إعداد: يارا انبيعة

منذ 5 سنوات عادت شبه جزيرة القرم، وتحديداً القاعدة العسكرية في مدينة سيفاستوبول، إلى قوام روسيا الإتحادية كيانين فدراليين بعد مصادقة البرلمان الروسي بعد الإستفتاء الذي جرى في منطقة فيها، 16 مارس/آذار 2014، والذي أعلن من خلاله إعلان استقلال “جمهورية القرم” عن أوكرانيا بشكل أحادي الجانب، حيث وقع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على اتفاقية انضمامها إلى الإتحاد، 18 مارس/آذار 2014، وأصبحت جزءاً من الأراضي الروسية وكان هذا الحدث سبباً لفرض العقوبات الغربية على موسكو والتي لا تزال تداعياتها مستمرة حتى اللحظة.

تحقيق الإندماج

إن إحدى أهم الإنجازات التي تحققت كانت تأمين الإستقرار الإجتماعي والحياة الكريمة لأكثر من مليوني مواطن يمثلون 175 قومية، بعدما كان المخطط الأميركي – الغربي، بحسب العديد من المراقبين، يهدف لتحويل شبه الجزيرة إلى منطقة فوضى ومحطة إنتقال للتنظيمات المتطرفة لإعاقة حركة الملاحة الروسية في البحر الأسود، خصوصاً وأن “الربيع العربي” كان على أوجه ورصد منظره، برنارد هنري ليفي، في أوكرانيا وساحاتها من اجل مواجهة روسيا وتقليب الرأي العام الداخلي والدولي عليها بسبب مواقفها الدولية.

أما على المستوى الشعبي العام، فيرى العديد من المحللين بأن عملية استعادة القرم بثت روحية وطنية مع الشعور بالفخر لدى معظم شرائح المجتمع الروسي، وبات القرار محط إجماع وتأييد ملايين المواطنين الذين ينتمون لفئات عمرية وقوميات ومعتقدات وأحزاب مختلفة. فبعد أن كانت معظم المرافق الحيوية فيها شبه معطلة أو منهارة تحت حكم الإدارات الأوكرانية المتتالية، عادت الحياة من جديد مع مرحلة الدمج في المجالين الإقتصادي والإجتماعي الروسي، حيث تم تأمين المياه والربط الكهربائي بشكل مستقر ومستقل عن أوكرانيا التي حرمت القرم من تلك الموارد عقابا على قراره الوطني وضخت الإستثمارات الروسية لإنعاش المنطقة التي كانت مهمله على طول 23 عاماً.

عملياً تضاعف حجم الإنتاج الصناعي بالمقارنة مع العام 2015 وانخفض معدل الوفيات العام بنسبة 7.5% ومعدل وفيات الأطفال بنسبة 40%، كما وصلت إمدادات الغاز للمنازل في 19 مدينة وحاضرة سكنية جديدة، لتصبح نسبة التزويد المباشر بالغاز للمنازل 75%، في العام 2019، كما من المقرر إيصال الوقود الأزرق إلى 12 حاضرة سكنية إضافية أيضا في نفس العام، وتم إنجار بناء 350 ألف متر مربع ضمن خطة تطوير الإسكان بمعدل يزيد ضعفين عن مؤشرات الحقبة الأوكرانية.

وفي مجال الرعاية الصحية تم تفعيل صندوق التأمين الطبي الإلزامي كما يجري العمل على بناء وإستحداث وتطوير المراكز الطبية ضمن المشروع الوطني للرعاية الصحية وفقاً للمعايير الفدرالية ومن أبرز المشاريع الطبية بناء مركز سيمفروبل الذي سينتهي تشييده، في العام 2019، ليصبح واحداً من أهم المراكز الطبية في روسيا.

إرتفاع الإيرادات

شهد العام 2018 تزايداً ملحوظاً في عدد زائري المنتجعات السياحية ليبلغ إجمالي عدد الوافدين 6.8 مليون سائح خلال السنوات الخمس الماضية، حيث إستفادوا من إفتتاح حوالي 58 مرفقاً وفندقاً ومنتجعاً سياحياً جديداً بالإضافة إلى تحديث 173 منشأة قديمة، فيما العمل جارٍ على قدم وساق لتأهيل واستحداث وتعبيد مئات الكيلومترات من الطرق السياحية بين الأقاليم.

