إعداد: يارا انبيعة

في ظروف استثنائية تشهدها المنطقة العربية ودول الإتحاد الأوروبي، انعقدت أول قمة عربية – أوروبية بمدينة شرم الشيخ المصرية، بين 24 – 25 فبراير/شباط 2019، بمشاركة رؤساء دول وحكومات 50 دولة من الجانبين لبحث التعاون بشأن العديد من القضايا ذات الإهتمام المشترك.

ظروف فرضت عقد هذه القمة التي تجمع بين مواجهة التحديات وتعاظم المصالح بين الجانبين العربي والأوروبي، تتمثل فى الهجرة غير الشرعية، ومواجهة الإرهاب، وغيرهما من الظواهر السلبية التي تفرض حتمية التعاون والمشاركة بين الجانبين.

عصر جديد

اختتمت النسخة الأولى من القمة العربية – الأوروبية أعمالها على نقاط عدة أهمها القضية الفلسطينية عن طريق التمسك بحل الدولتين وفقاً لكافة قرارات الأمم المتحدة، بوصفه السبيل الواقعي الوحيد لإنهاء الإحتلال الذي بدأ عام 1967، وكذلك الإلتزام بتطوير برنامج عمل تعاوني إيجابي، وبخاصة في مجالات التجارة والطاقة.

وجاء البيان الختامي للقمة في 17 نقطة مختلفة، غير أنه وقبل اعتماده في الجلسة الختامية، أبدت السعودية تحفظاً من عدم إدراج إدانة للتدخلات الإقليمية من بعض دول الجوار في الشأن العربي، وهو ما استدعى أن يقدم الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، توضيحات قائلاً “إن طلب المملكة توافقت معه الإمارات والبحرين، غير أنه كان هناك بعض الحساسيات وعدم توافق كامل من قبل الجانب الأوروبي؛ لذلك لم يتم تضمين هذه الإشارات في البيان”، أخذاً في الإعتبار أن المقصود بالملاحظات القوى الإقليمية المجاورة.

كما وعد قادة الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي، في البيان، أن المنطقتين اللتين تمثلان 12% من عدد سكان العالم، البدء بـ “عصر جديد” من التعاون والتنسيق، واثقين من أن تعزيز التعاون من شأنه تعزيز الإستقرار والرفاه في المنطقتين وفي العالم بأسره، والعمل المشترك في إطار النظام الدولي المتعدد الأطراف القائم على الشرعية. وقد أعاد المشاركون التأكيد على أن التوصل إلى تسويات سياسية للأزمات الإقليمية وفقاً للقانون الدولي، بما فيه القانون الإنساني الدولي، يعد مفتاح تحقيق السلام والرخاء الذي تطلبه وتستحقه شعوب المنطقة.

ولادة قيصرية

قال السفير رؤوف سعد، أمين عام القمة العربية – الأوروبية، إن المشاورات حول عقد القمة العربية الأوروبية استمر حتى اللحظة الأخيرة، لذا يمكن أن نقول إن القمة ولدت بصعوبة شديدة. وأضاف سعد “أن كل ما شهدته القمة العربية – الأوروبية تم الإعداد له خلال الأسابيع الثلاثة الماضية فقط، مما يؤكد على براعة مصر فى إتمام هذا الإنجاز الكبير بشرم الشيخ.”

وأشار السفير سعد إلى أن التحديات الكبيرة التي تواجهها المنطقة العربية وأوروبا فرضت على الطرفين إجراء حوار بينهما، ولو لم يكن هناك اجتماع مسبق بأهمية القمة العربية – الأوروبية، لما رأينا هذا الحضور من الدول العربية والأوروبية على هذا المستوى الرئاسي الكبير.

“أخلاقنا وقيمكم”

“أن الأولوية فى الدول الأوروبية هي تحقيق الرفاهية لشعوبها، أما الأولوية للمنطقة العربية فهي منع دولها من السقوط والإنهيار بسبب التحديات التى تواجهها.” كلمات قالها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أكد من خلالها أهمية تفهم الدول العربية والأوروبية للأولويات المشتركة.

