ربى يوسف شاهين*

 في أغسطس/آب من العام 1897، عقد المؤتمر الصهيوني الأول الذي يعتبر المؤتمر الإفتتاحي للمنظمة الصهيونية، بزعامة تيودور هرتزل، في مدينة بازل السويسرية حيث جمع أغنياء اليهود للمساعدة في تمويل المشروع الكبير للإمبريالية الصهيونية التي ما زالت آثاره حتى يومنا هذا. حينها، خرج هذا المؤتمر ببرنامج بازل الذي كان أحد اهم بنوده قيام وطن قومي لليهود معترف به وفق القانون العام، وتعزيز الإستيطان في فلسطين، وتقوية الشعور الصهيوني لدى اليهود كافة.

كان تيودور هرتزل الأب الروحي للدولة اليهودية، فهو من أعطى منصة وإطاراً ملموساً وعملياً للصهيونية السياسية، إلا أن تسيفي هيرش كاليشر، وهو حاخام ألماني أرثوذكسي، كان سبق هرتزل في فكرة إقامة دولة إسرائيل في فلسطين ولكن من منظور ديني.

استمرت المؤتمرات التي تساند الحركة الصهيونية، والتي كانت الولايات المتحدة الداعم الأكبر لها، ليعقد “مؤتمر مدريد” للسلام، في العام 1991، برعاية بوش الأب، الرئيس الأمريكي الراحل، والذي أخذ على عاتقه إيجاد مبادرة عربية – إسرائيلية تقوم على مبدأ الأرض مقابل السلام والوفاء بالحقوق الفلسطينية.

جاء هذا المؤتمر بعد طرد القوات العراقية من الكويت، في حرب الخليج في العام 1991. فكرة بوش الأب حول النظام الجديد في الشرق الأوسط صبت في مصلحة إسرائيل أولاً مع ضمان المصالح الامريكية في المنطقة ثانياً. حينها، قام وزير الخارجية الأسبق، جيمس بيكر، بثماني زيارات دبلوماسية للمنطقة لدعم المؤتمر بالاشتراك مع الإتحاد السوفياتي، ووجهت دعوات لكل من سوريا ولبنان والأردن وفلسطين وإسرائيل.

من الواضح أن المخطط الأمريكي – الصهيوني قد بدأ يأخذ منحى آخر عبر بوابة السلام، لكن المحادثات فشلت ليعقبه انعقاد “مؤتمر أوسلو”، بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، والذي يضمن اعترافاً بدولة إسرائيل، وتوج بإتفاقية غزة – أريحا، وتواجد السلطة الوطنية الفلسطينية على الضفة الغربية وغزة، في العام 1994.

وها هي المشاهد تكرر النهج الأمريكي المتبع نفسه عبر الدعوة لـ “مؤتمر وارسو” وجولات وزير الخارجية، مايك بومبيو، للشرق الأوسط، مع اختلاف جوهري يكمن في أن كثيراً من الحكومات العربية قد طبعت مع إسرائيل علناً. فالإتفاقيات والمعاهدات السرية التي كانت تقيمها مع الكيان الصهيوني على غرار مؤتمر “كامب دايفيد” بين مصر وإسرائيل، قد بدأت آثارها تظهر على الأرض في كم الإستباحة للأرض؛ فسيناء ما تزال مستعمرة إسرائيلية يراد بها توطين اللاجئين الفلسطينيين، وكذلك مزارع شبعا اللبنانية.

ما حدث بتوقيع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على ضم الجولان السوري لإسرائيل هو العزم على توسيع رقعة الدولة اليهودية لإكمال تنفيذ بنود “صفقة القرن” المشؤومة، وإذا لم يتم الوقوف بوجه هذه اللعبة الأمريكية – الصهيونية، ستضاف إليها مزارع شبعا اللبنانية.

خرق للمواثيق والقوانين الدولية وعلى مرأى من العالم أجمع لم يشهد له التاريخ في عرف السياسات قاطبة. هذا الفجور السياسي الذي ينتهجه الرئيس ترامب، وبالرغم من سنوات الحرب الكارثية على سوريا والتي رعاها هو شخصياً، ما زال مستمراً في استكمال اللعبة واستثمار محاربة تنطيم “داعش”.

ولكن، في سوريا لا تنازل عن حبة من تراب وطننا الغالي؛ فمحور المقاومة والجيش العربي السوري، عازمون على المضي قدماً في محاربة الإرهاب الأمريكي – الاسرائيلي، وما الأخذ بالحكمة والتعقل  السياسي، حتى الآن، إلا درء لإراقة المزيد من الدماء، لكن الأرض هي العرض، وتاريخ سوريا يشهد على ذلك.

*كاتبة وإعلامية سورية

مصدر الصورة: الجزيرة.