إبراهيم ناصر*

تعتبر الأزمة الإقتصادية التي يمر بها السودان المحرك الرئيسي للحراك الشعبي الذي تشهده البلاد، إذ تتمثل هذه الأزمة في غلاء أسعار السلع الأساسية، كالدقيق والسكر، والمواد البترولية، والعلاجية. ولكن، بالرغم من غلائها لم يتحرك الشباب السوداني ضد حكومة الرئيس السوداني، عمر البشير. بل انعدامها كان الدافع الأكبر للتظاهرات الشبابية، وخصوصاً أن السودان يتمتع بموارد طبيعية ضخمة.

هذا وينقسم المتظاهرون في السودان إلى قسمين؛ الأول، قسم دفعته المطالب الإقتصادية. والثاني، حركته أسباب سياسية خالصة بعد أن أعلن الرئيس البشير نية ترشحه لإنتخابات 2020، حيث يرى هذا القسم أنه لا بد من إجراء تغير سياسي في البلاد يلقي بظلاله عن الوضع الإقتصادي المأزوم. أي أن يبتعد البشير عن الحياة السياسية تاركاً الحكم لجيل جديد، يعي احتياجات جيله.

أما عن إعلان البشير ترشحه للإنتخابات الرئاسية المقبلة، فقد جوبهت بالرفض من بعض قيادات حزب المؤتمر الوطني معتبرين أنها خطوة “غير موفقة”، وخصوصاً وأن البلاد تعيش أزمة اقتصادية خانقة، حيث شاطروه، أي الرئيس البشير، بآرائهم بصورة واضحة في اجتماعاتهم السرية. ولكن على ما يبدو أن الرجل لم يتقبل اقتراحاتهم بصدر رحب، وهذا مؤشر واضح بأن البشير ضرب بمفهوم “المؤسساتية الحزبية” عرض الحائط، وهو ما يؤكد عليه عمق الخلاف داخل الحزب الحاكم في السودان.

وبالرغم من أن داوفع المظاهرات في السودان داخلية وتتصدرها الخانقة المعيشية، كما أشرنا أعلاه وأسباب سياسية أخرى، ولكن برأينا هناك أسباب خارجية غير مباشرة أيضاً كان لها الدور في تظاهرات الشباب السوداني.

في مقدمة الأسباب الخارجية، تأتي التغيرات السياسية الجذرية التي تشهدها دول المحيط السوداني، أي دول القرن الإفريقي، إذ تشهد كل من الصومال وأثيوبيا تحولات سياسية كبرى من تغير سلمي للقيادة في تلك البلاد، كما حصل في الصومال عندما انتخب الرئيس محمد عبد الله فرمانجو بإنتخابات شرعية شهد لها العالم بنزاهتها حيث سلم الرئيس السابق حسن شيخ محمود لخلفه فرمانجو بصورة حاضرية تندر مشاهدتها في بلدان العالم الثالث، ومتقبلاً خسارته، ومهنئاً الفوز لغريمه.

وبنفس القدر كان التحول السياسي السلس الذي شهدته أثيوبيا، والذي أتى بآبي أحمد رئيساً للوزراء، ذلك الشاب الطامح صاحب الرؤية التنموية الواضحة لإنتشال بلاده من الفقر المدقع التي يعاني منه الشعب الإثيوبي. ومنذ أن تسلم مقاليد الحكم في البلاد، شهدت أثيوبيا تغيرات سياسية كبيرة، حيث أفرج عن المعتقلين السياسيين، وفاوض المعارضة الخارجية، وأقنع قياداتها الخارجية بالإنخراط في الحياة السياسية من أجل رفد التنمية الشاملة التي يخطط لها هو، بجانب تعهده بإفساح المجال أمام الحريات للمعارضة.

وبالتالي، هذه التغيرات السياسية التي تعيشها دول منطقة القرن الإفريقي، كانت المحفز الرئيسي للشباب السوداني للتحرك ضد رغبات البشير السلطوية، حيث يرى الشباب بأن الإصلاحات السياسية التي تشهدها دول الجوار كان الأحرى بها أن تخرج من السودان بحيث يكون ملهماً لشعوب دول المنطقة والقارة الإفريقية، كما كان في السابق إذ كثيراً ما يتغنى الشعب السوداني بالدور الذي لعبه في نيل معظم الدول الإفريقية استقلالها من المستعمر الغربي.

إلا أنه من الخطأ القول بأن هناك فاعلين خارجيين لعبوا دوراً في التحولات والتظاهرات الجارية في السودان، وخصوصا أثيوبيا، لأنه وحسب متابعتي وفهمي للعقلية السياسية الإثيوبية ليست على جاهزية تامة بعد كي تبني استراتيجية “تغير انظمة” الحكم في جوارها. وبتعبير آخر، هي معدومة الإمكانيات للتأثير في شؤون الدول المحيطة بها، وبالتحديد في دولة كالسودان. بعكس ذلك، السودان له أدوات التأثير في الداخل الإثيوبي، إذ للخرطوم تواصل مع كتلة المسلمين في أثيوبيا والبالغة نسبتهم 60% حسب بعض المعطيات. ومن خلال التأثير عليهم، يمكن له أن يجري تغيرات في الساحة السياسية، ناهيك عن الإثنيات الموزعة في أثيوبيا. وعليه، يجوز القول بأن الدور الإثيوبي في التظاهرات السودانية ينحصر في النموذج الملهم الذي يقدمه الساسة الإثيوبيين، والتغيرات السياسية والإقتصادية التي تشهدها البلاد.

وتأسيساً على ما تقدم، يمكن القول إن مطالب الشباب السوداني، وإن كانت في ظاهرها مطالب اقتصادية صرفة، إلا أنه يريد العيش في بلد يتمتع فيه بالرفاهية، إضافة إلى أن يحظى السودان بمكانة بين دول القارة، بحيث يكون ملهماً للثورات بدلاً من أن يكون متلقياً للأفعال والأحداث.

وبالتالي في الفترة القادمة، سنشاهد تواصل المظاهرات الشبابية إلى أن يحدث تغيرات سياسية في البلاد، وهذا ما ستثبته لنا الأيام القادمة.

*كاتب سوداني وباحث في مركز أنقرة لدراسة الأزمات والسياسات – “أنكاسام”

مصدر الصور: التلفزيون العربي – جريدة البلاد.