حسين الموسوي*
لم تكن المذبحة التي ارتكبها الأسترالي برينتون تارانت، في منطقة “كرايستتشرش” النيوزيلندية، جريمة إرهابية أودت بحياة عشرات المدنيين فحسب، بل هي نبوت بذرة سامة اسمها التطرف وكراهية الأديان.
يمكن تحديد تاريخ ظهور الإطار الرسمي لليمين المتطرف في الغرب، وتحديداً أوروبا، بـ 18 يونيو/حزيران 2018، وهو تاريخ الإجتماع الذي احتضنه فندق “براونز سان جورج” “Browns & St Georges” في حي “مايفير” غربي العاصمة البريطانية – لندن، والذي أسس لما سمي “الحركة” برعاية الأب الروحي الحالي لليمين المتطرف ستيف بانون، المستشار السابق للرئيس الأميركي دونالد ترامب.
خلفيات البيان
في البيان الذي نشره برينتون تارانت تبريرا لجريمته، أظهر خلفيات عميقة لنظريات اليمين المتطرف التي يتبناها والتي ساهمت في دفعه لإرتكاب جريمته. من أبرز هذه الإشارات:
- أشار تارانت إلى مصطلح “الإستبدال العظيم” أو “The Great Replacement” المبني على فكرة أن السكان الأوروبيين المسيحيين البيض يتم استبدالهم بغير الأوروبيين، لا سيما من دول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وذلك عبر الهجرة الجماعية والنمو السكاني. وبالتالي لا بد من تغيير هذا الواقع.
- نظرية الإستبدال العظيم روج لها الكاتب الفرنسي، جان رينو كامو، الذي تأثر في تبنيه لهذه النظرية بمواطنه، جان راسبيل، وكتابه “مخيم القديسين” إضافة للكاتب السويسري – الإسرائيلي، بات ياور، وهنا يمكن الإشارة إلى أن للكيان الإسرائيلي له نصيب في نظريات ونشاطات اليمين المتطرف. هذا وقدم كامو كتابه الذي أظهر النظرية رسمياً بعنوان “الإستبدال العظيم”، في العام 2012.
- يبدو أن تارانت متأثر للغاية بالنظرية اليمينية لدرجة أنه سمى بيانه التبريري للجريمة بنفس الإسم، وهو ما يشير إلى تبنيه الأفكار الداعية لـ “الإنتقام” من المسلمين والشرقيين، لأنهم بحسب النظرية احتلوا أوروبا وهددوا العرق الأبيض.
شخصيتان فاعلتان
ارتباطاً بالعرق الأبيض ونظرية تفوقه، تبرز لفتة خطرة في بيان تارانت وهي إشادته بشخصيتين:
- قد تبدو الشخصية الأولى متوقعة وهي أندرس بريفيك مرتكب “مجزرة أوتايا” في النرويج، العام 2011. وفي قضية بريفيك يبرز، اسم الكيان الإسرائيلي مرة أخرى، حيث ذكر في بيان جريمته كلمة “إسرائيل” أكثر من 300 مرة، وطبعاً بشكل إيجابي.
- الشخصية الثانية هي الأكثر لفتاً للأنظار. فتارانت أشاد بالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، واعتبره (إضافة إلى بريفيك) الوجه المشرق الجديد لـ “العرق الأبيض”. ومع أن هذه الإشادة لا تبدو مستغربة تماماً بالنظر إلى أن الرئيس ترامب أشاد سابقاً بمؤيدي نظرية “تفوق العرق الأبيض” في أحداث “تشارلوتسفيل” العام 2017، إلا أن ظهور صورة وتوجهات الرئيس ترامب في خلفية تارانت تدعو للبحث في أسس التفكير والنشاط الذي أوصل إلى ارتكاب مجزرة المسجدين في نيوزيلندا.
نظريات عرقية
ما أظهره تفكير تارانت يشير إلى مشروع كبير يُعمل عليه على مستوى الغرب، عامة، وأوروبا، تحديداً، وأبرز ملامحه تظهر عبر ما يلي:
- ليس تارانت الأول ولن يكون الأخير في مشروع اليمين المتطرف المبني على نظريات عديدة إضافة لـ “الإستبدال العظيم” مثل “نظرية الآخر” أو “Othering”. فما حصل في نيوزيلندا كشف خلفية مؤطرة بأفكار قديمة جديدة حول التطرف والكراهية ضد الأديان والأجانب، وهذه الأفكار تعود من جديد وبشكل مؤطر سياسياً ومؤسساتياً واجتماعياً هذه المرة.
- هذ التأطير السياسي والمؤسساتي يتمثل، كما ورد أعلاه، بإجتماع ستيف بانون مع قادة أحزاب يمينية أوروبية، والذي وضع خطة لتعزيز نفوذ هذه الأحزاب في “القارة العجوز”، وصولاً إلى التحكم بها عبر الإستيلاء على الإتحاد الأوروبي، كما يؤكد بانون نفسه.
*باحث لبناني زميل
مصدر الصورة: ABC News.