ربى يوسف شاهين*

كشفت الحرب السورية خلال، سنواتها الثمان، كثيراً من الملفات السياسية والعسكرية، منها ما تم إعلانه للرأي العام، ومنها ما زال تحت طي الكتمان. فالوقائع على الأرض كانت الشاهد الحقيقي لزيف الإدعاءات المعلنة حول التحركات الجارية في مناطق عدة من سوريا، لتنقشع ضبابية المشهد رويداً رويداً، وتجلي ما يحصل فعلاً ابتداء من زيف الحراك الشعبي على الأرض بإسم الإصلاح، لتتبعه انتشار للفصائل الإرهابية في مناطق شاسعة، ولتبدأ معها فصول التدمير الممنهج للدولة السورية.

العمليات العسكرية للجيش السوري هي من أطاحت بفلول الإرهابيين، وتم النيل منهم، حيث أن المعركة فرضت على القيادة السورية بعد الإنتصار، في الجنوب والغوطة ودمشق وحقناً لمزيد من الدماء، بإرسال هذه المجموعات ممن رفض الحل إلى إدلب، لتصبح هذه المحافظة المرتع الأخير لهم.

لماذا إدلب؟

تعتبر إدلب منطقة سورية هامة جداً، حيث تحدها من الشمال تركيا، إذ كانت ممراً لـ “طريق الحرير” التي تصل سوريا بتركيا فأوروبا عبر معبر باب الهوى. خلال الحرب، اعتبرت إدلب منطقة الوصل بين المنطقتين الساحلية والوسطى، والمنطقتين الشمالية والشرقية، لذلك اختارتها الفصائل الإرهابية بتخطيط تركي لتكون المحطة الأخيرة لهم لعدة أسباب؛ أولاً، لقربها من داعمها أي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وثانياً، التحرك منها وإليها للمنطقة الوسطى، وخصوصاً بعد انتصار الجيش السوري في الجنوب.

إن التقدم الكبير الذي يحرزه الجيش السوري جعل المجموعات الإرهابية في شتات كبير، فحلب حررت منها. أما ما تبقى من فلولها، فقد دخلوا في اقتتال كبير ليتم اختيارها من قبل الرئيس أردوغان، فالذي يربح تكون له الأفضلية، مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية “جبهة النصرة” (هيئة تحرير الشام) كفصيل حقق من الإجرام ما يكفي على الأرض السورية، لترجح كفته عند تركيا على الرغم من تصنيفه كمنظمة إرهابية.

لقد دخلت تركيا على خط الحل السياسي في إدلب وذلك لحماية هذه الفصائل من الموت المحتم. فعمدت، مع الولايات المتحدة، على استغلال الورقة الكردية كعملية ضغط وتأخير للحل السياسي بجمله وتفاصيله. فلقد عزز الرئيس أردوغان وجوده العسكري في مناطق حول إدلب، لتكون نقطة نجاة له في حال حصول أية عملية انفلات أمني من الفصائل الإرهابية فتقع قواته ضمن طوق محكم، ولتكون تركيا هي من يلفت الأنظار في الشمال السوري. فإلى ماذا تنظر تركيا؟

إن محادثات “الثلاثي الضامن” للحل في إدلب (روسيا – إيران – تركيا) لم تنتهِ حتى الآن، وما تمخض عن مقررات “سوتشي” كانت لصالح الدولة السورية وسيادتها، ولكن التأخير برز في التنفيذ من قبل تركيا إذ أن حساباتها، على المستويين السياسي والعسكري، لم تنتهِ بعد.

في 14/2/2019، سيعقد اجتماع “سوتشي” للدول الضامنة، لكن المسألة المطروحة الهامة لم تعد الكرد، بل الحل في إدلب واللجنة الدستورية، وبالتالي فإن الغموض ما زال يعتري اللعبة التركية.

اللعب على الحبال

من خلال المشهد، يمكن القول بوضوح أن تركيا تغزو سوريا وتحتل أراضٍ منها وفي نفس الوقت تدخل كضامن للحل فيها، وما بين الإثنين تقوم بدعم المجموعات الإرهابية وتحارب الكرد السوريين.

لقد باتت مناورات تركيا مكشوفة، واحتمالات تحقيق أحلام الرئيس أردوغان العثمانية ستزول قريباً، وإن كان قد حقق بعضا منها على الأرض، فالقيادة السورية تركت له الساحة لـ “اللعب” ولكن ليس لوقت طويل، حيث أن حقيقة ما سوف يجري في إدلب أكد عليه الرئيس السوري، بشار الأسد، بشعار “السيادة السورية على كامل أراضيها”، وهذا بحد ذاته سيكون الكلمة الفصل لكل من تجرأ واعتدى على سوريا.

يبدو أن القادم من التطورات، وما ستكشفه الأيام المقبلة، ستجعل ممن تشدق بحلم “الربيع العربي”، يعلم تماماً أن هذا البلد المشرقي الجميل عصي على العدوان والإرهاب منذ الأزل.

*كاتبة وإعلامية سورية

مصدر الصورة: سبوتنيك.