إعداد: يارا انبيعة

منغوليا، ماضٍ تليد وحاضر غريب. شعب يعشق الخيول حتى قيل بأن “المنغولي بلا فرس، كالطائر بلا جناحين”. يعتبر البلد الوحيد بالعالم الذي يزيد فيه عدد الخيول على تعداد السكان بثلاثة عشر ضعفاً، حيث لعبت العزلة والطقس البارد دوراً هاماً في جعل السكان يهتمون بتربية الخيول وقد اتخذوها وسيلة للترحال وكسب العيش. كما تعد الماشية من أهم موارد العيش والدخل القومي للبلاد.

حالياً، يهجر آلاف الرعاة أسلوب حياتهم القديمة بالتوجه إلى العاصمة المنغولية المزدحمة، أولان باتور، في وقت يمثل فيه التراث البدوي جوهر وماهية منغوليا التي تمر بمرحلة انتقالية مفاجئة من الإقتصاد الموجه إلى دولة ذات ديمقراطية فوضوية واقتصاد حر، ومن ثقافة بدوية بالكامل إلى ثقافة عصرية وأسلوب حياة حضري.

التغيرات المناخية

يمثل أصحاب القطعان شبه الرحل والرحل في منغوليا نحو 30% من سكان البلد، هؤلاء الريفيون المتباهون والقادرون على التحمل يكسبون قوتهم من خلال تربية الخيل والجمال والماعز والماشية والأغنام من أجل الحصول على الحليب والكشمير واللحم وغيرها من منتجات الثروة الحيوانية. ويمثل الحفاظ على دخل منتظم معركة دائمة، إذ أن المناخ في هذا البلد شبه القاحل عرضة لشتاء قارس تصل فيه درجات الحرارة لحد التجمد، وصيف شديد الجفاف.

وكما هو الحال كل عام، يكون الشتاء قارساً حيث تدنت درجات الحرارة الى 50 تحت الصفر، فتتجمع الثلوج لتغطي الأرض العشبية المتموجة. هذه التغيرات أدت، في فترة من الفترات، إلى نفوق أكثر من مليون رأس من الأبقار والأغنام والماعز بعد أن عانت الهزال بسبب الجفاف. فلقد أدى الجفاف الشديد الذي أصابها، في الصيف ما بين العامين 2001 و2010، إلى انحسار المراعي وعدم توافر الأعلاف، مما تسبب في تذبذب حالة الماشية وأدى إلى حدوث وفيات جماعية خلال فترات الشتاء القاسية قدرت بنسبة 9.7 مليون رأس، علاوة على مساهمة أمراض القدم والفم في 10% من صدمات المواشي.

من هنا، يعد التغير المناخي “المتهم الأول” فيما يحدث حيث تعاني منغوليا، الدولة الحبيسة المنغلقة البعيدة عن مؤثرات الحداثة الآتية من المحيط، أكثر مما تعاني أي منطقة أخرى من العالم. ففي أحسن الأحوال، يسود طقس متقلب تسقط فيه بعض الأمطار، وتتقلب فيه درجات الحرارة بصورة مهولة، وهذا هو السبب في أن تلك البلاد لا يسكنها سوى 3 ملايين نسمة، يعيشون في مناطق متفرقة، في حالة تعتبر الأغرب عالمياً.

وفي السياق ذاته، أفادت وزارة البيئة المنغولية بأن مئات الأنهار والبحيرات والينابيع قد جفت في مختلف أنحاء البلاد. ومع انحسار وتراجع الماء، فإن الصحراء تتقدم إذ أن 3/4 الأراضي في منغوليا أصبحت تعاني من التصحر، وبات الخطر يتهدد الربع الباقي وذلك بحسب دامدين داغفادورج، مدير أكاديمية إدارة وتنمية المناخ بالعاصمة المنغولية.

فترات إنتقالية

يقع الكثير من اللوم على الإدارات المحلية خلال الفترتين الإنتقاليتين اللتين مرت بهما البلاد. فخلال الحقبة السوفياتية، حافظت منغوليا على أسلوب الحياة البدوية، وكانت الماشية ضمن ملكية الدولة، وإن كانت أعدادها محدودة، فيما كانت الدولة توفر الرعاية البيطرية والأعلاف والأسواق. وبعد تفكك الإتحاد بثلاث سنوات، شرعت الدولة في تخصيص ملكية قطعان الماشية.

