حوار: سمر رضوان
في الذكرى الأربعين لها، أرست الثورة الإسلامية في إيران دعائم النظام الجديد بعد إسقاط حكم الشاه، فشكل انتصارها توتراً مستمراً في العلاقات مع الولايات المتحدة، إذ سعت إيران إلى تحقيق الإكتفاء الذاتي في مختلف المجالات متحدية العقوبات الأمريكية، وتحسن طهران اليوم إدارة الصراع بالإدارة والتخطيط والرقابة والحذر، لتمتين دعائم وأساسات الصمود وحفظ الثورة، في ظل سعي أمريكي دؤوب لـ “خنق” الإقتصاد وإخماد الثورة.
عن مستقبل الثورة، والتحديات القادمة، وتمتين سياسة الردع الإيرانية، وعلاقاتها إقليمياً ودولياً، وأهمية دور المرأة الإيرانية، سأل مركز “سيتا”، الأستاذ أمير الموسوي، مدير مركز الدراسات الإستراتيجية والعلاقات الدولية في طهران، عن كل هذه المواضيع.
سياسة الردع
أكد الرئيس الإيراني، الدكتور حسن روحاني، على أهم الأركان الثلاثة لشعار الثورة الإسلامية، “الاستقلال – الحرية – الجمهورية الإسلامية”. فالإستقلال يكمن فيما أعلنه حول الصناعة الحربية، لأن أي تدخل في شؤون البلاد يمس الإستقلال والسيادة، علاوة على حق طهران بتسليح جيشها بقدرات دفاعية رادعة، كما لا يحق للآخرين أن يرسموا لها سياستها الدفاعية. فالصواريخ المحلية الصنع هي قوة رادعة ودفاعية، وإيران لم ولن تخالف قرارات مجلس الأمن الدولي في هذا الشأن.
سوريا: تواجد إستشاري
لدى الجمهورية الإسلامية علاقات استراتيجية مع الشقيقة سوريا من خلال إتفاقية الدفاع المشترك، وكذلك هناك تنسيق بين البلدين على كل المستويات وخاصة المستوى الأمني، ومن حق الحكومة السورية أن تطالب حليفتها بالتعاون الأمني والعسكري. وأما عن التواجد الإيراني، فهو استشاري جاء بحسب طلب الحكومة الشرعية فيها.
نتيجة لذلك، هناك “تحرشات” صهيونية على سوريا، أعتقد أنها تأتي في إطار رفع معنويات التنظيمات الإرهابية المسلحة هناك، لأنهم في الحقيقة بدأوا يتقوقعون في كثير من الجبهات، إذ أن هناك سيطرة كبيرة وشبه شاملة للجيش. من هنا، يخشى الإسرائيلي من هذه القوة المتصاعدة للجيش السوري، مع تواجد حلفاءه على الأرض، ويحاول خلط الأوراق هناك. لكن إلى الآن، تحرشاته وتحركاته “ذبابية”، لم تؤثر لا على الوجود أو التنسيق الإيراني- السوري، أو الجيش السوري وحلفاءه. لذلك، يكمن القول بأنها مجرد “تحرشات” لا أكثر ولم تمس الركائز الأساسية هناك.
في الوقت الراهن، نستبعد حدوث أية مواجهة بيننا وبين الإسرائيلي، لأن سوريا وحلفاءها مستعدون لأي تصعيد خطير، وسيكون الرد قوياً وضارباً. لذا، نرى أن ضربات الصهيوني لا تمس أي هدف استراتيجي حتى الآن.
السياسات الغربية
لقد حاولت كل من الدول الأوروبية وروسيا والصين الحفاظ على الإتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية بقدر المستطاع، وخاصة أن الأوروبيين وضعوا بدائل، مالية حالياً “خط مالي- تبادل مالي”، بينهم وبين طهران وهو ما قد يعد “متنفساً” للاقتصاد الإيراني إذا ما تم تنفيذه بالكامل. غير أن الأوروبيون يحاولون إمساك العصا من النصف بحيث لا تتضرر علاقتهم الإستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولا إفشال الإتفاق. فالموضوع الأمني، قبل الإقتصادي، هو ما يهتمون به كون الإتفاق يوفر الأمن للإتحاد الأوروبي من نواحٍ كثيرة.
