إعداد: يارا انبيعة
تشهد فنزويلا توتراً متصاعداً، إثر إعلان رئيس الجمعية الوطنية، خوان غوايدو، نفسه رئيساً مؤقتاً للبلاد، فمسؤولية الاستمرار والتصعيد في الأزمة الفنزويلية والتي تضع البلاد في أتون خطر حقيقي بما في ذلك اندلاع حرب أهلية، تقع بالأساس على عاتق جهات خارجية، تعمل على تأجيج المواجهة مع الجيش، والتي تحرض المعارضة على الرئيس المنتخب، نيكولاس مادورو، من قبل الشعب.
في رأي معظم المراقبين، كان التدخل الخارجي الأمريكي، تحديداً ومناصرته لغوايدو، هو السبب الأساسي الذي أضفى على هذه المشكلة الداخلية بعداً عالمياً، ووفر لها كل هذا الزخم الإعلامي والسياسي على الساحة الدولية.
مبادلات.. لا مساعدات
نفى نائب وزير الخارجية الفنزويلي، إيفان خيل بينتو، حاجة بلاده لمساعدات عسكرية من روسيا، مؤكداً أن لدى كاراكاس ما يكفى من القدرات العسكرية لحماية أمنها. وقال بينتو، بعد لقائه نظيره الروسي سيرغي ريابكوف في موسكو، إن فنزويلا لديها كل الإمكانيات لضمان السلام والأمن وعدم وقوع أي عدوان، ولا حاجة لديها لأي دعم عسكري، لأنها مستعدة تماماً لضمان السلام لشعبها، مؤكداً أن روسيا لا تنقل مساعدات إنسانية لفنزويلا، بل بضائع في إطار العقود التجارية الموقعة فقط، مضيفاً “لا توجد حالة إنسانية في فنزويلا تتطلب نقل مساعدات إنسانية من الخارج.”
كما شدد بينتو على أن الأوضاع في بلاده طبيعية، مؤكداً أنه حال ظهور تهديد إرهابي على الحدود مع كولومبيا، فإن كاراكاس ستتخذ التدابير المناسبة. وكان رئيس قسم أمريكا اللاتينية بوزارة الخارجية الروسية، ألكسندر شيتينين، قد صرح في وقت سابق بأن كاراكاس لم ترسل إلى موسكو طلباً للحصول على مساعدات عسكرية روسية.
ترامب واليد القوية
قال وزير الدفاع الفنزويلي، فلاديمير بادرينو، إنه “يتعين على المعارضة أن تمر على جثثنا، قبل أن تتمكن من عزل الرئيس نيكولاس مادورو وفرض حكومة جديدة.”
تأتي تصريحات الوزير الفنزويلي بعدما دعا الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الجيش الفنزويلي لدعم زعيم المعارضة قبل فوات الأوان. وقال ترامب، أمام تجمع للفنزويليين المقيمين في الولايات المتحدة “نحن نريد انتقالاً سلمياً للسلطة في فنزويلا، لكن جميع الخيارات مطروحة”، مؤكداً أن بلاده تريد إحلال الديمقراطية في فنزويلا وكوبا.
كما دعا الرئيس ترامب الجيش الفنزويلي للتوقف عن دعم الرئيس مادورو والاعتراف بغوايدو رئيساً للبلاد، مشيراً إلى أن الأخير تعهد بالعفو العام عن المسؤولين في الأجهزة الأمنية الفنزويلية الذين تتهمهم المعارضة بانتهاك حقوق الإنسان. وأضاف الرئيس ترامب “لدي رسالة لكل ممثل شرعي في الحكومة الفنزويلية يدعم الرئيس مادورو للبقاء السلطة، العالم كله ينظر إليكم، لا يمكنكم الإختباء وراء الخيارات التي تواجهكم، يمكنك قبول عرض غوايدو السخي بالعفو والعيش بسلام مع عائلتكم. ويمكنكم مواصلة دعم مادورو، في حال اخترتم هذا الطريق فلن يكون لكم ملاذ آمن أو مخرج سهل، ستفقدون كل شيء، اليوم أطلب من كل عضو في نظام مادورو أن يضع حداً لهذا الكابوس من الفقر والجوع والموت للشعب الفنزويلي، ولقد حان الوقت الآن لكي يعمل جميع الوطنيين في فنزويلا كشعب واحد.”
“الخيانة الأولى”
وقَّع زعيم المعارضة غوايدو مرسوماً “رئاسياً” يحمل الرقم (001) أجاز فيه دخول المساعدات الإنسانية الى فنزويلا، وقال غوايدو في المرسوم الذي نشره على صفحته على “تويتر” إنه “بصفتي القائد الأعلى للقوات المسلحة الوطنية البوليفارية، أؤكد سماحي بدخول المساعدات الإنسانية إلى أراضي فنزويلا، وبالتالي، آمر عناصر القوات المختلفة بالتصرف وفق هذه التعليمات.”