في تلك الفترة، ازدادت أعداد الماشية زيادة كبيرة نظراً لأن الرعاة باتوا يقيمون ثرواتهم وجاههم وفق أعداد الماشية التي يمتلكها كل منهم، غير أن دعم الدولة اختفى بين ليلة وضحاها.

أما اليوم، فهناك ما يربو على الـ 66 مليون رأس ماشية، بنسبة دخل تقدر بـ 35% من الأسر المعيشية، وهو يعادل ثلاثة أضعاف الرقم القديم البالغ 23 مليون رأس، والذي كان موجوداً خلال الحقبة الشيوعية. ويعد الرعي المفرط سبباً جوهرياً في تآكل المراعي، في ظل الزيادة الكبيرة في أعداد الماعز والخراف بغرض التجارة في أصوافها، إضافة إلى سبب آخر أساسي وهو عمليات التعدين المنتشرة عشوائياً والتي تستهلك كثيراً من المياه الجوفية، مما تسبب في تراجع مستويات المياه.

في هذا الصدد، قالت سارول خوادو، المسؤولة بمعهد الأبحاث البيئية بالعاصمة المنغولية “إن الحكومة فشلت في الإرتقاء بالتعليم والرعاية الصحية والبيطرية في المجتمعات الرعوية، ولذلك لم يعد هناك ما يحفز على البقاء في المناطق الريفية.”

المشاكل والحلول

يعيش البدو حياة خشنة قاسية إذ أصبح أسلوب حياتهم القديم مهدداً أكثر من أي وقت مضى، فالتغييرات المناخية العالمية التي تزامنت مع سوء الإدارة البيئية المحلية، والإهمال الحكومي، وإغراءات الحياة العصرية، جميعها شكلت مزيجاً ساماً كفيلاً بتغيير شكل الحياة هناك كلياً.

إضافة إلى ذلك، عندما يتم تدمير سبل رعاة الماشية بسبب الآثار التراكمية للتغير المناخي، أو للـ “دزود” كما يسمونها، والقروض ذات الفائدة المرتفعة التي ينفقونها للبقاء على قيد الحياة، ينتقل العديد منهم إلى المدن خصوصاً وأنهم يعيشون في حالة من الفقر المدقع ضمن أماكن تفتقد إلى البنى التحتية الأساسية العاملة.

في المقابل وبالتعاون مع الحكومات الوطنية والشركاء في المجالات الإنسانية والإنمائية والعلمية، وضعت منظمة “الفاو” نهجاً للإنذار المبكر من خلال مراقبة نظم المعلومات المخاطر وترجمة التحذيرات إلى إجراءات استباقية. وتأمل المنظمة في أن تتمكن من مساعدة الفقراء والضعفاء على الحفاظ على ثقتهم بأنفسهم وكرامتهم، وقبل كل شيء، إنسانيتهم ​​لمواجهة تحديات المستقبل.

وبفضل هذه الإجراءات المبكرة، فغن مقابل كل دولار أنفقته المنظمة رأى الرعاة فوائد بقيمة 7.1 دولار لكل أسرة، مع تجنب الخسائر والمزايا الإضافية. كما توفي عدد أقل من الحيوانات، وأصبح عدد أقل منها يمرض أو ينحف.

إهتمامات دولية

تقع أهمية منغوليا، بقطاعها الحيواني، ضمن دائرة الأطماع الدولية خصوصاً في وقت بدأ العالم يستشعر فيه الخطر القادم على الحياة بسبب مشاكل الإحتباس الحراري. من هنا، بدأت الدول، لا سيما الكبرى منها سياسياً واقتصادياً، تنظر إلى كيفية تأمين حاجات مواطنيها في حال وقوع الأسوأ وتقوم بتوطيد العلاقات مع منغوليا بشكل أعمق.

فعلى سبيل المثال، أدخلت الصين منغوليا ضمن مشروع “طريق الحرير” من خلال إعادة إحياء “طريق السهوب”، الذي يمر فيها، إلى روسيا كممر أساسي، كما رفع الرئيس الصيني، شي جين بينغ في العام 2014 وخلال زيارته التاريخية، مستوى العلاقات بينهما إلى “علاقات شراكة استراتيجية شاملة”. ومنذ ذلك الوقت، بدأ التعاون الثنائي السير على مسار أسرع.

وفي أبريل/نيسان من العام 2018، أعلن رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، أن وكالة التعاون والتنسيق – تيكا نفذت 550 مشروعاً منذ العام 2002، متطرقاً إلى أهمية المشاريع التي نفذتها في قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: eurasianet.org- منظمة الفاو.