في النتائج العملية، إرتفعت إيرادات الموازنة حوالي ثلاثة أضعاف عن الحقبة الأوكرانية ما أتاح المجال لتمويل وتحديث العديد من المرافق الصناعية والإنتاجية، كما تم تخصيص موازنات إضافية للإنفاق الإجتماعي وتمويل العديد من القطاعات، كالتعليم والطبابة والثقافة والرياضة، تراوحت ما بين 3 و5 أضعاف.

ربط للأطراف

لقد أبعد افتتاح جسر القرم ومطار سيمفروبل الدولي خطر سياسة الحصار الجغرافي المفروض عليها، فالعمل جارٍ بشكل مستمر بعد إطلاق طريق “تافريدا” السريع، الذي ربط ما بين مدينتي كيرتش وسيفاستوبول، على بناء خط سكك الحديد الذي يربط شبه الجزيرة بباقي المناطق الروسية.

فيما يخص الجسر، أنجزت شركات الإنشاءات المكلفة بربط شبه جزيرة القرم بروسيا، نصف السكة الحديدية عبر جسر القرم لربطها بروسيا فوق مضيق كيرتش بين البحرين الأسود وآزوف. وحتى الآن تم مد حوالي 19 كلم من الخط الحديدي من أصل 38 كلم، ومن المتوقع الانتهاء من أعمال مد الخط بالكامل نهاية العام 2019. ويعتبر الجسر أحد اهم الشواهد على روعة التصميم والتنفيذ، حيث تم مد جيل جديد من القضبان الحديدية، تتحمل زلازلا بقوة تصل إلى 9 دراجات، على مقياس ريختر.

محطتين حراريتين

دشن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، محطة بالاكلافسكايا في مدينة سيفاستوبول وأعطى الضوء الأخضر لإطلاق محطتين حرارتين لتوليد الطاقة الكهربائية في القرم، بما يخدم تحقيق شبه الجزيرة الاستقلال التام في الطاقة الكهربائية. ولقد قامت مؤسسة “تيخنوبروم إكسبورت”، التابعة لشركة “روستيخ” الحكومية، بتنفيذ أعمال بناء المحطتين وبتجهيزات وطنية، لتبلغ استطاعتهما 940 ميغا واطاً، تلبي احتياجات القرم من الطاقة بشكل كامل، وتوفّر احتياطياً في الطاقة.

في هذا الشأن، علق السكرتير الصحفي للرئيس الروسي، دميتري بيسكوف على إطلاق المحطتين، بالقول إن “إطلاق هاتين المحطتين يعني الإستقلال التام للطاقة في شبه جزيرة القرم، وعلاوة على ذلك سيكون بمقدور القرم توريد الكهرباء إلى المناطق المجاورة.”

إشادة غربية

عبر وفد ألماني، زار القرم، عن انطباعاته حول التغيرات التي طرأت على شبه الجزيرة في السنوات الخمس الماضية، وضم الوفد ممثلين عن منظمات المجتمع المدني في ألمانيا وصحفيين. رئيس الوفد ونائب رئيس منظمة “رابطة الأمن والسياسية” الألمانية، فرانك بورش، قال “نشاهد أن القرم أحرزت تطوراً وجذبت استثمارات على مدى السنوات الخمس الماضية. وأثار إعجابنا جسر القرم ومطارها الجديد”، مشيراً إلى أن السلطات في كييف لم تفعل شيئاً لشعب القرم، بمن فيهم التتار، كما لم تطور شبه الجزيرة، خلال فترة سيطرتها عليها، عكس السلطات الروسية. وأضاف بورش “لقد تفاجأنا بما فعلته السلطات في السنوات الأخيرة لصالح سكان القرم، وزرنا أماكن كثيرة في شبه الجزيرة ورأينا أن سكانها مسرورون وراضون عن حياتهم هنا.”

كما عبر السياسي الإيطالي والعضو في بلدية مدينة بولونيا، فالتر كاردي، عن انطباعاته حول زيارته لشبه الجزيرة، إذ قال “يمكنني إجراء مقارنات، فقد زرت شبه جزيرة القرم قبل خمس سنوات، وأرى الآن أنكم تضعون حجر أساس في مختلف الإتجاهات لبناء مستقبل مشرق للقرم ولأطفالكم، مستقبل أطفالكم تم تحديدهم خلال ربيع القرم، لأن الخيار الذي اتخذتم حينذاك تم بشكل ديمقراطي، حيث قرر الناس أنفسهم مصيرهم دون أي تأثيرات خارجية.”