بأعتقادي، يرجح الأوروبيون الأمن الدولي على المصلحة الإقتصادية مع الولايات المتحدة، لذا نرى ولأول مرة، أنها تقف بوجه واشنطن وتقول لا لسياستها الجديدة ضد إيران. إضافة إلى ذلك، يوجد نوع من التعاطف والتعامل النسبي مع إيران من قبل دول أوروبا وقد برز في موضوع معالجة الإتفاق النووي، وكذلك موضوع حضور الدول الأوروبية في “مؤتمر وارسو”.
خطة “الإقتصاد المقاوم”
لا شك بأن للعقوبات تأثير سلبي على المواطن الإيراني، خاصة أنها تمس البنى التحتية الإقتصادية، وحتى قضاياه المعيشية. لكن الجمهورية الإسلامية وغالبية الشعب فيها تأقلموا مع هذا الوضع الذي ما زال مستمراً منذ أربعة عقود، إذ تم وضع العديد من البدائل ضمن خطة الإقتصاد المقاوم لمعالجة هذه المشاكل التي أنتجتها العقوبات.
إيران بلد كبير لديه 15 دولة جارة، ولديه منافذ بحرية واسعة وحدود بحرية، ولديه علاقات اقتصادية جيدة مع جيرانه، وكذلك مع دول مهمة في العالم كروسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا وبعض دول أمريكا اللاتينية، وكثير من الدول العربية وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا. اليوم، هذه الدول كلها تتعامل معنا إقتصادياً ومالياً، وإن كانت هناك بعض الصعوبات ولكن إيران تعودت وتعلمت كيف تستطيع أن تعبر هذه الموانئ وتوجِد البدائل.
بالعموم، لا يعاني الشعب الإيراني من شيء ملحوظ وإن كانت هناك مشكلة موجودة في الداخل فيما يخص الكماليات وليس الأساسيات في الحياة اليومية، فالأسواق مليئة بالبضائع، والمصانع تعمل، المشاريع الكبيرة والضخمة الصناعية والعمرانية والإستراتيجية، سواء كانت أبحاث الفضاء أو التسلح أو النووي. كل هذه المشاريع سائرة إلى الأمام بقوة، ولم نرَ هناك تأثيراً كبيراً على الإقتصاد الإيراني إلا من بعض الأمور التي ترتبط ربما بالكماليات. على سبيل المثال، الدواء مؤمن والتجهيزات الطبية مصنعة محليا، والغذاء مؤمن وهناك اكتفاء ذاتي كبير في كثير من المواد، والمعادن جيدة ومواد البناء متوفرة بصورة كبيرة من حديد إلى إسمنت وغير ذلك. كل المشاريع العمرانية مستمرة ضمن الرؤى المرسومة، وكذلك وسائل النقل باتت متطورة جداً من سكك حديد إلى سيارات وباصات، حيث لم نلاحظ أية قلة في كل هذه المسائل المذكورة أعلاه.
في المقابل، تقوم الولايات المتحدة بتضخيم الأمور إعلامياً، وتصور للناس وكأنها هي الرزاق الوحيد للشعب الإيراني وهذا غير صحيح، وخاصة أن سياساتها تعتبر فاشلة لأنها أتت على شكل آحادي وخارج إطار مجلس الأمن الدولي، وما يثبت ذلك تمرد عدد من الدول على القرار الأمريكي وتتعامل بشكل “سري أو غير علني أو إلتفافي”، مع الجمهورية الإسلامية في شتى المجالات.