هذا وقد أعلن مسؤولون أن الولايات المتحدة أرسلت مساعدات إنسانية تشمل مواداً غذائية وأدوية إلى الحدود بين كولومبيا وفنزويلا لتوزيعها على المحتاجين، وبحسب المسؤولين الأمريكيين، فإنه من المتوقع أن تصل الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية إلى الحدود، وذلك تلبية لطلب غوايدو.
في وقت سابق، رفض الرئيس مادورو قبول المساعدات الدولية، ووصفها بالذريعة لبدء تدخل عسكري تقوده الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن فنزويلا ليست بحاجة إلى “صدقة”، وإذا أرادوا المساعدة، فليضعوا حدا للحصار والعقوبات.
وكانت وزارة الخارجية الروسية، قد رفضت، في وقت سابق، بشكل قاطع، تسييس موضوع إيصال المساعدات الإنسانية إلى كاراكاس، مشيرة إلى أن عملية إيصال المساعدات يجب أن تجرى بما يتوافق مع القوانين الدولية وعبر مكتب الأمم المتحدة.
حرب المساعدات
نائب مدير الأبحاث في السياسة الدولية، سانتياغو بيريز، رأى من جهته أن هدف المساعدات الأميركية استفزاز فنزويلا والتدخل في شؤونها، مشيراً إلى أن أي تدخل عسكري أميركي سيكون خطيراً على فنزويلا وكولومبيا والقارة اللاتينية برمتها، واعتبر أن الولايات المتحدة تتخذ من المساعدات ذريعة للتدخل في فنزويلا.
وتوقع بيريز حدوث كارثة في حال أقدمت الولايات المتحدة على تدخل عسكري ضد بلاده، مشيراً إلى أنه لا يمكن لأحد في أميركا اللاتينية أن يقبل التدخل العسكري ضدها. بيريز لفت إلى أن الجيش الفنزويلي الأقوى في المنطقة ولن يتراجع أمام أي تدخل عسكري من الخارج.
من جهته، قال الرئيس البوليفي، إيفو موراليس، إن الرئيس الأميركي يستعد للتدخل عسكرياً في فنزويلا بعد أن هاجمها اقتصادياً، في حين اعتبر ووزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن تهديدات الولايات المتحدة ضد فنزويلا تعد تدخلاً مباشراً في شؤونها الداخلية وانتهاكاً لميثاق الأمم المتحدة.
فيما قالت، نائبة الرئيس الفنزويلي، ديلسي رودريغيز “قررنا تعليق جميع الرحلات الجوية الخاصة والتجارية وكذلك حركة النقل البحري بين فنزويلا وجزر أروباوكوراساووبونير”، وأضافت أن هذه الإجراءات تترافق مع انتشار القوات المسلحة في حالة تأهب على طول حدود البلاد لمنع أي انتهاك لسلامة أراضيها.
إقفال الحدود
قال الرئيس الفنزويلي إن بلاده تدرس إمكانية إقفال الحدود مع كولومبيا بعد قرار إقفال الحدود البرية مع البرازيل، كما أعلن تعليق المواصلات مع جزر آروبا، بونايريوكوراساو، في وقت وجه فيه الرئيس مادورو نداء للضباط الكولومبيين يطلب فيه أن رفض المواجهة مع فنزويلا، ورأى أن الرئيس الكولومبي، ايفان دوكي، مسؤول عن أي أعمال عنف تقع على الحدود مع بلاده، و”إذا انتصر السلام فسيكون هذا انتصار لنا.”
الفلك الأمريكي
تدرك الولايات المتحدة تماماً أن معارضتها للرئيس الشرعي المنتخب نيكولاس مادورو واصطفافها إلى جانب الطرف المعارض خوان غوايدو، سيواجه بمعارضة شعبية نتيجة حساسية الشعب الفنزويلي لأي تدخل أمريكي لأنه شعب معبأ إيدولوجياً ضد “الإمبريالية الامريكية” منذ عقود، وسينتج عن ذلك انقسام شعبي واسع واصطفاف مضاد إلى جانب الرئيس مادورو الذي يحظى أيضاً بدعم المؤسسة العسكرية في مواجهة زعيم المعارضة ومؤيديه.
نعم، أمريكا تعلم ذلك جيداً، وتعلم يقيناً أيضاً، أن تدخلها إلى جانب غوايدو هو بمثابة وصفة ناجعة لإضرام نيران حرب أهلية قد يكون لها بداية ولكن لا أحد يستطيع التنبؤ بنهايتها وبنتائجها، ولكن كما يقول أحد المتابعين “هي سياسة الولايات المتحدة المعهودة، نشر التوتر وعدم الإستقرار وزعزعة الأمن في البلد المستهدف ليسقط ويصبح بلداً فاشلاً ومن ثم يسهل احتوائه ومصادرة قراراته والسيطرة عليه وعلى ثرواته وتحويله إلى مجرد تابع يدور في الفلك الأمريكي المخيف.”
مصدر الأخبار: وكالات.
مصدر الصور: بوابة فيتو – today.rtl.lu.