كما أشار الرئيس السيسي إلى أنه لا يمكن تجاهل الأوضاع فى المنطقة العربية، مطالباً بألا يتم عند التحدث عن الواقع في المنطقة العربية، الفصل عن الأوضاع في المنطقة، مشيراً إلى أن ذلك لا يعني تجاوز القانون.

وأضاف الرئيس المصري أن مدينة شرم الشيخ التى تحتضن القمة العربية – الأوروبية قد تتحول بعمل إرهابي واحد إلى مدينة أشباح لمدة 3 أو 4 سنوات، مشيراً إلى أنه قد تتعرض دولة أوروبية لعمل إرهابي واحد فى الوقت الذي تتعرض فيه الدول العربية للمئات من الأعمال الإرهابية، مطالباً بالنظر بعين الإعتبار للأولويات والإهتمامات والنظر إليها بعيون الدول العربية وليس الأوروبية.

في فيما يخص حقوق الإنسان، قال الرئيس السيسي “أنتم تحدثتم عن عقوبة الإعدام في منطقتنا العربية عندما يقتل انسان تأتي الأسر لتؤكد على حق أولادها ويتم استرداد حقهم بالقانون، وإذا طلبنا من الدول الأوروبية تطبيق عقوبة الإعدام على سبيل المثال سيكون أمراً غير واقعي بالنسبة لهم” موكداً على أن عبارة “لدينا أخلاقياتنا ولديكم قيمكم فإحترموا قيمنا وأخلاقياتنا”.

فيما يخص الحملة ضد الإرهاب، قال الرئيس السيسي “إن تأثير قضية الإرهاب بات واسعاً وامتد إلى أوروبا والعالم”، معرباً عن تصوره بأن القناعات بدأت تتزايد لأهمية وجود آلية عمل مشتركة للتعامل مع القضية بشكل متكامل مع الدول المعنية والراغبة فى مكافحة الإرهاب، مضيفاً أن الجماعات الإرهابية باتت تستخدم وسائل اتصال حديثة، مؤكداً على أهمية منع العناصر الإرهابية من استخدام وسائل تكنولوجية متطورة فى تجنيد وجذب عناصر جديدة.

تعميق الجهود

قال دونالد تاسك، رئيس المجلس الأوروبي، إن هذه القمة تعتبر بداية للتعاون والمحادثة الصريحة بين الجانبين، مستكملًا بأنه حان الوقت لنكون صريحين بشأن الشراكة بين الجانبين. وأضاف تاسك “نواجه عدداً كبيراً من التحديات المشتركة في السياق الجيو – سياسي… تحديات مع التعامل مع أزمات الأمن الدولي والإرهاب، ومكافحة تغير المناخ، وضمان التنمية والنمو المستدامة، والإقتصاد المستقر”، وتابع “بصفتنا جيران لا يوجد لدينا أي بديل سوى العمل مع بعضنا البعض، القواعد العالمية أصحبت محط تهديد، هذا هو الواقع عندما نتحدث عن الوضع الحقيقي، عندما نتحدث عن سوريا أو ليبيا أو اليمن أو عملية السلام في الشرق الأوسط.”

وأضاف “أنا سعيد أن أقول إننا بالفعل كتبنا في الإعلان المتمخض عن هذه القمة، وأن ننجدد التزامنا بكافة الجوانب المتعلقة بقانون حقوق الإنسان الدولي، القادة اليوم التزموا بتطوير أجندة التعاون الإيجابي التي تتخطى حدود النزاعات”، واكمل تاسك “نود أن نطور مشروعات مشتركة تغطي الطاقة والسياحة وتشجع الإستثمارات والنمو المستدام، كما سنعمل على تنفيذ اتفاقية باريس، القادة أيضاً اتفقوا على التعاون والتنسيق على عدد من القضايا المتعلقة بالأمن والحدود، نحن نود أن نتصدى للأسباب الجذرية للإرهاب، وأن نعمق جهودنا لمكافحة حركات الإرهابيين عبر الحدود، والتطرق العنيف ينبغي أن ينضب من الجذور.”