المرأة شريكة في القرار
للمرأة دور أساسي في الثورة الإسلامية، وهي تعتبر النصف المؤثر في نجاحها. فلقد كان الإمام الخميني يركز على دورها سواء على صعيد العائلة أو المجتمع، خصوصاً وأن لها حضور لافت في المجال السياسي من خلال تواجدها في البرلمان ومشاركتها في صناعة القرار، وهو ما يدل على أهمية دورها في هذا المجال.
أعتقد أن للمرأة اليوم مكانتها الكبيرة، لذا نرى بأنها موجودة في كافة المظاهر داخل المجتمع من خصوصاً في المجالات الفنية، والإقتصادية، والسياسية، والثقافية والإجتماعية وحتى في المجالين الزراعي والصناعي. فعند زيارة طهران، يتفاجأ الزائر بمدى الحضور الكبير للمرأة في شتى المجالات، بدء من الأعمال العادية وصولاً إلى أعلى المراكز في المؤسسات.
الخطة الأربعينية القادمة
هذا سر قوة الجمهورية الإسلامية وبقاءها لهذه العقود الأربعة والتي ستستمر بإذن الله تعالى للعقود الأربعة الأخرى. هناك خطة للأربعينية القادمة رسمها الإمام الخامنئي في بيانه الذي وجهه إلى الشعب الإيراني، حيث تتضمن مخططاً اقتصادياً، وثقافياً، واجتماعياً وسياسياً، مؤكداً على دور الشباب في تحقيقها وتطبيقها.
من هنا، يمكن القول بأن إيران استطاعت أن تكتفي ذاتياً وأن تعتمد على إمكاناتها المحلية، وتمد الجسور إلى جميع الأطراف الإقليمية والدولية. غير أن هناك بعض المشاكل، من قبل الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني وبعض الأطراف الإقليمية، لجهة تشويه صورة إيران أمام الرأي العام العالمي من أجل خنقها سياسياً واقتصادياً، غير أن هذا المشروع لم يحقق المراد منه إلى حد الآن كون تأثيره ما يزال محدوداً.
فعند القيام بجولة عادية في العاصمة وسائر المدن الإيرانية، يرى الزائر أن الأمور تختلف كلياً عما تصور له، فالوضع جيد جداً، والحياة الديمقراطية طبيعة، تتمثل في الإنتخابات الحرة من قبل الشعب سواء على صعيد البرلمان أو مجالس البلديات أو حتى رئاسة الجمهورية نفسها، وكل المراكز الإستراتيجية هي منتخبة، وهناك مؤسسات تخطيط واضحة، وهناك كذلك خطط إستراتيجية خماسية وعشرية وعشرينية. من هنا، أعتقد أن إيران باتت معادلة صعبة اليوم، على عكس ما كانت عليه في الماضي من انزواء، وما الحملة الإعلامية الأمريكية عليها سوى الخوف من قوتها وقدرتها التي تطورت وبشكل كبير وسريع.
لقد أصبحت إيران نموذجاً مهماً في المنطقة خصوصاً وأن لها امتداد طبيعي فيها، وهناك تداخل بين المجتمعين العربي والإسلامي والشعب الإيراني، وهو تداخل وليس تدخلاً كما يتم تصويره، حيث أن هناك تناغماً بين الأفكار الموجودة في إيران وتلك في الوطن العربي والإسلامي، في حين تبقى فلسطين البوصلة الرئيسية للسياسة الخارجية الإيرانية وهذا هو سبب التجييش الحاصل ضدها من قبل الصهيوني والأمريكي والحركات الرجعية وبعض الدول العربية، حيث أنها متمسكة بالقضية بشكل علني وشفاف ودون خجل أو وجل.
في الختام، أعتقد أن إيران كسرت بالفعل شوكة الولايات المتحدة، وأصبحت الذراع الضارب والكاسر لكل المخططات الأمريكية والصهيونية في المنطقة.
مصدر الصور: عربي 21 – فرانس 24 – سي.أن.أن.