إعداد: يارا انبيعة

في الوقت الذي تتواصل فيه المعارك بين قوات “شرق ليبيا” (الجيش الوطني الليبي)، بقيادة المشير خليفة حفتر، وقوات حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا في طرابلس، بقيادة فايز السراج، عند تخوم العاصمة الليبية تثير تلك المعارك العديد من التساؤلات، أهمها: لماذا قرر المشير حفتر التقدم والسيطرة على طرابلس في هذا التوقيت بالذات؟ ما مدى تورط أطراف إقليمية ودولية في الصراع الدائر في ليبيا؟ كيف يؤثر ما قام به حفتر على الجهود الدولية الهادفة إلى إيجاد نهاية للصراع خاصة وأن تقدمه بإتجاه طرابلس الغرب جاء قبل 10 أيام فقط من انطلاق مؤتمر الحوار الوطني الجامع بمدينة غدامس تحت رعاية أممية؟

ضوء أخضر

في 4 أبريل/نيسان2019، أعلن المشير حفتر عن إطلاق عملية عسكرية للاستيلاء على العاصمة في وقت تتضارب فيه الأنباء عن سير تلك العملية. فبينما أعلنت حكومة الوفاق استعادة مطار طرابلس القديم من أيدي قوات حفتر، أكدت الأخيرة أنها ما تزال تسيطر عليه، في وقت أشارت فيه أنباء إلى استخدام القوات الموالية لحكومة طرابلس سلاح الجو في سعيها لطرد القوات المتقدمة واستعادة السيطرة على المناطق التي استولت عليها.

ويتناول المراقبون العملية العسكرية تلك بعدة جوانب، خصوصاً فيما يتعلق بالتوقيت إذ يشير بعضهم إلى أنه ربما كان قد حصل على ضوء أخضر من قوى دولية وإقليمية داعمة له، ويتحدثون عن أن القائد العسكري، الذي يوصف بأنه صاحب طموحات كبيرة فيما يتعلق بقيادة ليبيا، ربما أقدم على تلك الخطوة بهدف تحسين موقفه التفاوضي في المؤتمر الدولي الذي كان مزمعاً عقده بعد عشرة أيام تحت رعاية أممية. كما ولا يستبعد هؤلاء أيضاً أن يكون المشير حفتر قد استغل انشغال الجيش الجزائري بمشهد الحراك الحاصل في البلاد كي يقوم بتنفيذ مهمته برعاية بعض القوى الإقليمية، إذ أن الجزائر كانت تعارض دوماً قيام حفتر بعمليات عسكرية من هذا القبيل نظراً لأنها تراها تهديداً لأمنها القومي.

ويبدو جلياً، لمن يتابع الشأن الليبي، أن الجيش الوطني بقيادة حفتر يتلقى دعما كبيراً من قبل كل من مصر والإمارات العربية والمملكة العربية السعودية، وكان حفتر قد زار الرياض قبل أسبوع واحد من بدء العملية وسط تكهنات بأن السعودية كانت على اطلاع بما ينوي القيام به. على الجانب الآخر، يتهم حفتر دوما، كلا من تركيا وقطر بدعم حكومة السراج المعترف بها دولياً.

دعوات لوقف التقدم

اعتبرت بريطانيا أنه لا مبرر على الإطلاق العملية العسكرية متعهدة بتفعيل كل القنوات لمنع تصعيد الوضع، حيث قال وزير الخارجية البريطاني، جيرمي هانت “إننا نتابع الأوضاع في ليبيا عن كثب، وبعد اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بقيادة المملكة المتحدة وبيان مجموعة G7 الأسبوع الفائت، سأبحث الخطوات اللاحقة مع الإتحاد الأوروبي في بروكسل.” وشدد هانت على أن كل القنوات ستكون عاملة من أجل التشجيع على ضبط النفس وتفادي سفك الدم، مشيراً إلى أنه لا مبرر لتقدم الجيش الوطني الليبي نحو طرابلس.

