كانت ألمانيا على الدوام وجهة دائمة للدول الراغبة في الحصول على الغواصات، وخلال الخمسين عاماً الماضية باعت شركة (HDW) حوالي 170 غواصة، وحتى العام 2020 تم تصنيع 25 غواصة أخرى.
قوة بحرية
وصلت الغواصات الألمانية إلى ذروة قوتها في العام 1942، وتسببت في غرق 134 سفينة نقل تابعة للحلفاء في المحيط الأطلسي آنذاك، وبالنسبة لقطاع صناعة السفن الألماني فإن تصنيع الغواصات هو “هبة من السماء”. فبعد إنتقال مركز بناء السفن الكبرى إلى حد كبير نحو الصين وكوريا الجنوبية، فإن صناعة الغواصات التي تعمل بخلايا الوقود بالإضافة إلى السفن المتخصصة بتوليد الطاقة الكهربائية من الرياح وكذلك البواخر الفاخرة العملاقة باتت من الأوراق الرابحة القليلة المتبقية؛ ولأن صناعة السفن في ألمانيا باتت مقتصرة على قطاعات قليلة، فقد اضطرت شركة (TKMS) – ومقرها مدينة إيسن – إلى التخلي عن قسم بناء السفن المدنية، مطلع هذا العام (2021)، لمستثمر مالي. فشركة (TKMS) تريد أن تركز جهودها بالكامل على المجال العسكري، وهذا ما تقوم به في المقام الأول، عبر شركتها التابعة (HDW).
من هنا، يسعى الجيش الألماني غلى زيادة أسطوله من الغواصات. بيتر زيغر، المدير التنفيذي لشركة التعدين في كيل، يقول “ليس لدينا أي قلق حالياً بسبب الوظائف في هذا القطاع”. موظفو شركة (TKMS) – البالغ عددهم حوالي 3700 موظف في مجال صناعة الغواصات والسفن – يعتمدون على دعم الدولة.
من هنا، يمكن القول بأن قطاع الغواصات هو قطاع ناجح، واستمراره لا يقتصر على المساهمة الحكومية وإنما على الأهمية المتزايدة للغواصات التي تتلخص مهامها في – بحسب قول الخبير العسكري البحري يورغ كورزنر – أنها تعتبر “حارسة الموانئ، ومرافقة السفن التجارية المشبوهة، دون أن يشعر بها أحد، ومراقبة السواحل. كما أنها تراقب الكترونياً الاتصالات اللاسلكية للدول الأخرى”.
تطور هائل
يتم الآن تحديث الغواصات التي يجري بناؤها للجيش الألماني. كما بات بإمكان الضفادع البشرية اليوم أن تغادر الغواصة بالفعل وذلك عبر أنابيب الطوربيد. كما ينتظر أن يتم توسيع الاستخدامات الممكنة للوحدات الخاصة من خلال غواصات U35 و U36. بالإضافة إلى أن الغواصات ستزود بتقنيات حساسة أكثر تطوراً لتتمكن من توسيع المساحة البحرية التي تراقبها، وكذلك من إطلاق صواريخ وطائرات بدون طيار.
كما أن “شركة ThyssenKrupp Marine Systems الألمانية وقّعت عقوداً لتطوير 6 غواصات تعمل بالديزل والكهرباء من نوع Type-212CD، حيث يبلغ طول النسخ الأساسية من غواصات Type-212CD 56.3 متراً، وعرضها 6.8 متراً، ومقدار إزاحتها للمياه يعادل 1840 طناً، كما يمكن لهذه الغواصات الإبحار بسرعة 20 عقدة بحرية، والغوص إلى أعماق تصل إلى 350 متراً، ونقل طاقم مكون من 27 شخصاً، والعمل في مهمات تصل مدتها إلى 30 يوماً.