ماذا عن التتار؟

أكد النائب في مجلس الدوما الروسي، روسلان بالبيك، أن روسيا حققت لتتار شبه جزيرة القرم ما عجزت السلطات الأوكرانية عن تحقيقه، وقال بالبيك “إن تتار القرم وغيرهم من القوميات المهمشة حصلوا أخيراً على حقوقهم بقرار من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بإعادة ممارسة تقاليدهم وثقافتهم الخاصة، والتي كانت مسلوبة بفعل القوانين الأخرى قبل عودة القرم لروسيا العام 2014.” وأشار بالبيك إلى أن هناك خطوة غير مسبوقة تدل على أن تتار القرم حصلوا على حقوقهم، وأصبحت المدارس والمعابد تتبع إدارة مركزية واحدة بقيادة مسلمي القرم، وقبل العام 2014 لم تكن هناك إدارة موحدة لهذه المعابد، مما أدى لظهور الجماعات المتطرفة التي كانت تسعى للحصول على هذه المعابد بالقوة لنشر الآيديولوجية المتطرفة بين المسلمين هناك. كما نوه بأن موسكو حققت رغبة مسلمي القرم بعد 15 عاماً، من مطالبهم للسلطات الأوكرانية ببناء مسجد جامع لهم في شبه الجزيرة، ولكن قوبلت طلباتهم بالرفض من سلطات كييف، وحقق الرئيس الروسي طلبات المسلمين وتم بناء المسجد الجامع بنسبة 99%. وفي هذا الشأن، وجه الرئيس بوتين دعوة الى الرئيس التركي، رجي طيب أردوغان، من أجل حضور حفل افتتاح المسجد الجديد، مشيراً إلى أن الرئيس التركي “تعامل بإيجابية” مع الدعوة.

هذه الخطوة، تعبر عن منتهى الذكاء الذي يملكه الرئيس الروسي؛ فبمجرد قبول الدعوة، لا الحضور حتى، يكون الرئيس أردوغان قد كسر العزل الدولي على روسيا لجهة ضم القوم بإعتبارها أرضاً روسية، كما أنه يكون بذلك قد خفف من التوتر المشترك الذي يعود إلى القرن التاسع عشر فيما يخص هذه المنطقة تحديداً والتي شهدت حروباً دامية بين الطرفين، إضافة إلى كونها رسالة إلى مسلمي القرم للإندماج تحت الدولة الروسية. لكن هذه الخطوة ستكون محل تفكير من قبل الرئيس المحنك، أي أردوغان، لكونها ستؤدي إلى تبعات كبيرة على أنقرة في العديد من النواحي، لا سيما السياسية والإقتصادية منها.

في المقابل، يعتبر نائب رئيس مجلس تتار القرم، ناريمان جلالوف، أن السلطات الجديدة عجزت عن استيعاب أبناء شعبه الذين ما زالوا يشعرون بالتهميش تحت السيادة الروسية، ويشير إلى أن ثمة إجماع بين تتار القرم على أنهم لم يقبلوا بتغيير الوضع السياسي، ويتمنون، سواء علناً أو سراً، استعادة وحدة الأراضي الأوكرانية.” ويضرب جلالوف مثلاً على ذلك من خلال عزوف التتار عن المشاركة في الحياة السياسية الروسية، مضيفاً “لم تزد نسبة مشاركة التتار في الإنتخابات الرئاسية التي جرت في الذكرى الرابعة للضم في العام 2018 عن 10% إلى 15%، بحسب تقديراتي، وأغلبهم موظفون حكوميون خضعوا لضغوط إدارية.”

تأثير العقوبات

في هذا المجال، يمكن القول إنه لا تزال تظهر آثار العقوبات على حال المواطنين ومعيشتهم، فالصعوبات مستمرة في تحويل وسحب وإيداع الأموال عبر نظام “الفيزا” و”السويفت”، كما أن البنوك الوطنية الروسية التي تعمل في القرم مهددة بالعقوبات والحرمان من العمل في السوق العالمية. فعلى سبيل المثال، بنى بنك سبيربنك، وهو الأكبر في روسيا، فندقاً بإسمه في القرم لكنه لم يتمكن من وضع جهاز بنكي آلي атм واحد لصالحه.

إضافة إلى ذلك، يجد مشغلي شبكات الخلوي في روسيا صعوبة في دمج مناطق القرم ضمن مساحات تغطيتها للجغرافيا الروسية وخدمات الرومينغ الدولية، ناهيك عن الضغوطات التي تمارس على المواطنين المسجلين في القرم والراغبين في الحصول على تأشيرة دخول إلى الإتحاد الأوروبي.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: سبوتنيك – cellcode.us – موقع رام الله الإخباري.