بدورها، دعت الولايات المتحدة  إلى وقف العمليات العسكرية، في حين عرقلت روسيا صدور بيان لمجلس الأمن يطالبه بوقف الهجوم. وقال وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، في بيان “إن واشنطن تشعر بقلق عميق من القتال قرب طرابلس وتحث على إجراء محادثات لوقف القتال”، وأضاف “لقد أوضحنا اعتراضنا على الهجوم العسكري الذي تشنه قوات خليفة حفتر ونحث على الوقف الفوري لهذه العمليات العسكرية ضد العاصمة الليبية.”

من جهتها، اعتبرت تركيا أن عملية تزيد من زعزعة الإستقرار وتقوض جهود التسوية السياسية في البلاد، وقالت الخارجية التركية في بيان لها “إن التصعيد الخطير للأوضاع في ليبيا جراء العملية العسكرية ضد طرابلس يثير قلقاً بالغاً. ومثل هذه المحاولات لا تؤذي السكان المدنيين وتزيد من زعزعة الإستقرار في البلاد فحسب وإنما كذلك تعرقل العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة”، مشددة على أن يتفوق المنطق السليم والعقلانية من أجل خفض التوتر وضمان الهدوء، في وقت أعربت عن دعمها لجهود الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، والمبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا غسان سلامة، من أجل التسوية السياسية للنزاع الليبي، داعية المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف موحد لتأييد هذا النهج والتمسك به.

عرض ليبي

كشفت صحيفة “لا ستامبا”الإيطالية عن عرض قدمه المشير حفتر لوقف المعركة الدائرة. وبحسب الصحيفة، فإن المشير حفتر عرض على قوات مصراتة تولي وزير الداخلية، فتحي باشاغا، رئاسة المجلس الرئاسي، مقابل إيقاف العمليات العسكرية، إلا أن الأخيرة رفضت العرض وقررت مواصلة القتال ضده.

ووفقا للصحيفة، فإن قوات مصراتة أشارت إلى أن قتالها إلى جانب السراج “ليس حباً فيه” إنما كرها لحفتر ومشروعه الذي يسير نحو تدمير ليبيا، وقالت الصحيفة إن حفتر، على الرغم من فشل محاولات التهدئة التي قام بها إثر تقهقر قواته ميدانياً، سيعيد الكرة مرة أخرى، بدعم خليجي.

بركان الغضب

في وقت سابق، دعت بعثة الأمم المتحدة إلى هدنة إنسانية لمدة ساعتين لإجلاء الجرحى والمدنيين من جنوب طرابلس، لكن المتحدث بإسمها أكد عدم التوصل للهدنة، قائلاً “لا نزال نأمل بموقف إيجابي من جانب المعسكرين.” كما أكد المتحدث بإسم جهاز الإسعاف والطوارئ، أسامة علي، أن فرقهم لم تتمكن من الدخول إلى مناطق المواجهات.

في هذا الوقت، أعلن المتحدث بإسم القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا، العقيد محمد قنونو، انطلاق عملية “بركان الغضب” التي تهدف إلى تطهير كل المدن من المعتدين والخارجين على الشرعية، مؤكداً على حرص القوات المسلحة على سلامة وأمن المدنيين، مشدداً على جاهزية القوات المسلحة لحماية العاصمة وكل مدن ليبيا، والضرب بيد من حديد من سماهم العابثين بوحدة وأمن البلاد.