تجارة رائدة
بعد أعوام طويلة من المفاوضات بين ألمانيا والنرويج، توصل البلدان أخيراً إلى اتفاق لشراء غواصات قُدرت كلفتها بالمليارات، على أن يتم بناء الغواصات في مدينة ألمانية، كما وستحصل ألمانيا على غواصتين في حين تحصل النرويج على 4 غواصات. وبحسب وكالة “إن.تي.بي” النرويجية للأنباء، سيكلف المشروع النرويج حوالي 45 مليار كرون، أي ما يعادل 4.5 مليار يورو تقريباً. ونقلت أنباء عن تسليمها العام 2025، وأفادت وزارة الدفاع النرويجية – في وقت لاحق – أن الموعد المتوقع للتسليم سيبدأ بين عامي 2028 و2030 على أقرب تقدير.
كما اشترت مصر غواصة ألمانية S-44 من طراز “209/1400″، الغواصة S-44، هي غواصة هجومية، من نوع ديزل كهربائية من فئة “تايب 209/1400 إم.أو.دي” والتي تعد أحدث إصدار من فئة غواصات الديزل الألمانية من هذا الطراز، كما تعتبر هذه الفئة من الغواصات من أفضل الغواصات الهجومية في العالم، والتي تستطيع استهداف سفن السطح المعادية وضرب أهداف أرضية، إضافة إلى مهام نشر الألغام البحرية، وتصل سرعة الغواصة “S-44” تحت الماء إلى 40 كلم/الساعة، و18 كلم/ساعة في وضع الطفو، ويبلغ أقصى عمق يمكن أن تصل إليه 500 متر تحت سطح الماء.
وتعتبر الغواصات الألمانية من فئة “تايب 212” واحدة من أكثر غواصات الهجوم التي تعمل بالديزل والكهرباء تقدماً في العالم، وأول غواصة تستخدم نظام الدفع غير المعتمد على الهواء الذي يوظف خلايا وقود هيدروجينية.
منافسة شديدة
عندما بدأت مفاوضات مصر مع ألمانيا لشراء غواصة حديثة، حاولت الصين بيع غواصتين لمصر بسعر أرخص من غواصتين عرضتهما ألمانيا على مصر، وذلك في إطار مساعي بكين لتوسيع صادراتها من الأسلحة بما يتجاوز سوقها التقليدية في آسيا، وقالت المصادر إن الصين سعت لقطع الطريق على شركات صناعة الغواصات الغربية من خلال عرض أسعار مخفضة وشروط ائتمانية مغرية للمبيعات في آسيا، وأبرمت صفقات مع كل من باكستان وبنغلادش. وبحسب “معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي”، كانت قد احتلت الصين مكان ألمانيا في هذه التجارة في 2015.
من هنا، يمكن القول بأن ألمانيا قد تربعت مجدداً على مستوى العالم في بيع الغواصات المتطورة لديها، ومن خلال الغواصة التي تعمل بخلايا الوقود يبدو أن حوض بناء السفن لمجموعة “تيسن كروب” للأنظمة البحرية (TKMS) يصنع نموذجاً سيسيل له لعاب عدد من الدول في الخارج. فإلى جانب اليونان، هناك البرتغال وتركيا وإسرائيل وكوريا الجنوبية الذين تعاقدوا للحصول عليها، فيما تعثرت المفاوضات مع باكستان. وإن كان لدى الدول المعنية أسباب مختلفة لشراء الغواصة، إلا أن أهم ما يميز الغواصة “U 214″، وهو الاسم الرسمي لها، هو نظام الدفع الخارجي غير المعتمد على الهواء. وهذه الخاصية للغواصة الصغيرة نسبياً (27 جندياً) كانت مقتصرة فقط على الغواصات النووية (حوالي 130 جندي).
أخيراً، لا شك بأن ألمانيا في صفقاتها العسكرية من بيع الغواصات تمنح الدول المشترية أفضلية كبيرة على الصعيد العسكري، لما تتمتع به تلك الغواصات من إمكانيات كبيرة؛ فمنذ العام 1971، بدأت ألمانيا تبرز في هذه الصناعة حيث برهنت تذك الغواصات – منذ استخدامها الأول في المسارح العملياتية الحربية قبل 100 عام – على أهمية دورها كعنصر رئيس من عناصر تحقيق السيادة البحرية.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: منتدى التحالف لعلوم الدفاع – الدفاع العربي.
موضوع ذا صلة: العمليات الحربية البحرية