيت بترحيب عالمي لما حققته من ازدهار ونجاح اقتصادي، بأنه “نتوقع أن يتجاوز النمو السنوي 9% خلال الأعوام الخمسة المقبلة، ونأمل أن يصل إلى 10% بحلول العام 2021.”

على الجانب الآخر، سجل احتياطي النقد الأجنبي في بنغلاديش نمواً بأكثر من 450% على مدى الأعوام العشرة الماضية، ووصل الى 33.3 مليار دولار. وقال سراج الإسلام، المتحدث بإسم بنك بنغلاديش المركزي، بأن هذا الإحتياط النقدي الأجنبي يأتي من “الصادرات والحوالات المالية والمساعدات الخارجية والمنح، وكذلك من خلال الإستثمار الأجنبي المباشر، وقد كان أداء بنغلاديش في تلك الجوانب جيداً إجمالاً.”

ويمثل التعليم قصة نجاح أخرى، حيث حفزت البلاد خطى تطوير التعليم من خلال تبني الوسائل التكنولوجية ودخول العصر الرقمي. ويبلغ عدد حاملي الهواتف المحمولة في البلاد أكثر من 145 مليوناً، ويمثل ذلك زيادة قدرها 59 مليوناً خلال 6 سنوات فقط.

وقد أدى تبني التكنولوجيا الحديثة إلى تغيرات اجتماعية، وسرعة في التواصل، وزيادة للرغبة في تحقيق الديمقراطية، وقد عمل البرنامج الحكومي بنغلاديش الرقمية على توصيل خدمة الإنترنت والخدمات الحكومية بشكل أكبر إلى أقاصي البلاد. ووصلت نسبة المعاملات الرقمية للحسابات المصرفية للبالغين في البلاد 34.1% خلال عام 2017، مقارنة بمتوسط قدره 27.8% بالنسبة لجنوب آسيا.

القلب النابض

أصبحت البلاد قلب جنوب آسيا النابض بالحياة بفضل ما حققته من تطور على المستويين الإجتماعي والتكنولوجي، وتطوير للبنية التحتية، ويمكن أن تعزى قوة وضع البلاد اليوم إلى نظام الإئتمان الصغير الناجح الذي بدأ يترسخ في ثمانينات القرن الماضي، ويمثل نموذجاً يحتذى به لإقتصادات الدول النامية، ومن الأسباب الأخرى للنجاح تركيز الحكومة على تمكين المرأة، ومنح الأولوية للتعليم والصحة.

ويرى جايشري سنغوبتا، الخبير الإقتصادي في مؤسسة “أوبزيرفر ريسرش فاونديشن”، أن الإزدهار الإقتصادي يعود بالأساس إلى نمو استثمارات القطاع الخاص، والحوالات المالية التي يرسلها مواطنو بنغلاديش في الخارج؛ كذلك كان للصادرات، خصوصاً في مجال الملابس الجاهزة، دوراً هائلاً في تحقيق تلك الطفرة. ففي ظل تبني قطاع الملابس لإستراتيجية قومية تركز على التصنيع، ازدادت صادرات البلاد بمعدل متوسط سنوي يتراوح بين 15% و17% خلال السنوات الأخيرة. وفي العام 2017، صدرت بنغلاديش ملابس تتجاوز قيمتها 28 مليار دولار، محققة المركز الثاني بعد الصين في التصدير، كذلك تمثل صادرات الملابس 14% تقريباً من إجمالي الناتج المحلي، و80% من إجمالي الصادرات.

ويشير أحد خبراء الإقتصاد إلى أن صناعة الملابس في بنغلاديش واحدة من أهم القوى الدافعة المحركة لإقتصاد البلاد، حيث يعمل بها نحو 4.4 مليون شخص، 3 ملايين منهم من النساء، وأوضح أن ابتعاد الصين عن تصنيع السلع الرخيصة قد ساعد في ترسيخ وتعزيز وضع بنغلاديش في القطاع، حيث بدأت البلاد تجذب مستثمرين عالميين بفضل انخفاض أجور القوى العاملة بها. كما تتميز بنغلاديش بكبر حجم شركات الملابس الرئيسية، مقارنة بتلك الموجودة في الهند، نتيجة اختلاف قوانين العمل بالأساس.

 فرص عمل

ساعد ازدهار اقتصاد بنغلاديش في توفير فرص عمل لملايين الأشخاص، خصوصاً النساء اللاتي بدأن في تقاضي رواتب للمرة الأولى. كذلك، نجحت برامج التنمية في قطاع الإستزراع المائي في المناطق الريفية في جعل ربات المنزل، اللاتي كن مواطنات من الدرجة الثانية، من أصحاب الدخول، مما حسن مستوى الأسر ووضعها الاجتماعي.

هذا وقد أكد المنتدى الإقتصادي العالمي نجاح الحكومة على تلك الأصعدة، خلال العام 2018، حيث تم تصنيف بنغلاديش كأول دولة من حيث المساواة بين الجنسين بين دول جنوب آسيا، للعام الثاني على التوالي.

بين الإنسانية والأوتوقراطية

الشيخة حسينة هي رئيسة الوزراء التي تسمى بـ “والدة الإنسانية” التي آوت الروهينغا بالنسبة لمحبيها، ومجرد “أوتوقراطية” زاحفة نحو السلطة بحسب معارضيها. فهي تحولت من أيقونة إلى امرأة حديدية، وجعلها انتصارها الساحق الأخير في انتخابات بلادها رئيسة الوزراء الأطول ولاية.

الشيخة حسينة، ذات السنوات الـ 71 وابنة مؤسس بنغلاديش وأول رؤسائها، نالت ثناء مؤيديها لإشرافها على امتداد عشر سنوات على التنمية الإقتصادية للبلاد الفقيرة في جنوب آسيا المعروفة بكثرة فيضاناتها وأعاصيرها، كما يساندها الشعب في القضاء على ظاهرة التطرف الإسلامي، والمحاكمات التي أطلقتها لمحاسبة مرتكبي جرائم حرب الإستقلال عام 1971. أيضاً، حصدت الشيخة حسينة ثناء المعجبين لتشريعها أبواب بنغلاديش أمام نحو مليون من اللاجئين الروهينغا الفارين من الجرائم الإنسانية بحقهم من قبل سلطة بلادهم ميانمار.

أما المعارضون فيتهمونها بزج منافستها، خالدة ضياء، في السجن على خلفية تهم سياسية، وبتنظيمها اعتقالات بالجملة وحوادث إخفاء قسرية وسن قوانين جائرة مناهضة لحرية الإعلام بهدف التمسك بالسلطة.

في الختام، لا بد من الإشارة إلى أن بنغلاديش محاطة بالكثير من الأزمات الحالية، كأزمة ميانمار وتوافد اللاجئين الروهينغا إليها ما قد يزيد من أعبائها، المستقبلية، كونها تقع على خليج البنغال الذي سيشهد تطورات عديدة لأنه من المتوقع أن يصبح “مسرح عمليات” بين الهند والصين والولايات المتحدة. وبالتالي، فالوضع البنغلادشي دقيق جداً في هذه المرحلة ويتطلب الكثير من بعد الرؤية خصوصاً للحفاظ على الإنجازات الكبيرة التي تم تحقيقها على صعيدي الإقتصاد ونسب النمو، بالتحديد.

مصدر الأخبار: وكالات.

مصدر الصور: العرب اليوم – تلفزيون نابلس.