رفع الظلم

اعتبر رئيس مجلس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، أن القمة العربية – الأوروبية التي استضافتها مدينة شرم الشيخ، ترتقي لأن تكون قاعدة لإعادة تأسيس الشراكة وتحقيق مصالحة عميقة حول المفاهيم التي تجتمع حولها الدول والمجتمعات في الجانبين. وقال الرئيس الحريري في كلمته “إننا شركاء في تعزيز ثقافة التعددية والحوار بين الحضارات وثقافة التعايش والتكامل بين الأديان وشركاء في حماية بلداننا من مخاطر الإرهاب والتطرف وفي الحلول لمشكلات الهجرة وتداعياتها وشركاء في التبادل التجاري والإستثمار والإفادة من خبرات شبابنا وفتياتنا في التحديث والتنمية وفي التنسيق والتواصل لتحقيق السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط ورفع الظلم التاريخي الواقع على الشعب الفلسطيني.”

وأضاف الرئيس الحريري “نحن في لبنان نتمسك بالتعددية وننادي بحمايتها لأن نقيضها التقوقع الذي يؤدي إلى التطرف والإرهاب كما أننا متمسكون بالاعتدال والدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات.” وعن قضية النازحين أشار إلى أن لبنان يستضيف “ما يقارب مليوني لاجئ معظمهم من النازحين الهاربين من سوريا.” كما ثمن الحريري المساعدات الأوروبية للدول المضيفة ودعا إلى زيادتها، كما طالب المجتمع الدولي بضرورة إدراك خطورة وقف تمويل وكالة “أونروا” وانعكاساته السلبية على لبنان والمنطقة.

كما أكد الرئيس الحريري على أن لبنان سيشهد في المرحلة المقبلة نهضة اقتصادية واستثمارية حقيقية، داعياً الجميع لزيارته، ومثمنا وقوف الإتحاد الأوروبي الى جانبه، كما الأشقاء العرب، حيث قال “نحن مصممون على المضي قدما بكافة الإصلاحات وتطوير القوانين وتحسين مناخ العمل.”

نتائج القمة

إن أبرز النتائج التي تحققت في القمة تتمثل فيما يلي:

  • أكد المشاركون أن التعاون الإقليمي سيكون مفتاح الحل للتحديات المشتركة بين الطرفين، وتبادل الخبرات وتعميق الشراكة الأوروبية العربية من أجل تحقيق الطموحات المشتركة، وتعزيز السلام والإستقرار والإزدهار، وضمان الأمن وتعزيز التنمية الإقتصادية والإجتماعية والتكنولوجية، وخلق فرص مشتركة وخاصة للنساء والشباب.

  • الإلتزام بتعددية الأطراف الفعالة والإستناد إلى القانون الدولي من أجل التصدي للتحديات العالمية، والإلتزام الكامل بخطة التنمية المستدامة لرؤية 2030 العالمية.

  • حماية اللاجئين ودعمهم وفقا للقانون الدولي والعمل بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، وإدانة جميع أشكال التحريض على الكراهية والتعصب، وتعزيز مكافحة الهجرة غير الشرعية ومكافحة عمليات تهريب المهاجرين والقضاء على ظاهرة الإتجار بالبشر، وبذل جهود عالمية لمعالجة تغير المناخ بالإستناد إلى “اتفاقية باريس”.

  • تعزيز التعاون في حل النزاعات وتحقيق الأمن والتنمية الإجتماعية والإقتصادية في جميع أنحاء المنطقة.

  • التعاون الإيجابي في مجالات التجارة والطاقة بما في ذلك أمن الطاقة والعلوم والبحوث والتكنولوجيا والسياحة ومصايد الأسماك والزراعة وغيرها من المجالات ذات المنفعة المتبادلة التي من شأنها خلق الثروة وزيادة معدلات النمو والحد من البطالة من أجل الاستجابة بشكل أفضل لاحتياجات الشعوب.