توجس جزائري

أثارت التطورات العسكرية الأخيرة في ليبيا توجساً لدى بعض الجزائريين بسبب ما قال مراقبون إنه “غير بريء” لتزامنه مع الحراك الشعبي الذي تشهده البلاد، منذ فبراير/شباط 2019. وفي أول رد رسمي لوزارة الخارجية الجزائرية أكدت أنها تتابع بـ “بالغ الإنشغال” آخر التطورات، ودعت أطراف النزاع إلى التعقل وتغليب الحل السياسي التفاوضي، معتبرة أن أي “تصعيد عسكري قد يعيق مسار تسوية الأزمة” لأن اي تصعيد عسكري قد يعيق الجهود الجارية ويعرقل مسار تسوية الأزمة التي يعيشها هذا البلد الشقيق والمجاور. كما دعت إلى حوار شامل بين كافة الأطراف الليبية برعاية الأمم المتحدة وبعيداً عن أي تدخل أجنبي.

في هذا الشأن، يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، محمد عمرون بأن “توقيت العملية التي يقودها حفتر غير بريء”، معتبراً أن هناك أطرافاً إقليمية أوعزت له بضرورة القيام بهذه العملية العسكرية من أجل تحطيم العملية السياسية التي اتفق عليها منذ أسبوع وبمباركة من الأمم المتحدة.

من جهته، قال الخبير الأمني، عمر بن جانة، إن حفتر يقود مجموعة مليشيات لا يتعدى تسليحها المشاة الخفيفة، وتحركاته داخلية أكثر منها خارجية، هدفها الإستحواذ على العاصمة طرابلس، مغتنمة فرصة الحراك الشعبي السلمي الذي تشهده الجزائر.

ويجمع مراقبون على أن المشير حفتر ينظر له في الجزائر على أنه واجهة لقوى خارجية، وزادت النظرة السلبية له بعدما هدد، في سبتمبر/أيلول 2018، بنقل الحرب إلى الجزائر في ظرف وجيز بسبب مشاكل حول ضبط الحدود، رغم اعتذار أحمد المسماري، الناطق الرسمي بإسم ما يعرف بالجيش الليبي، للجزائر عما صدر من قائده حفتر.

أخيراً بعد أن أصبحت قوات المشير خليفة حفتر، من جهة، وقوات حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دولياً والقوات الموالية لها، من جهة أخرى، تستخدم ضربات جوية في محيط العاصمة الليبية طرابلس، تطرح عدة أسئلة بينها سؤال حول مدى تأثير المعارك الجوية بين الطرفين في مسار المواجهة؛ حيث يتضح من مختلف المعلومات المتوافرة حول ترسانة الطرفين المتواجهين الجوية، أن حفتر متمرس بشكل أفضل مما هو عليه خصمه بالمعارك الجوية التي خدمته كثيراً من قبل في السيطرة على عدة مواقع أخرى في البلاد ولا سيما تلك التي كانت بين أيدي الجماعات الإرهابية القريبة من تنظيم “داعش” الإرهابي.

ومع ذلك، فإن العديد من المحللين أنفسهم يقولون إن خليفة حفتر ليس بإمكانه التعويل كثيراً على سلاح الجو في حال استمرار المعارك من حول طرابلس وداخلها لمدة طويلة لعدة أسباب منها أن أسطوله الجوي العسكري لا يتجاوز بضع عشرات المقاتلات أو المروحيات اقتنيت في غالبيتها من الإتحاد السوفياتي السابق، وان قوات حكومة الوفاق الوطني والمجموعات المسلحة الموالية لها تتوفق على قوات حفتر في خوض معارك الكر والفر الميدانية وتجنب الضربات الجوية، وبالتالي فإن غالبية ضحايا الضربات الجوية التي جرت أو ستجري في محيط العاصمة او قلبها ستكون من المدنيين على الأرجح، وهذا ما تخشاه كثيراً منظمة الأمم المتحدة التي أعلنت، في 7 أبريل /نيسان 2019، أن الأطراف المتقاتلة لم تلتزم بالهدنة التي دعت لها لمدة ساعتين في اليوم ذاته للسماح بإجلاء الجرحى وبخاصة المدنيين.

مصدر الأخبار: وكالات.

مصدرالصور: جريدة الرياض – بوابة افريقيا.