إبراهيم ناصر*
منذ بداية العام 2019، كثفت التنظيمات الإرهابية هجماتها المسلحة في دول مختلفة من القارة الإفريقية، إذ لوحظ تصاعد كبير في هجمات “حركة الشباب” في دول منطقة القرن الدول الإفريقي، وثمة بواعث عديدة دفعت الحركة للقيام بتنفيذ هجمات إرهابية، حيث قامت بحوالي 15 عملية إرهابية، خلال شهر يناير/كانون الثاني، في الداخل، بينما قامت بحوالي 3 هجمات إرهابية خارج حدود البلاد، وتحديداً في دولة كينيا.
تتصدر الدوافع التي حملت “حركة الشباب” الصومالية، التحركات المحلية والإقليمية والدولية ضدها، إذ بدأ الجيش الصومالي بإستعادة قواه، وتأهيل عناصره، ووضع الخطط، وتنفيذ هجمات عسكرية، وذلك بدعم من بعثة الإتحاد الإفريقي في الصومال “أميصوم” ودعم جوي أمريكي ضد مواقع الحركة في وسط وجنوب البلاد.
منذ فترة وجيزة، إسيقظت منطقة شمال دولة بوركينا فاسو على هجوم إرهابي قثل على إثره 14 مدنيأً، بحسب ما أفاد بيان للجيش. وشهدت بوركينا فاسو عدة هجمات إرهابية في السنوات الفائتة، تبنتها جماعات تابعة لتنظيمي “داعش” و”القاعدة” وأوقعت عشرات الضحايا.
الإرهاب.. معضلة حديثة تواجها دول إفريقيا
يُضاف إلى الأزمات الأمنية التي تعاني منها الدول الإفريقية ظاهرة التنظيمات الإرهابية، والتي بدأت تنشط بصورة غير مسبوقة؛ بالتالي وفي المستقبل القريب، ستقوم الدول الإفريقية بصب جهودها في محاربة التنظيمات المسلحة، وبذلك ستكون أهدرت مواردها في حروبها ضد الإرهاب، ما يفاقم الأوضاع الإقتصادية المتأزمة في بعض دول القارة.
من الواضح بأن نشاط التنظيمات الإرهابية في الساحة الإفريقية ينذر بمستقبل قاتم ينتظر دول وشعوب القارة، إذ سنشهد حروباً بالوكالة بين قوى إستخباراتية دولية لأن هذه التنظيمات هي عبارة عن أداة من أدوات الحروب الإستخباراتية الجارية في العالم وخصوصاً أن بعض التقارير العالمية تشير إلى أن الدول الكبرى تريد التخلص من مواطينها الذين إلتحقوا بالتنظيمات الإرهابية المسلحة من خلال ترحيلهم إلى ساحات قتال أخرى، كالقارة الإفريقية.
بالطبع، إن هدف تلك الدول لن يقف عند التخلص من مواطينها الإرهابيين، بإرسالهم إلى القارة الإفريقية، بل لها أهداف غير معلنة أبرزها ملاحقتهم هناك بحيث تحجز لها موقعاً على خارطة السباق لإنشاء القواعد العسكرية. بالتالي، ستصبح القارة الإفريقية ساحة لحروب الوكالة بين القوى الدولية، ما يؤثر على إستقرارها ونموها.
الإرهاب يفاقم أزمة الإندماج الوطني في القارة
أيضاً، تتسبب معضلة التنظيمات الإرهابية في الإضرار بحالة الإندماج الوطني ضمن دول القارة، فالإنتساب إلى هذه التنظيمات غالباً ما تدفعه الإنتماءات القبلية، حيث يكون انتساب البعض بناء على هوية الإثنية. على سبيل المثال، أغلب منسوبي حركة “بوكو حرام” الإرهابية في دول الساحل الإفريقي هم من قبائل الفولانية والهوسا، وهو ما سيتسبب بتنامي حالة طبيعية من السخط ضد الإثنيات المذكورة في هذه الدول. والحال نفسه في كينيا، فإن جُل أعضاء “حركة الشباب” الصومالية هم من الصوماليين، وإستهدافها للداخل الكيني دائماً ما كان يتسبب في إستهداف الصوماليين. بعتبير آخر، العنف ضد الصوماليين يولد العنف المضاد، وبالتالي يزيد من حالة الإحتقان في البلد.
مؤخراً، قام حاكم أحد الأقاليم الكينية، تانا ريفير، بمطالبة الصوماليين بمغادرة إقليم بلاده على إثر الهجوم الأخير على فندق “دوسيت 2” الذي تورطت فيه الحركة، بالرغم من أن المكون الصومالي يعد أحد مكونات الشعب الكيني. فمثل هذه التصريحات، تتسبب في الغالب بتأزيم حالة الإندماج الوطني ضمن كينيا.
إن المثير للتأمل هنا والجدير بالذكر، أن أكثر الشركات الأجنبية التي إستهدفتها الحركة هي في غالبها شركات صينية، حيث قامت الحركة بتنفيذ هجوم على مقر شركة صينية في منطقة “شمبرالي” في الإقليم الشمالي الشرقي بكينيا، وقبلها هجوم بلغم أرضي في إحدى ضواحي العاصمة استهدف سيارة تقل مهندسين أدى إلى إصابة صومالي وصينيين.
وإستهداف الصينيين بهذه الصورة يخدم مصالح الأمريكية بمنطقة القرن الإفريقي؛ وبالتالي، قد تتبنى عملية وساطة بين الحركة المسلحة وحكومة مقديشو، وتكون بذلك قد أهدت نصراً دون مقابل، على غرار ما فعلته مع حركة طالبان الأفغانية مؤخراً.
*متخصص في الشؤون الإفريقية وباحث في مركز أنقرة لدراسة الأزمات والسياسات – “أنكاسام”
مصدر الصورة: جريدة الحياة.