  • حل الأزمات الإقليمية بالطرق السياسية وحسب القانون الدولي، بما في ذلك قوانين حقوق الانسان الدولية.

  • العمل المشترك على إحلال السلام في الشرق الأوسط بما في ذلك قضية القدس والمستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

  • تحقيق سلام عادل وشامل بين الإسرائيليين والفلسطينيين وحل قضية القدس الشرقية من خلال المفاوضات التي من شأنها إنهاء الخلافات وأهمية الحفاظ على الوضع التاريخي للأماكن المقدسة في القدس.

  • التأكيد على الاستمرار في دعم الأونروا سياسياً ومالياً من أجل الاستمرار في تنفيذ تفويض الأمم المتحدة.

  • دعوة جميع الأطراف في قطاع غزة إلى اتخاذ خطوات فورية لإحداث تغيير جوهري استجابة للقانون الدولي وخاصة فيما يتعلق بالمدنيين وحقوق الإنسان.

  • مناقشة التطورات الأخيرة في سوريا وليبيا واليمن، وسبل إحراز تقدم نحو الحلول السياسية الآمنة بما يتماشى مع قرارات الأمم المتحدة، وضرورة الحفاظ على وحدة وسيادة وسلامة أراضي واستقلال هذه الدول.

  • في سوريا، دعم الحل السياسي بما يتماشى مع قرارات مؤتمر جنيف لعام 2012 وقرارات مجلس الأمن، ومحاسبة المسؤولين على أعمال”الإرهاب” وانتهاكات حقوق الإنسان من قبل أي طرف من الأطراف المتورطة.

  • وفيما يخص ليبيا، الإستمرار في دعم الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة وتنفيذ الاتفاق السياسي الليبي لعام 2015.

  • اعتماد قرارات مجلس الأمن 2216 و2451 و2452 والترحيب بـ “اتفاق ستوكهولم” فيما يتعلق بوقف إطلاق النار في منطقة الحديدة، وتوفير الأمن والعمل على وجه السرعة بإيصال المساعدات الإنسانية والمعدات اللازمة للمحتاجين.

  • مناقشة المخاوف والتهديدات الإرهابية التي من شأنها زعزعة الإستقرار ومكافحة الاتجار بالأسلحة والجريمة المنظمة، والجهود المطلوبة لمنع وصول الدعم لهؤلاء الإرهابيين بما في ذلك الدعم المالي والسياسي واللوجستي والعسكري.

  • أهمية الحفاظ على عدم انتشار الأسلحة النووية في منطقة الشرق الأوسط.

  • مكافحة التعصب بكافة أشكاله، الثقافي والديني والتطرف والتمييز العنصري، الذي يحرض على العنف ضد الأشخاص على أساس الدين أو المعتقد، وإدانة أية دعوة للكراهية الدينية ضد الأفراد بما في ذلك على شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الإجتماعي.

تنسيق مشترك

وفق محللين، تبدو أوروبا اليوم بحاجة إلى التنسيق مع المنطقة العربية بشكل جديد وطريقة مبتكرة تساهم في إعادة ترتيب الأمور في ظل اتجاه بريطانيا نحو “البريكست”، والاتجاه الأمريكي نحو قرارات مستقلة عن الإتحاد الأوروبي، كما أن العرب من جهة أخرى هم أيضاً بحاجة إلى إعادة رسم العلاقات وطرق التعاون مع القارة الأوروبية بأساليب جديدة.

ويبقى الأمل الكبير في سبل تعزيز الشراكة العربية – الأوروبية، بحيث يكون ثمة تعاون اقتصادي متماسك واستراتيجي بين الطرفين يقود إلى آفاق استثمارية وشراكات متعددة الجوانب بما يخدم العرب وأوروبا. في مرحلة قادمة، يفترض أن يتم خلالها تجاوز التصورات التقليدية في عالم لم يعد قائماً على التصورات السابقة، ويعاد تشكيل الكثير من مفاهيمه وعلاقاته الكلاسيكية.

مصدر الأخبار: وكالات.

مصدر الصور: الجزيرة – القاهرة 24 – جريدة المستقبل.